Facebook Pixel
مدرسة رائدة وإمام ضخم
1361 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

مما يثير العجب أن نرى بعض المتدينين يحبون الهجاء أكثر مما يحبون الثناء، ويسارعون إلى خطأ يفضحونه أكثر مما يسارعون إلى جميل يمدحونه

كتاب : علل وأدوية - بقلم : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 11 ] مدرسة رائدة .. وإمام ضخم

قلت لرجل يكره جمال الدين الأفغانى: ما قيمة التشكيك فى انتماء جمال الدين لبلد ما؟

ليكن أفغانيا أو إيرانيا أو سودانيا! فهل يستمد الرجل شرفه من وطن ولد به! إنما يستمد عظمته من سيرته وتراثه والأصداء البعيدة التى تركها فى العالم الإسلامى فأيقظته من سبات.

قال: إنه إيرانى يستخفى بنحلته الشيعية وراء نسب زائف! ومبدأ التقية عند الشيعة يتيح له ذلك!

قلت: إن أصدقاء جمال الدين وأعداءه نقبوا فى أقواله وأفعاله وخطبه وكتبه فلم يروا ذرة من تشيع إلا للإسلام والسلف الصالح، ولم يروا نبرة من حماس إلا لاستعادة الحضارة الغاربة وإنعاش أمتها المسكينة.

إن نفس الرجل تساقطت أنفسا وهو يكافح الذل والجهل والذهول والتفرق وسائر العلل التى أكلت كياننا. و ما عرف عنه تعصب لمذهب كلامى أو فقهى أو جنسى، كان الإسلام وحده شغله الشاغل حيث ولى وجهه فى آسيا أو إفريقية أو أوروبا.

قال: هذا من إتقانه لتمثيل دوره، فقلت مقاطعا: هذا الكلام يشبه اتهام (كارل ماركس) بأنه رأسمالى تخفى وراء فلسفة صنعها أو صنعت له كى يخدم الأغنياء وأرباب العمل. دع عنك هذا اللغو، ولننظر فى عمل الرجل لا فى نسبه.

عندما ظهر (الأفغانى) كانت الأمة الإسلامية تركة رجل مريض يوشك أن يلفظ روحه ويقتسم ميراثه، ولم تكن له فى المحافل الدولية مهابة ولا رسالة. استطاع أعداؤها مع امتداد عصر الإحياء أن يجتازوا البارود إلى البخار وأن يتهيئوا للكهرباء والذرة على حين جثم المسلمون على مكانتهم يبذرون الحب، ويرجون الثمار من الرب، ولا يدرون شيئا قل أو كثر عن الكون الذى يعيشون فيه.

أما ثقافتها الدينية فاجترار غريب للنزاع بين الأشاعرة والمعتزلة أو قصص عقيم عن فكر السلف والخلف، ذاك فى ميدان العقيدة.

أما فى ميدان الفقه فتشريح للفروع ودوران حولها يجعل من الحبة قبة. وقد قرأت رسالة من مخلفات ذلك العهد الأنكد عنوانها (صواعق من نار فى الرعد على صاحب المنار)

وسر هذه الغضبة المضرية أن الشيخ رشيد قال: إن صياح المؤذنين بالصلاة على رسول الله عقب الآذان أمر محدث ومن الخير الاقتصار على الوارد. وقاد الهجوم وقدم للرسالة الشيخ (الدجوى) عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

لم تكن للثقافة الإسلامية موضوعات ذات بال، أو قضايا نفسية واجتماعية وسياسية مهمة.

ماذا يصنع رجل حكيم حاد البصر والبصيرة بإزاء هذا الاختلال العقلى أو هذا الموت المادى والأدبى؟ لقد استجمع كل ما يملك من مواهب واشتبك فى صراع وحشى مع الحكام الذين أذلوا الشعوب ومع الشعوب التى ذلت للحكام.

وشرع يعرض الإسلام حركة عقل وإباء نفس، ويبرز خصائص الحضارة الإسلامية الأولى بما حوت من فكر نضير وجراءة على الحياة، وقدرة على التغيير.

كانت الشورى قد ماتت مبنى ومعنى، وكان الاجتهاد قد توقف وأمسى ذكريات بائدة! كانت الطاقات الروحية والفكرية قد نفدت بين العامة والخاصة وسقط المسلمون من أعين البشر جميعا.

وكان على جمال الدين ومن التف حوله من الرجال أن يستأصلوا علل التخلف، ويردوا الأمة إلى الصراط المستقيم. وبديهى أن تكون الجامعة الإسلامية أساسهم فلا تعصب لجنس، وأن يكون العقل الإسلامى رائدهم أو باعثهم فلا تعصب لمذهب أو رأى..

وقد أحس الأفغانى بما يشيع فى أجواء المسلمين المنهزمين من خرافات، وبما يصحب اليقظة الأوروبية من باطل وهوى وظلم، فأخذ يعرض الإسلام على نحو يقمع المغرورين ويستنهض المقهورين. "

وقد ذكر الأستاذ الكبير عبد القادر محمود أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة ستة عناصر لمنهج جمال الدين فى الإصلاح، نومئ إليها باختصار لدلالتها الصادقة على فكر الرجل العظيم:

ا ـ فالإسلام دين التوحيد الحق، الرافض لكل صور التعدد، الماحى لشتى الوثنيات وتبعية المرء لغير الله.

2 ـ وهو دين الكمال العقلى، دين أولى الألباب، والأفكار الناضجة والمزايا البشرية السوية، فلا مكان فيه لدعاوى جنسية وتفرقات عنصرية على نحو ما زعم (رينان) الفيلسوف الفرنسى الذى ناقشه جمال الدين وأوقفه عند حده.

3 ـ ينهض الإيمان على النظر فى الكون، وعلى أداء العقل لوظيفته المنطقية، والإسلام يأبى تقليد الأوائل دون وعى، ويرى تعطيل العقل مرادفا للحيوانية.

4 ـ ومنذ بدأ الإسلام والمسلم عزيز الجانب قوى بربه سيد لما حوله يفعل الخير ويدعو إليه، ويحترم الحق ويحكم به، ويستمده من الوحى الأعلى، ويقيم سلطان الدولة على دعائمه. ومن ثم فهو يزدرى الأهواء والتقنينات الأجنبية، ويجعل شريعة الله أساس الحكم فى أرض الله.

5 ـ والأطوار التى جدت على المجتمع الإنسانى توجب على المسلمين ألا ينحصروا فى تقليد فقيه واحد من فقهاء الأمصار، بل يجب العود إلى الينبوع الذى يستقى منه الكل، أى الكتاب والسنة، وأن ينفتح باب الاجتهاد للوفاء بالمصالح الدينية والمدنية التى جدت.

6 ـ غالى جمال الدين الأفغانى بالخصائص الأدبية التى كرم الله بها الإنسان، ونوه بعظمة العقل وإمكاناته على الكشف والحكم، وأزاح العوائق التى تعترض نشاطه، واحتقر الجمود الذى يلوذ به بعض المتدينين، والفلسفات الانسحابية التى تشد المسلمين إلى الوراء.

ثم مضى الشيخ العبقرى يهدر فى كل بلد نزل به! ويصرخ بعد قرون من الصمت لم تشهد هذا الصنف من الدعاة الرواد، وفى كل قطر تيممه كان الرقاد يصحون! ولم يكن جمال الدين يخشى إلا الله، وما شغله قط مال أو جاه، ولا عناه إلا تكسير القيود التى أذلت جماهير المسلمين.

لا أدرى أكان المتنبى يصف نفسه أو يصف جمال الدين الأفغانى حين قال:

تغرب لا مستعظما غير نفسه .. ولا قابلا إلا لخالقه حكما
ولا سالكا إلا فؤاد عجاجة..! .. ولا واجدا إلا لمكرمة طعما
يقولون لى: ما أنت؟ فى كل بلدة .. وماتبتغى؟ ما ابتغى جل أن يسمى

ومع التجهم الذى قوبل به من ذوى السلطان، والمكايد التى دبرها له الحاقدون والحدة فإن الرجل بقى على وفائه لدينه وانتصافه لأمته وجراءته على العدى وتحمله للآلام.

