1422 مشاهدة
0
0
إن الجوامع والمدارس التى احتضنت ثقافتنا الذاتية كلها، جزء مشرق من تاريخنا وجانب مثمر جليل من حضارتنا، ورسالتنا الكبرى، من كتاب علل وأدوية للكاتب محمد الغزالي
كتاب : علل وأدوية - بقلم : الشيخ محمد الغزاليالحلقة [ 21 ] التعليم الأصلى وهل وَفَّى أهله له
معاهد التعليم الأصلى ـ كما تسمى فى عصرنا ـ أو الجوامع والمدارس التى احتضنت ثقافتنا الذاتية كلها، جزء مشرق من تاريخنا وجانب مثمر جليل من حضارتنا، ورسالتنا الكبرى.
بل هى الأساس لوحدة أمتنا على اتساع رقعتيها المكانية والزمانية، فإن ما قدمته هذه الجوامع من زاد روحى وفكرى ربط الخلف بالسلف وربط شرق الأمة بغربها وأمحت الفروق بن الأعصار والأمصار فإذا المسلمون جميعا يلتفون حول كتاب ربهم وسنة نبيهم، ويحكمون الارتباط بأخلاقهم وتقاليدهم وأهدافهم، ويحسنون التفاهم والتعبير العالى بلغتهم وآدابهم، ويثبتون الملامح الوسيمة لأمتهم، فهى واضحة الشخصية معروفة الغاية، مأنوسة الصورة للصديق والعدو على سواء .
ولنعد إلى الوراء قليلا، لقد نجح الأتراك منذ خمسة قرون تقريبا فى الاستيلاء على (القسطنطينية) واشتبكوا فى حروب عوان مع الصليبية الغربية، ومع أنهم عجزوا عن حماية الأندلس فقد استطاعوا وقف الزحوف الصليبية على العالم الإسلامى بضعة قرون.. لكن الأتراك الذين أصابوا سهما من التوفيق فى سياستهم الخارجية وقدرتهم العسكرية فشلوا فشلا بينا فى سياستهم داخل العالم الإسلامى الذى حكموه دهرا.. فإذا الحضارة الإسلامية المتفوقة تتراجع، وإذا الثقافة العربية ـ وهى شريان الحياة الإسلامية ـ تذبل، وتلفت المسلمون من المشارق والمغارب، فإذا الأزهر، وبعض المعاهد المشابهة هى التى بقيت وحدها تمد الإسلام والمسلمين برشفات المعرفة التى تحتاج إليها الأمة الكبيرة كى تحيا.
والواقع أن الجامع الأزهر هو المستقر الذى أوت إليه علوم الدين واللغة، وأضحت القاهرة به العاصمة الثقافية للعالم الإسلامى أجمع، وهرع الطلاب إليه من شواطئ المحيطات الهادى والهندى والأطلسى. وإلى أن طلبت العلم فى الأزهر كان لى زملاء من الصين واليابان وإندونيسيا شرقا، ومن المغرب والسنغال والجزائر غربا..!
وفى الغارة الصليبية المعاصرة على العالم الإسلامى كان لابد من وضع خطط خبيثة لإنزال الأزهر عن هذه المكانة، ومنعه من تأدية وظيفته الخطيرة، وتجفيف الينبوع الذى يستقى منه المشارقة والمغاربة أصول دينهم ومعالم وحدتهم وعناصر وجودهم المادى والأدبى، وبذلك يمكن الإجهاز على أمة أحاطت بها الذئاب.
ونحن نعتقد أن القرآن باق ما بقيت الحياة على هذا الكوكب! وأن المسلمين باقون ما بقى القرآن! وأن الأزهر باق ما ظل ولاؤه للإسلام حيا وجهاده له قويا..!
ولنقل فى صراحة إن الاستعمار العالمى لا يسوءه أن ينبغ فى القاهرة طبيب يسبق زملاءه فى مستشفيات لندن أو موسكو مادام هذا الطبيب ملحدا أو مقطوع الصلة بالإسلام، فالعبقرى الملحد يمكن أن يعمل تحت أى راية، وأن يستأجر فى أى ميدان، إنه كالجندى المرتزق يشترى بالثمن الغالى أو بالبخس. ومن ثم فالجامعات المدنية البحتة لا تخيف الاستعمار، بل قد يعينها ويشجعها!
إن الاستعمار يخاصم بعنف كل عمل له صبغة إسلامية، ويشتد غضبه إذا رأى الثقافة الإسلامية تملك زمام التوجيه، أو رأى الأزهر يخرج علماء أوفياء لدينهم، مشربين روحه، متابعين فتوحه العقلية والأدبية.
وهذا الموقف الحقود يفرض علينا مزيدا من الحذر فى حماية أنفسنا وتحصين قلاعنا واكتشاف ما يبيت حاضرنا ومستقبلنا، ويفرض علينا قبل ذلك كله أن نصحح أخطاءنا ونسد الثغور التى اقتحمنا منها، وتسلل العدو منها إلى حمانا.
إن التعليم الأصلى فى صدر الإسلام ـ ولم يكن ثم غيره ـ لبى حاجات الأمة التربوية والتشريعية والأدبية، وقدر قدرة تامة على تكوين أجيال ناضجة، وجعل المسلمين ـ عالميا ـ أمة تعطى أكثر مما تأخذ، بل جعلها تدفع ولا تندفع، تغزو ولا تغزى نعم.. كان المسلمون بازدهارهم العلمى الأمة الأولى فى العالم..! ثم حدثت بعد ذلك أمور ليس هنا مكان متابعتها، فلنقفز قفزة واسعة لنرى هذا التعليم من نصف قرن فقط.
وسأجعل نفسى ومراحل دراستى منطلق التعليق الذى لابد منه! فى الصف الثانى من المرحلة الابتدائية درسنا تاريخ الدولة العثمانية حسنا، إن دراسة أى شعب إسلامى أمر واجب ، فالمسلمون أمة واحدة غير أنى أتممت دراستى الأزهرية التى استغرقت خمسة عشر عاما، دون أن أدرس حرفا عن المسلمين جنوب شرقى آسيا وجنوب آسيا نفسها، وشمال أفريقيا وغربها فى العصر الحديث!
لم نعرف حرفا عن الاستعمار الهولندى لجزر إندونيسيا، ولا الأسبانى لجزر سولو ومندنا وسائر الجزر التى سميت بعد (الفليبين)، لم نعرف كيف استعمر الفرنسيون الهند الصينية ولا ما حدث للمسلمين فى فطانى والملايو وسنغافورة.. الخ.
وما يقال عن هؤلاء يقال مثله عن جهلنا المطبق بمسلمى التركستان الصين! والروسية وبقية الشعوب الإسلامية التى ابتلعها التنين الروسى.
أما القارة السوداء ـ والإسلام هو الدين الأول فى أقطارها ـ فالوضع أدهى وأمر ، وقد أنشئت فيها الآن خمسون دولة وزع المسلمون عليها بخطة بالغة الخبث كى يذوبوا على عجل أو على مكث! المهم أن يذوبوا على مر الأيام.
لقد تبين لى أن دراستنا للتاريخ الإسلامى ضحلة، وأن دراستنا للتاريخ الإنسانى فوق الصفر بقليل. كيف هذا؟
إن رسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ للقارات كلها، فكيف نجهل هذه القارات ولا نعرف ما يعمرها من أجناس ومذاهب وفلسفات؟ ولماذا نلوك بألسنتنا أن رسالتنا عالمية، دون أى سعى للاتصال بهذا العالم الرحب؟ ولماذا انتظرنا حتى اكتشف غيرنا الأمريكتين وأستراليا ووضع عليها طابعيه المادى والأدبى، ثم جاء يطرق أبوابنا وهو يجرر أذياله خيلاء واستعلاء ليعلمنا ما لم نكن نعلم؟
إن القرآن الكريم يجعل السياحة من خلال الفضل، ويجعل دراسة التاريخ كله من مكونات العقل! (أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون).
الحق أن المشرفين على التعليم الأصلى من أمد طويل فرطوا فى حقوق الأخوة الإسلامية حين فرطوا فى دراسة الأجناس التى اعتنقت الإسلام، وعموا عن قضاياها المصيرية، ونسوها على هذا النحو الشائن.
وأساءوا إلى عالمية الرسالة المحمدية حين انطووا على أنفسهم وانشغلوا بمشكلاتهم تافهة كانت أو جليلة، فكانت عقباهم هذا البلاء الذى نزل بهم من كلاب الأرض وذئابها.
وقفت ـ وأنا أزور البحرين ـ أمام بقايا قلعة برتغالية لا تزال جاثمة على أرضنا، وغُصت فى أعماقى أنبش معلوماتى التاريخية، متى وصل القراصنة هنا؟ ولم أستطع الإجابة! وسكت وأنا محزون.
ولأترك تقصيرنا فى دراسة التاريخ الإسلامى، وتقصيرنا فى الإلمام بمعالم تاريخ الإنسانية قديما وحديثا، ولانتقل إلى موضوع آخر.. إن التشريع الإسلامى أنفس مواريثنا الحضارية.
والقانون الرومانى إذا قيس بفقهنا الرحب كان كالكوم التافه إلى جوار جبل أشم. وعلم أصول الفقه هو كما قال الشيخ مصطفى عبدالرازق آية العبقرية العربية وهو أدل على فكرنا وأصالة بحثنا من الفلسفة الإسلامية لأنه نتاج إسلامى خالص رائع.
غير أن علم الأصول فى دراساتنا الأخيرة أمسى علما أثريا هامدا يحفل بالأقوال والمناقشات الحرفية، ولا صلة له بتشريع خاص أو عام، وقد جدد الشاطبى منهجه فى الموافقات، كما أن لبعض المذاهب الفقهية قواعد أصولية جديرة بالحفاوة! ولكن ذلك كله مهجور فى دراستنا. والمادة العلمية لا تعدو التلخيص أو التمطيط، والاطلاع النظرى على مخلفات الماضين.
أما الفقه الإسلامى الذى استبحر قديما وحكم العلاقات الدولية كما حكم الروابط العائلية فهو يحيا الآن على هامش المجتمع الإسلامى ريثما يتم رميه بعد حين فى سلال المهملات. فقه لا يستفتى فى الشئون العمالية أو الدستورية أو الدولية، وقد يسمع قوله أحيانا فى بعض الشئون، أو لا يسمع.
ورجال التعليم الأصلى مسئولون عن هذا المصير الكابى، فنحن ندرس الفقه على نحو عقيم أو قليل الجدوى، وأذكر أنى فى الحادية عشرة من عمرى بدأت أدرس فقه العبادات على المذهب الحنفى وكان زملائى الآخرون يدرسونه على مذاهب أخرى.
وفى ظنى أن الفقه المذهبى نوع من التخصص العلمى، التخصص المبكر الذى لا معنى له. ووددت لو تعلمنا العبادات من خلاصات سهلة من الكتاب والسنة ثم بعد فترة نتوزع على الفقه المذهبى، ولا بأس أن يدرس الطالب أكثر من مذهب فقهى إذا كان سيتجه إلى هذا الميدان.
ويجب أن تدرس المذاهب على أنها وجهات نظر متساوية القيمة وأن تناقش الأدلة وتوزن الاتجاهات بحياد علمى وصدر مفتوح لا مكان فيه للخصومة والجفاء وتفريق الأمة. وأرى أن يوضع حد للتقطع القائم بين آراء الفقهاء الكبار، وأن يدرس الأزهر ابن تيمية، وابن حزم وغيرهما إلى جانب الأئمة الأربعة..
إننا نواجه طوفانا من الأفكار والموازين الشائعة للحقوق والمصالح ولا مساغ لمقابلة هذا الطوفان بفكر إسلامى واحد، بل يجب أن يقابل بجميع المدارس الفقهية عندنا.
ثم إن الخلود لكتاب الله وسنة رسوله لا لاجتهاد بشر، ويعنى هذا ألا نتحرج من وزن الاجتهادات القديمة وأن ننفض يدنا من بعضها إذا بدا أن لا مجال لبقائه. ألا ترى ابن تيمية عد الطلاق الثلاث واحدا، لما رأى أن اجتهاد عمر فى إمضائه ثلاثا أدى إلى نتائج سيئة؟ لقد عاد به إلى الأصل على عهد النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعهد أبى بكر..
وهناك اجتهادات كثيرة ينبغى أن يتوفر الراسخون فى العلم على وزنها وإعادة تقويمها حتى لا يجىء امرؤ يخدم الاستبداد السياسى بدعوى أن الشورى لا تلزم حاكما.. مثلا.. والقضايا الاجتهادية كثيرة، وقد نستبدل اجتهادا باجتهاد، أو نأتى بجديد تحتاج إليه الأمة وتقره النصوص والقواعد. وأحسب أن فقه العبادات سوف يبقى على حاله.
أما الفقه الإدارى والدستورى والدولى فإن تياراته الراكدة يجب أن تتحرك، وأرى لفيفا من المسئولين عن التعليم الأصلى كانوا باسترخائهم وتقاعسهم سببا فى انهزام الشريعة وهجوم قوانين دخيلة على دار الإسلام، أى أننا أزرينا بأفضل مواريثنا، ومكنا لتشريعات وضعية معيبة أن تتسلل وتحتل أرجاء المجتمع، مع الغنى التام عنها.
وأعود إلى ذكريات تعليمنا الثانوى، كانت الشهادة الثانوية قسمين أولا وثانيا، وكان مفروضا فى القسم الأول أن ننال من علوم الكون والحياة والرياضة ما يناله زملاؤنا من طلاب التعليم المدنى، لا نقل عنهم إلا معرفة اللغات.
ثم شكا بعض قصار الباع من هذا الوضع فإذا لجنة تتكون لتحذف كثيرا من علوم الأحياء والرياضة والطبيعة والكيمياء بحجة ضعف الطلاب فى العلوم الأصلية! والحجة مفتعلة! وقد نشأ عن هذا الحذف تخرج علماء لا يدرون من العلوم المهمة فتاتا خفيف الوزن.
وأحب أن أنبه إلى أن كل قصور فى العلوم المدنية لا يزيد دارسى الدين إلا خبالا، إن الإسلام دين لا ترسخ قواعده ولا تنضج معارفه إلا فى جو علمى واسع الآفاق، ولا أدرى كيف يفهم عظمة القرآن الكريم رجل لم يدرس علوم الأرض والسماء وما بينهما.
إننى شعرت بخجل حين استبعد عالم دينى الوصول إلى القمر، وقال فى التعليق على ما أذيع: إنه خبر آحاد!
وشعرت بخجل أشد عندما ألف بعض المنسوبين إلى العلم الدينى، بل البارزين فيه كتابا ينكر فيه دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس وساق آيات من الكتاب لم يفهمها ليدعم رأيه.
إن عقيدة التوحيد تضار حين يعرضها أولئك القاصرون! وهم معذورون لأنهم لم يعرفوا من العلوم الكونية شيئا، وجل ما يحفظون مرويات تتضمن الغث والثمين، وتعرقل سير الدعوة بل تلقى ظلمات على الفكر الدينى كله.
والواقع أن تكوين العقل الدينى لا يتم إذا كان فى عزلة عن الاستبحار العلمى الحديث، وأهل الذكر لا تستقيم لهم فتوى إذا كانت معرفتهم بالحياة لا تعدو الأبجديات القديمة. وأرى ضرورة تنظيم محاضرات فلكية وطبية وجغرافية وجيولوجية وفيزيائية وكيمائية.. الخ على المشتغلين بالعلم الدينى حتى بعد تخرجهم، فإن التخلف فى هذا المضمار مصيبة.
ونلاحظ أن هناك وحشة بإزاء عدد من العلوم الإنسانية مثل علم النفسى والتربية والأخلاق والاجتماع.. الخ. والواجب أن تدرس هذه العلوم وأن توضع فى إطار إسلامى صلب.
وعندى أننا لو غربلنا التراث الصوفى وقدرنا جهود ابن القيم وابن الجوزى والغزالى وابن عطاء الله السكندرى وغيرهم لأمكننا أن نخرج بحصيلة رفيعة القدر فى مجال الخلق والتربية والسلوك ولأمكننا أن نصوغ نصف العلوم الإنسانية فى قالب إسلامى جميل ونافع.
لقد رفض كثير من الموجهين اعتبار التصوف علما، وتركوه للجماهير تتبع فيه آثار شيوخ لا يحسنون التربية والقيادة، بيد أن هؤلاء القاصرين كانوا أقدر على اقتياد العامة من فقهاء جافين مكروهين فقدوا صفاء النفس وسماحتها وطيبتها. فإلى متى يبقى هذا الموقف الرافض؟ وماذا كسبنا منه؟
كسبنا أن الدين عند العوام وأشباههم جملة من الأحكام الجزئية، والمعارف المبتورة، من ورائها طباع لم تهذب، وأهواء قد تعلن عن نفسها بمكر فى صور الطاعات وقشور العبادات، أما الضمير فميت!
إن الدين يفقد جوهره حين تضعف علاقته بالقلب، وعلم القلوب أو علم السلوك وجد فى التصوف الإسلامى خواطره ومراحله، والمهم هو ضبطها بتعاليم الشريعة، ومنع العواطف السائلة الرجراجة من الانطلاق دون حدود.
وإنه لمما يعين على إدراك هذا الهدف الاستعانة بالعلوم الإنسانية خصوصا بعدما هجرت منهجها الفلسفى وخطت لها مجرى علميا يحترم الحقيقة ويلتزم بها.
والعلماء فى هذا المجال ليسوا سواء، ففيهم المخطئ والمصيب، بل فيهم المؤمن والكافر، فلنغص معهم فى أغوار النفس ولنتقلب معهم فى أرجاء المجتمع، ولنكتشف معهم أسرار البشرية ثم لدينا بعد ذلك كله مهاد من حقائق ديننا نستطيع معه أن نبنى ونعلى البناء.
من حسن حظنا أننا نشأنا فى غمار يقظة للغة العربية وقواعدها وآدابها، وفى أيام كان الخطأ في اللغة يعد نقيصة، والبيان الردىء يحسب عجزا، ورزقت اللغة بشعراء فحول وكتاب عباقرة، حتى ليمكن القول إن هذه اليقظة عوضت ما أصابنا من جمود طوال العصر التركى، وردت للغتنا شبابا لم تعرفه إلا فى أيام الأمويين والعباسيين.
ولا ريب أن الاستعمار العالمى انتابه قلق بالغ لهذا الازدهار فهو يبغى القضاء على اللغة العربية تمهيدا لردم ينابيع الإسلام الثقافية، وجعله رفاتا لا حياة فيه.
وقد بلغ الاستعمار كثيرا من أهدافه فى ضرب الشعر والنثر وقواعد النطق ولون الأداء، وذهب (سعد زغلول) الذى لا يقع فى خطاباته السياسية لحن ولا إسفاف! وذهبت المدرسة التى ألفها وجاء أغيلمة يخطبون بالعامية فتسمع لهم بغاما مؤذيا، ورطانات قبيحة.
وكان المفروض أن يتحرك رجال التعليم الأصلى لحماية اللغة والدين والدفاع عن العلم والأدب، واستنقاذ التراثين الروحى والعقلى من هذا الطنين السخيف! بيد أن الألسنة خرست لغير سبب. ومن ثم تتابعت الهزائم على لغتنا فى كل ميدان.
والذى أنبه إليه أن الأزهر يجب أن يستيقظ ويوقظ التعصب للغة العربية، ويستعجل كل ما يوفر لها الحماية، ويتعاون مع المؤسسات الفنية لمواجهة التخلف الرهيب فى مصطلحات العلوم وألفاظ الحضارة، ويبنى حصونا جديدة تحرس لغة التخاطب من لهجات الرعاع، ومواريثنا الأدبية من فوضى التغريب والتقليد الأعمى.
إن الجرأة على اللغة العربية وصلت إلى حد الفحش، والسكوت على هذا الوضع طريق إلى الارتداد عن دين الله. لقد وقعت ـ فى ميدان التعليم الأصلى ـ هنات وهنات، ثم ظلت تنميها وتزيدها سنون كالحات فماذا كان؟
كان أن فقد هذا التعليم تلبيته لمطالب الإسلام وحاجات الأمم، ولم تعد له هيمنة على الحياة العامة، بل عجز عن التماسك أمام زحف التعليم المدنى القادم فى موكب الاستعمار.
ونحن نأبى أن نفرط فى هذا التعليم لأن التفريط معناه الانتحار ونريد أن نوفر له أسباب العافية والاكتمال حتى يؤدى رسالته العتيدة، ويستحيل أن ينقه هذا التعليم مما عراه إلا أن يعود كما كان صورة سليمة وسيمة لتعاليم الإسلام فى كل مجال.
كنت أقرأ مذكرات تقدم آيات الأحكام لإحدى كليات الشريعة فى العالم الإسلامى، فوجدت الكاتب الفاضل يفسر آية قوامة الرجل على المرأة فيقول: ( دلت الآية على أمور:
1 ـ تفضيل الرجل على المرأة فى المنزلة والشرف.
2 ـ أن للزوج تأديب زوجته ومنعها من الخروج.
3 ـ أن له حق الحجر على زوجته فى مالها فلا تتصرف فيه إلا بإذنه.. والمالكية يقولون بهذا المبدأ.. الخ).
قلت: فى هذه الكلمات عوج يتصل بالموضوع والعبارة وما يسوغ عرضه على هذا النحو فإن الأخطاء كثيرة..!
ومنذ أيام سمعت فتوى بأن المرأة يحرم عليها أن تقود سيارة فقلت: ما علاقة ذلك بأحكام الحلال والحرام!
إن عرض الإسلام فى قضايا المرأة من خلال هذه الأفهام المستغربة يهز أركان التعليم الأصلى من الأسس. إن سلفنا عرضوا الإسلام من مصادر نقية ذكية، وجعلوا ثقافته ترجح غيرها بالفقه الواعى فى شتى الميادين. فهل يستيقظ رعاة التعليم الدينى قبل أن يفوت الأوان؟
----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى #علل_وأدوية
نشر في 10 تموز 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع