Facebook Pixel
951 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

ليست فقط البداية تحمل الجزء الأكبر من المشاق، لكنها تحمل بالتأكيد العزم المطلوب لنقطة الانطلاق أو نقطة الشروع, وهنا يتكلم عن النقاط الخمس الأساسية لبدايته

قبل فترة طرح على سؤال من قبل مجلة 7 مليار الشبابية العمانية...
وهذا هو السؤال..وجوابي عليه..
لأن البداية تحمل الجزء الأكبر من المشقة..كيف كانت بدايتك لما وصلت إليه الآن؟
لست واثقا من أن البداية تحمل الجزء الأكبر من المشاق، لكنها تحمل بالتأكيد "العزم" المطلوب لنقطة الانطلاق أو نقطة الشروع.
وهي نقطة مهمة في كل ما سيحدث لاحقا.
لكن كيف نصل أصلا إلى هذه النقطة؟
بالنسبة لي صرت أؤمن بالتدريج بأن الوراثة تلعب دورا أساسيا ومعقدا في أشياء كثيرة، ويمكن تبسيط دورها على النحو التالي:
ثمة عِدة موروثة، مكونة من مجموعة أدوات، مثل آليات تفكير معينة تساهم في التفكير الناقد وفي النظر بطريقة مختلفة، مع أدوات أخرى تشكل درجة عالية من الحساسية والتحسس العاطفي لما يدورحولنا...كثيرون يولدون بعدة متقاربة أو متشابهة في بعض النواحي، لكن آليات التفكير مثلا دون الحساسية العاطفية لن تنتج العدة ذاتها، بل ستنتج عِدة مختلفة، الحساسية دون آليات التفكير ذاتها ستنتج أيضا عِدة مختلفة..
الذي حدث معي أن هذه العِدة وجدت بيئة خصبة جدا، وهذا لا يحدث دوما، إذ قد تصدف أن تأتي العدة في بيئة محبطة أو بيئة غير مبالية على الأقل، معي كان العكس، كانت البيئة حاضنة فعلا، وكان لا بد لتفاعل التفكير والحساسية مع بيئة مليئة بالكتب أن تنتج مشروع "كاتب".
كنت " الممر" الذي حدث فيه هذا التفاعل. لم يكن لدي خيار كبير. ربما كنت أحيانا أنا التفاعل.
يمكنني أن أحدد خمس نقاط مهمة في البدايات، وكل نقطة منها فيها شيء من تفاعل العِدة الموروثة مع البيئة...
النقطة الأولى: بدأ الأمر بتحسس مرتفع نحو الأبجدية ظهر مبكرا، في السادسة من العمر، منذ أن تعلمت الأحرف الأبجدية حتى انطلقت أقرأ كل ما يقع بيدي وبشغف. وكان هناك الكثير مما يمكن أن يقرأ في بيت كانت بعض جدرانه من كتب. كما كان هناك الكثير من الدعم.
النقطة الثانية: كانت في تحسس مبكر أيضا للتعبيرالمجازي في سن السابعة، الأمر الذي أحدث عاصفة من الدعم والتصفيق من البيئة المحيطة، طبعا لم أكن أعلم معنى المجاز، لكني أحببت " لعبة التشبيهات" وصرت أستخدمها في كل ما أكتبه سواء كان واجب تعبير للمدرسة أو رسائل للأقارب.
أذكر بالذات رسالة كتبتها لابن خالتي وكنت في الصف الثاني الابتدائي، قلت له: أنا الآن في "براثن" درس العلوم!..أو درس " الحياتية" حيث يسمى هكذا لغاية الرابع الابتدائي.
النقطة الثالثة: كانت في المراهقة، الرابعة عشر أو الخامسة عشر، قرأت شيئا خارق الروعة وأحسست بالرعشة، حرفيا.
لم تكن الروعة في اللغة واستخدامها في الوصف كما تعودنا، بل في توظيفها لإيصال مشهد من داخل النفس البشرية. لا أذكر المقطع الآن للأسف، لكن الكتاب كان " كوابيس بيروت" لغادة السمان.
ارتعشت ثم قلت في نفسي : إما هكذا...أو لا...
النقطة الرابعة: كانت قبل أواسط العشرينات وكنت أتلمس طريقي في فهم الدين على نحو أكثر جدية... يومها كتبت لصديق واكتشفت أن كلماتي لها أثر...اكتشفت أن كلماتي يمكن أن تساهم في التغيير.
النقطة الخامسة: كانت يوم جلست لأكتب ما أصبح كتابي الأول، كان ثمة شعور ثقيل مهيمن على روحي بأن ثمة خطأ كبير في كل ما يدور وأنه لم يعد ممكنا الاستمرار فيما لا يمكن الاستمرار فيه...
وكان ثمة شعور آخر بأن بإمكاني أن أساهم في التصحيح.
لم أكن أعرف ماذا سيحدث بالضبط، لكني أعلم أن الكتابة كانت طوق النجاة الوحيد بالنسبة لي.
بعد هذه النقطة، صار الأمر أقرب إلى التفاعل المتسلسل الذي لا يمكن التحكم بنتائجه – من ناحيتي على الأقل.
أحيانا أسأل نفسي: هل كنت سأبدأ لو علمت مشاق الأمر؟
لكن نفسي ترد على نفسي: هل كان هناك خيار أصلا؟!
د.أحمد خيري العمري
نشر في 04 شباط 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع