Facebook Pixel
بين أصالة فنلندا...و حَداثةِ الأندلس
1199 مشاهدة
1
0
Whatsapp
Facebook Share

كيف وصلت فنلندا للمركز الأول في التعليم، وما الفرق بينها وبين الأندلس في قيمة العلم والمعلم ؟

يضجّ العالم بكيفية حصول فنلندا على المركز الأولِ في التعليم عالمياً. وكيف نأت هذه الدولة الإسكندنافية بنفسها عن صراعاتِ العالم السياسية، وآثرت العمل بصمتٍ على مجال التعليمِ وأشخاصهِ وأدواته .

لم تكن هذه النقلة طفرةً في تقدم فنلندا، إنما احتاجت لمراحل عدّة من الجهدِ والوقتِ والبحوثِ والدراساتِ والخبراءِ والأخصائيين في مجال علم النفس والتربية . حيث لا يتم قبول إلا ١٠٪‏ من المتقدمين لمهنة التدريس، على أن يكونوا من ذوي الكفاءات العالية، الحاصلين على الماجستير والدكتوراه، وذلك لضمان أنه لن يصل لهذا الموضع الحسّاس، إلا نخبة النخبة ممّن يستحقونه. ويبدأ المعلم مشواره مع الطلاب الذين سيلازمهم خمسَ سنوات، وذلك لضمان الألفة، و فهمِ خبايا طموحاتهم، وبالتالي يستطيع أن يضع المنهاج الملائم لميولهم و أهدافهم، فالأمر الغريب في فنلندا أنّ المعلم هو من يضعُ المنهاج ويقسّمه ويختاره، دون أن يُملى عليه، فكيف للحكومة أن تشغلَ نفسها بوضع منهاجٍ عامٍ لا يلائم جميع المستويات، وهي التي اختارت المعلم من النخبة أصلاً، تعطيه الصّلاحية التّامة لأنه هو الأدرى !

الحصص الدراسية هي ٤ ساعاتٍ فقط، وباقي الدوامِ مخصّصٌ لنشاطات الطلاب وتحفيزهم وتنمية شخصيتهم البدنية والروحيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والجماليّة، والابتعاد قدر الإمكان عن التلقين والتحفيظ والتسميع والاختبارات والواجبات، و تُستبدل هذه المثبطات، بالعصف الذهني والانفجار المعرفي والبحث والتمحيص الذاتي .

وتكون نتيجة الطالب،عبارة عن تقييم من قِبل معّلمه تبقى سريّةً لا تُبرَز إِلَّا لضرورة ، حيث على المعلم الاهتمام بجوانب النّقص عند الطالب،لإعداده للمرحلةٍ القادمة.

و بعيداً عن فنلندا، ربما ليسَ جُغرافياً، لكنّه بعدٌ تاريخي .

كانت الأندلسُ، طَفرةُ العلمِ البارزة في التاريخ البشريّ.

أمّا اللغزُ الكامنُ في هذا التميّز، هو أن الشعب الأندلسي، كان هو المقبلُ على العلمِ بذاتهِ، مختاراً غير مدفوعٍ لذلك. بل وقد كان الشخص الأندلسي، يُنفق الغالي والنّفيس لكي يتعلّم، ومتى عُرِف بالعلمِ ، جعلهُ المجتمعُ في مقامِ التكريمِ والتشريف.

حتى أنّ باعةّ العنبِ والتينِ وغيرهم من الجوالين، كانوا يقرأون أمامك القرآن كاملاً وألفيّة ابن مالك وديوانُ المتنبي دُونَ أن يسهو بحرف. فقد كان الكثيرُ من عوامِ النَّاس، يحفظُ ويتبحّرُ بالعلمِ، لا لحاجةٍ إِلَّا حبّاً بالعلم.

حتى أن التّجار و أصحابَ الحوانيتِ كانوا لا يقبلونَ لمن لا يجيدُ القراءة والكتابةَ في العملِ عندهم. وقد ذكرَ ابن خلدون، أنّ الولد في الأندلس عِنْدَ البلوغ يشبّ على التربيةِ والشعرِ وقواعدِ اللغةِ العربيّةِ والحسابِ والخطّ والكتابةِ و قد تعلّقَ بأذيالِ العلم.

فما بالك بقيمةِ المعلمِ في مثلِ هذا المجتمع. لقد كان المعلم يُعتبرُ من كبارِ القومِ، والعملُ في مجالِ التعليم مناطٌ بكثيرٍ من التقدير العالي في المجتمع، حتى أن الدولة تختار للمناصبِ الرفيعةِ مَن كان لهم باعٌ طويلٌ في التدريس. حيث تُعتَبَرُ مهنة التدريس من المهن التي تحتاجُ ذكاءً فائقاً.

و كان لابدّ للمعلم أن يرحلَ للمشرقِ ليدرسَ هناك ويعود ليكتسب شهرةً عاليةً في المجتمعِ الأندلسي، ويُقالُ عنه ( لَهُ رحلة ) أي ما يعادل مصطلح ( عائدٌ من بعثة ) في زماننا هذا !

و كان المعلم يدرّس منهاجاً غيرُ مكتوب، يجهدُ هو في تنسيقهِ حسبَ ما يراهُ ملائماً لطلابه، أو بما يلاحظه من نبوغٍ لأحدهم في مجالٍ معين .

كم نحتاجُ في زماننا، إلى الاعتبار بالتجربةِ الفنلنديةِ والتجربةِ الأندلسية، فعندما نؤمن بأن العلمَ فرضٌ، كما فرضهُ نبيٌ كريمٌ لا ينطق عن الهوى، سنسبق فنلندا في جغرافيةِ المكان، ونتجاوزُ الأندلسَ في تاريخيةِ الزمان.

تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع