Facebook Pixel
لماذا كانوا يرسلون أولادهم إلى البادية لسنوات؟؟
61364 مشاهدة
76
19
Whatsapp
Facebook Share

علمنا من السيرة النبوية الشريفة أنه كان عرف العرب حيث اعتادوا إرسال أبنائهم إلى البادية وقضاء فترة الطفولة الأولى هناك, ماالسبب؟

بعض ما قد رسخ في أذهاننا من سيرته عليه الصلاة والسلام قد يحتاج إلى إعادة فهم...
مثال ذلك قصة إرساله عليه الصلاة والسلام إلى البادية في طفولته المبكرة..
نعرف مما تعلمناه من السيرة النبوية الشريفة أن ذلك كان عرف العرب حيث اعتادوا إرسال أبنائهم إلى البادية وقضاء فترة الطفولة الأولى هناك..
لماذا؟
يقول بعض أصحاب السير بأن ذلك كان لما في "هواء البادية من الصفاء، وفي أخلاق البادية من السلامة والاعتدال، والبعد عن مفاسد المدنية، ولأنّ لغة البادية سليمة أصيلة" .
فلنشدد أولًا على أن الأمر كان موجودًا فعلًا لكنه لم يكن الأساس كما رسخ في أذهاننا، هناك شواهد على وجود حالات إرسال الصغار للبادية للرضاعة، فقد ثبت مثلًا أن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام) كان مسترضعًا في بني سعد أيضًا قبل فتح مكة كما أن إبراهيم بن النبي عليه الصلاة والسلام كان مسترضعًا في "عوالي المدينة" .
لكن هذا لم يكن القاعدة دومًا. ليس هناك ما يكفي من شواهد للتصور بأن هذه هي عادة قريش مع كل وليد لها. الحمزة عم النبي مثلًا كان أكبر من النبي عليه الصلاة والسلام وكان لا يزال في عمر الرضاعة عندما ولد النبي ورضع معه من ثويبة كما تقدم، أي أنه كان في مكة ولم يكن في البادية كما يفترض حسب الفهم السائد من أن كل العرب كانوا يفعلون ذلك.
من المهم أيضًا هنا أن نؤكد أن تبرير الأمر بفصاحة أهل البادية غير منطقي، فالطفل كان يرسل وهو رضيع ويعود بعد انتهاء الرضاعة بقليل، أي في الفترة الأولى لتعلمه النطق، وتصور أنه سيتعلم الفصاحة اللغوية في هذه الفترة أمر غير وارد، علمًا بأن الحديث الذي يفسر فصاحة الرسول بنشأته في بني سعد (أنا أعربكم أنا من قريش ولساني لسان بني سعد بن بكر) هو حديث موضوع.
يبقى أمر سلامة الهواء والبعد عن الأمراض واردًا جدًا. كان العرب يؤمنون بالعدوى ويتخذون تدابير وقائية مثل إخراج بعض المرضى من بينهم والحجر عليهم أو الخروج من منطقة العدوى، كما أنه يجب الأخذ بنظر الاعتبار أن مكة باعتبارها مركزًا للحج والتجارة كانت تتعرض لدخول الكثير من الأمراض عبر القوافل التجارية القادمة من مناطق مختلفة وفي ظروف سيئة، لذا فإنه من المنطقي أن يتخذ أهل مكة بعض الإجراءات التي تحمي أبناءهم من العدوى.
لكن هذا لم يكن الأمر الذي يحدث مع الجميع، كان الاستثناء الذي يجب أن يتخذ عند الاضطرار. كذلك من غير الممكن تصور أن عاطفة الأمومة كانت ضعيفة عند نسوة قريش لدرجة التنازل عن أولادهن لسنوات دون وجود عذر مشدد، نستهول الآن كيف تترك بعض الأمهات صغارهن للخادمات الأجنبيات، ونعتبر ذلك من علامات الساعة، فكيف نعتقد أن ذلك كان المعتاد من نسوة قريش وأشراف العرب؟
كما أن القول بأن ذلك كان من "أجل تفرغ النساء للأزواج" - كما قال بعض أصحاب السير- مخالف لما ألفناه من الفطرة الإنسانية التي تؤثر الأمومة كما أنه غير وارد في الواقعة هنا لأن آمنة كانت أرملة أصلًا، وتفرغ النساء لأزواجهن -على فرض حصوله- يمكن أن يتم باستئجار مرضعة في مكة نفسها وليس في البادية.

أكرر هنا، ثبت أن الرسول الكريم قد ذهب إلى مضارب بني سعد، جنوب الطائف بحوالي 75 كيلومترًا، حوالي 150 كيلومترًا عن مكة، وأنه رضع عند حليمة السعدية، وبقي عندها إلى سن الرابعة في أشهر الأقوال.
لكن سياق قصة ذهابه (من أنها عادة العرب) لا يبدو صحيحًا لا من ناحية الأخبار ولا من ناحية المنطق، وتفاصيل قصة حليمة السعدية لم تصح، لكن ثبت أن عليه الصلاة والسلام كان قد أُرسل فعلًا إلى بني سعد عند حليمة السعدية وبقي لسنوات عندها.
إرساله إلى هناك لم يكن ضمن المعتاد إذن، بل ضمن الحالات الاضطرارية التي يُخشى فيها على حياة الوليد...
ما هي هذه الحالات؟
هناك احتمالان واردان هنا.
الأول أن السيدة آمنة كانت معتلة الصحة، ويعزز ذلك عدم ورود أي خبر عن إرضاعها لوليدها عليه الصلاة والسلام. ولعل الأمر بدا لعبد المطلب أنه أكثر من مجرد حُمّى نِفاس تعطل عن الإرضاع أو توقف إمكانيته إن طالت (كما يحدث كثيرًا بالفعل) ولذلك ربما تصور أن مرضها يمكن أن يكون معديًا وخطرًا على الطفل (وهو وحيد ابنه المتوفي عبد الله، وكل ما بقي منه بالنسبة لعبد المطلب) فآثر أن يبعده عنها حرصًا على سلامته.
فلننتبه هنا أيضًا إلى أن السيدة آمنة لم تتزوج بعد وفاة زوجها، علمًا أن المجتمع آنذاك لم يكن يفرض أي قيود على ذلك كما تفعل بعض مجتمعاتنا اليوم بشكل أو بآخر، بل إن وجود أخوة لزوجها مع إمكانية التعدد كان يتيح لها أن تبقى ضمن نطاق آل عبد المطلب ويُنشّأ محمد في كنف أعمامه.
لكن هذا لم يحدث، وهو أمر غريب، أرملة شابة ذات حسب ونسب، لم لا تتزوج؟
لعل هذا يمكن أن يكون منطقيًا أكثر باعتلال صحتها الذي جعل عبد المطلب يسترضع سواها.
الاحتمال الثاني: ولد الرسول عليه الصلاة والسلام في عام الفيل كما تقدم، أي السنة التي تعرض فيها جيش أبرهة للوباء (قيل الجدري وقبل الحصبة) ، أي أن مكة كانت في هذه السنة تحديدًا معرضة أكثر من السنوات الأخرى إلى خطر الأمراض، ولعل عبد المطلب فضل أن يسرع بإخراج الطفل الوليد منها بعيدًا إلى حيث يكون في مأمن من الخطر. ولعل هذا يفسر اختيار بادية بني سعد ليس ببعدها حوالي 150 كيلومترًا عن مكة، بل أيضًا بكونها محاطة بسلسلة جبال السروات التي تفصل بينها وبين مكة والتي يصل ارتفاعها في بعض المناطق إلى ألفي متر، مما يصعب انتقال الناس وبالتالي الأوبئة من مكة إليها.
ولعل الأمرين واردان معًا، فلا شيء يمنع من أن يكون خطر وباء عام الفيل قد عجل في إخراجه عليه الصلاة والسلام من مكة، ولكن اعتلال صحة آمنة قد عطل عودته إليها.

من "السيرة مستمرة."..
د.أحمد خيري العمري
نشر في 13 شباط 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع