إلى ماذا ترجع أسباب التطور في البلدان المتقدمة والإنتظام؟ هل من المعقول أن يرجع السبب فقط إلى مناهج وأساليب التعليم؟
لبناء جيل متعلم ومتفوق ينهض ببلد لا بد من تنشئة الأطفال في المرحلة الإبتدائية وتحويلهم إلى قادة منذ الصغر وغرس السلوكيات القيادية والمفاهيم السليمة للتطور والتعلم، فهم لا يهدفون إلى تخريج أجيال أذكياء بارعين في المجالات الأكاديمية فقط وإنما يطمحون لتخرج جيل يتسم بالنظام والنظافة وتحمل المسؤلية للنهوض بمجتمع كامل.
ففي مدرسة في اليابان جاءت إدارة التعليم لمراقبة صف من الصفوف وأعطت المعلمة إشارة بأن تكمل درسها بالشكل الطبيعي، فدخلت بهيبتها وحكمتها لتبدأ بإعطاء الدرس فتوقف جميع الطلاب ليسألونها بعض الأسئلة، فنظرت إليهم نظرة حادقة أنه ليس من الوقت أمام الإدارة لطرح الأسئلة ثم أعطتهم نفسها وأذنها، فسألت أحد الطالبات لماذا ندرس؟؟ إستغربت المعلمة من السؤال وصمتت، فتابعت الطالبة بأنك قلت لنا أن الدراسة والإلتحاق بجامعة جيدة ومن ثم الإلتحاق بشركة جيدة هو أمر عديم الفائدة، إذا لما علينا الدراسة؟
وقفت المعلمة بصمود وقالت: إفتحو أعينكم وأذانكم فلتكن صاغية..
الدراسة ليست شيئاً يجب القيام به، بل هي شيء يجب أن ترغب القيام به، ففي المستقبل ستمر عليكم ظروف لن تعرفوهة ولن تدركوها، أشياء جميلة وأخرى ممتعة وأشياء غامضة فعند ذلك ترغبون بمعرفة المزيد، بعض من البشر يحبون الدراسة لكن كل من لايحب الإستطلاع ولا يشعر بالفضول فلا يمكن إعتباره من البشر بل إنهم أدنى من القردة، إذا لم تحاول أن تفهم العالم المحيط بك فما الذي يمكنك فعله...
مهما درست فهناك ثغرات لن تفهما في هذا العالم، هناك أناس مهما كان مستواهم الدراسي أو مرتبتهم المهنية وليس لديهم فضول في الحياة فهم يدخلون في عداد الأموات، فالدراسة ليست لأجل إجتياز الإمتحانات بل هي أمر تحول إلى شخص عظيم...
يعلمونهم في مناهجهم أن كل الناس سواسية ولا يوجد إختلاف بينهم وأنه مهما كان فلكل شخص يملك حياته الرائع الخاصة وكل مايملكه الإنسان كالعائلة والحب والأحلام والآمال والذكريات والصداقة لا أحد له الحق في أخذها منهم..
يعلمونهم أن يكون الشخص قوياً شجاعاً بنفسه حتى وإن إرتكب ذنباً أو خطأ أن يزرع في إذنه وقلبه أن المجرم الذي يطغى بظلمه على الناس سيقبض عليه، حتى وإن تمكن من الهرب فإنه سيعاني من الندم وتأنيب الضمير طول حياته ولن تعود إليه سعادته حتى يكون حكيماً في نفسه..
يعلمونهم أنه جميعنا سعداء ولا للحزن والتعاسة بيننا فلكل شخص سعادته الخاصة به منه من تكمن سعادته في ممارسة الهوايات وممكن أن تكون سعادته بوجود من يحبهم بقربه فالسعادة ليست شيئاً يُحجّر نفسه به..
يعلمونهم أن يفرحوا جميعاً ويقفواً جميعاً وأن يمسكوا بيد بعض ليصلو لنجاحاتهم فإذا بدأ السباق يمسكون بأيدي بعض ليكونوا جميعاً الفائزين، نتعجب بإنتظامهم في الأدوار والأوقات والطعام والحب السائد بينهم فلا يوجد عداوات ولا غل بين بعض فهذا المعتمد في المدارس والتدريس والمنهاج، وليس المنهاج المعتاد عليه في البلاد العربية الذي يتصف بهوس التلقين والتقديس للماضي بكل مافيه دون تمييز بين ماكان مشرقاً وما كان مظلماً والسباق في الحفظ المنتسى بعد إنتهاء الفصل الدراسي أم أساليب العقاب المعتمد عليها التذليلة والترهيب بدلاً من الترغيب والصراخ والتوبيخ أمام الزملاء والمقارنة بين الطلاب والتمييز بينهم بدلاً من التشجيع، فتخلق العداوة والبغضاء والغل بين الطلاب والفشل وهدم البلاد..
فمن أهم أدوار التعليم المعتمد عليها إن كان إيجابياً للأمام وإن كان سلبياً للوراء والهدم، فهذا ما إعتمدوا عليه في البلاد المتقدمة في منهاجهم فنجحت البلاد والتطور والنظام نراه في حياتهم وأوقاتهم فلثوانيهم عداد زمني يمر على غيار العداد الزمني المعتاد عليه في بلادنا.