كذا أنا يا دنيا! فإن شئت فاذهبى .. ويا نفس زيدى فى كرائهها قدما
فلا عبرت بى ساعة لا تعزنى .. ولا صحبتنى مهجة تقبل الظلما

الفارق بين المتنبى والأفغانى أن الأول كان طالب إمارة يرى نفسه أحق بها من ملوك عصره، أما الثانى فكان غاضبا للإسلام، ناقما على من حرفوه وأضعفوه.

وكان يرفض بعنف شديد الفصل بين الإسلام والعقل، وبين الشورى والحكم، وبين الإنسان والحرية، وكان حاسما فى ربطه بين العبادات وزكاة الروح، والتوكل على الله والزهد فى أعراض الدنيا وصحبة الكبراء.

ونجح الأفغانى فى تأليب الكثيرين على الاستعمار العالمى. ولا ريب أن مدرسة المنار فى مصر ومدرسة ابن باديس فى الجزائر، ومدرسة القاسمى والكواكبى فى الشام ومدارس كثيرة فى العالم الإسلامى كانت أثرا مباشرا لهذه الثورة الفكرية والتربوية التى بدأها جمال الدين.

وفى هذه الأيام المهزولة من تاريخنا العلمى والسياسى تتعرض سيرة جمال الدين الأفغانى لمطاعن شديدة من صنفين متباعدين جدا.

فالدكتور ( لويس عوض) يصب جام غضبه على الثائر الإسلامى الحر ويصفه بكل موبقة فهو (مغامر مجهول كافر مجنون مخاطر مغمور زنديق مخبول ملحد مأجور أفاك دساس دجال متلون... الخ).

وقد كتب الأستاذان (أحمد بهجت و سامح كريم) فى أهرام 29/8/1983 تعليقات على طريقة ( لويس عوض) فى البحث والحكم، وبينا أن الرجل كان يرجع إلى تقارير المخابرات الدولية، ويستقى من مصادر لا تعرف بالنزاهة والصدق.

وكتب الأستاذ الكبير الدكتور (جابر قميحة) مقالا تحت عنوان (التزوير وأمانة الكلمة) يكشف فيه أن الدكتور ( لويس) فى حديثه عن جمال الدين كان قاصر البحث غائب المنهج.

والدكتور ( لويس) رجل واسع الاطلاع على الثقافة الغربية، شديد الولاء لأغراضها، وأعتقد أن كرهه لجمال الدين نابع من حبه لدينه واحترامه لدور أوربا فى احتلال الشرق الإسلامى، وتغييرها الواجب لعقله وضميره.

وقد نفس عن كوامنه بالأسلوب الذى هاجم به جمال الدين، ومع أنى لا أتوقع أن يقول الدكتور ( لويس) كلمة طيبة فى جمال الدين أو فى محمود شاكر إلا أنى فوجئت بهذا الضغن الشديد على زعيم من زعماء الإصلاح الإسلامى. فلنترك التيار الصليبى ورجاله وطرائقه فى النيل منا! ولننظر إلى صنف آخر من الناس يحارب مجددى القرن الماضى، ويستميت فى تجريحهم.

ولست أدافع عن شخص ما وانما أدافع عن المبادئ التى ظهر بها ما دمت أراها حقا، ولا بأس أن أنظر إلى الشخص نفسه لأعرف: أكان صورة حسنة لما يقول أم لا؟

وهنا أسأل: علام كان يعتمد جمال الدين فى تحشيد الأمة حول دعوته؟ وماذا كان يقصد؟ وهل للهاجمين عليه عذر فى نيلهم منه؟

إن الإسلام وحده هو وجودنا المادى والأدبى، وهو العنوان المشترك بل الموضوع المشترك بين ماضينا ومستقبلنا، ولن نقبل أن يبتعد حاضرنا عن الإسلام قيد أنملة.

ويوجد أقوام يقدمون رباط الأسرة على رباط الدين، أو يصغون إلى نداء الدم أكثر مما يصغون إلى نداء العقيدة، وقد كثر فى عهدنا من يهتمون بالوطنية والقومية ولا يتحركون لقرابة الإسلام.

وأنا ممن يفهمون الشرك على معناه الواسع الوارد فى القرآن الكريم!

فإذا رأيت امرأ يطوح الصلة بالله بعيدا جدا ويرجح عليها صلة أخرى من نسب أو مال، أو منفعة لم أستطع فهم كيف يكون موحدا. إنه أشرك بالله (شيئا ما). ونحن منهيون عن إشراك أى شىء مع الله: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا).

ويكاد المسلمون يتفقون على هذا المعنى وإن تباينت مصطلحاتهم فى التعبير عنه.

إنما يقع الاختلاف عند التطبيق، وعندما تقع تجاوزات أو انحرافات، وإذا افترضنا حسن القصد قائما بين جمهور المؤمنين، وأن حال المسلم تحمل على الصلاح أبدا فإن سبب الاختلاف يرجع إلى تفاوت العقول فى تقدير زاوية الانحراف، أو مدى التجاوز.

إن هذا التفاوت العقلى قد يثير الدهشة والغضب. هذا رجل يكره المذهبية! حسنا.. لكن ألا أبالى بكفاح الأفغانى ضد الشيوعية لأنهم أحناف! هذا جنون. وألا أبالى بكفاح المصريين ضد الاستعمار لأنهم قبوريون، وألا أبالى بكفاح المغاربة ضد الصليبية لأنهم صوفيون!

هذا وذاك لون من السفه لا يجوز أن يلبس ثوب التدين.

وثم أمر آخر.. إن إيقاد البغضاء بين العوام بسبب خلاف فرعى جرم كبير لاسيما بين أتباع دين يأجر المخطئ والمصيب.

استمعت إلى حديث عن أديب إنجليزى يكتب قصصا للأطفال كى يشبوا نافرين من الخلافات السخيفة.

قال الأديب لأطفاله: إن نزاعا نشب بين أهل مدينة كذا: هل تؤكل البيضة من أحد طرفيها المدببين، أم من وسطها العريض، وتألف حزبان أو مذهبان كل يدعو لرأيه، واستفحل النزاع فصار حربا انهزم فيها أحد الفريقين، فالتجأ إلى مدينة أخرى واستعان بأهلها لينتصر على خصمه، ونشب حرب عامة بين المدينتين.. الخ.

قلت: ما أحوج الدهماء فى بلاد الإسلام إلى سماع هذا الدرس!.

على أية حال.. إن المصلحين الكبار يترفعون عما يشغل العامة وأشباههم من قضايا. وهم يتجهون إلى الإصلاح من المنبع لا من المصب.. وهذا ما فعله جمال الدين، ومن سار تحت رايته.

إنه نظر فى أحوال المسلمين على اختلاف العصور، وعرف الداء وبدأ العمل. وكان الرجل يتملكه إحساس لا ريب فى صدقه، أن الفكر الإسلامى متخلف عن الفكر العالمى مسافة طويلة! بل متخلف عن الإسلام نفسه وتاريخه البعيد.

أترى جمال الدين كان واهما فى هذا الشعور؟ كلا، إن هذا الشعور لا يزال يتملكنا بعد مائة عام من وفاة الرجل، فإن الضغط على أمتنا شديد كيما تبقى فى الرغام، ولقد اجتمع عليها الخصوم من كل ملة وبقيت متفرقة الهوى متناحرة على الهباء.

وقد قيل: إن الفساد يهبط من أعلى إلى أسفل وإن الإصلاح يصعد من أسفل إلى أعلى، وقد حاول جمال الدين أن يعمل بالمبدأين معا فحاول إسداء النصح إلى الحكام، وتعريفهم أنهم أجراء للشعوب وملزمون بالشورى، كما حاول استحياء الأمة الهامدة وتبديد الخمول العلمى والخلقى الذى ران عليها، وألغى وجوديها الأدبى والمادى فى السباق العالمى. وكان إيمانه عميقا بقدرة الإسلام على استئناف رسالته وتجديد حضارته.

وعندما أصدر هو وصاحبه محمد عبده مجلة العروة الوثقى لم يكن صحافيا مهموما بالطبع والنشر! كلا، لقد مهد لذلك بتأليف جماعات أو شعب تتواصى بنصرة الإسلام وتقسم الأيمان المغلظة على جعل الولاء له فوق الولاء للأبوة والأمومة، وتتجمع على مدارسة المجلة كى تضع أسس الجامعة الإسلامية الجديدة وتعيد العافية للكيان المريض.

وقد أصدرها فى باريس! والغريب أن عواصم الغرب لا تزال إلى يوم الناس هذا المكان الذى تصدر منه صحف إسلامية قوية. أما يدرس أولو الألباب هذه الظاهرة قبل أن يتهموا بالإلحاد الرجل الذى رد على الدهريين؟ وبالفوضى الرجل الذى أراد إلغاء القوميات الضيقة أو الواسعة ليقيم على أنقاضها الوحدة الإسلامية؟

إن الجريمة الأولى والأخيرة لجمال الدين الأفغانى أنه اكتشف الروح الصليبية فى الاستعمار الغربى وحذر منها، ونبه إلى أن قلب بطرس الناسك لا يزال يخفق فى صدور الساسة الأوروبيين.

والجريمة التى تتبعها أنه قدم إسلاما بلا مذاهب مفرقة، وداس بكبرياء ما انشغل به جلة علماء الدين من فروع الفقه وبحوث اللاهوت.

وطبيعى أن تنطلق الأبواق لتطعن فى شرف الرجل وعلمه، وقد تكون هذه الأبواق خادعة، أو مخدوعة! بيد أن الاستماع إليها هزيمة إسلامية شائنة، ونصر مؤزر للصليبية الغازية وللسلطات العفنة التى عاشت وتعيش فى كنفها. وأوجه النصح إلى المسلمين المعاصرين بأن يستبينوا أمرين كانا من أهم ما دعا إليه جمال الدين وتلميذه العظيم محمد عبده.

* أولهما: أن دراسة العلوم الحديثة واجب إسلامى أول، وأن أى عقل نظيف يدرك أن هذه الدراسة امتداد محتوم لحديث القرآن الكريم عن الكون، وأن نتائج الجهود العقلية الذكية دعم للإيمان الصحيح، ودمغ للإلحاد.

وعلماء الدين الذين يبتعدون عن هذه الدراسات عمدا هم أنصاف أميين، وربما أساءوا إلى الإسلام من حيث يبغون الإحسان إليه. وقد أشرنا فى كتبنا الأخرى إلى أن جهاز الجهاد الإسلامى سوف يتوقف كل التوقف بالجهل فى هذه الميادين، بل إن العقل الإسلامى نفسه سوف يضار من هذا القصور

والحق أن دراسة هذه العلوم أولى من التوفر على تفاصيل فقهية ما كان يعرفها الصحابة رضوان الله عليهم! بل أولى من الخوض فى بحوث لاهوتية وجدل كلامى لو خاض فيه سلفنا الأول ما قامت لهم دولة ولا شمخت لهم حضارة.

* أما الأمر الثانى فهو حسن معرفتنا لأنفسنا، أو بتعبير دقيق، التفريق بين دين الله وبين عملنا به وله فى الماضى والحاضر. دين الله مضبوط فى الكتاب والسنة، ومنهما تستمد الأحكام.

أما التاريخ الإسلامى، فى الماضى والحاضر، فليس مصدرا للتشريع، ولا مؤشرا على الحلال والحرام! وأخطاء السلاطين أكثر من صوابهم، وعوج التقاليد أكثر من استقامتها.

وعندما ينهض مصلح ـ فيغضب على تخلفنا، ويحاكمنا إلى كتاب ربنا وسنة نبينا، ويلفتنا إلى سيرة القرون الخيرة الأولى، ويذكرنا بأمجاد حققناها لأسباب وفقدناها لأسباب فلا يجوز أن ننهش عرضه وننال منه.

لماذا بقيت برية سيناء وشطوط الخليج مراعى للأغنام حتى جاء غيرنا فاستخرج منها النفط وأفاض منها الخير؟

آباؤنا الأوائل علموا أوروبا النظافة وإنشاء المدن المضاءة، والشوارع الممهدة للمشاة والركبان. وكان ذلك باسم الإسلام ومن الاصطباغ بحقائقه. فهل الإسلام ـ أم تخلفنا العقلى ـ سبب هبوط الاستعمار علينا واستخراجه دفائننا؟

إن بيننا من لا يزال يشتم الرجال الذين نشطونا للدراسات الحديثة وقالوا لنا: لابد من دراسة الفيزياء والكيمياء وعلوم الأحياء ولابد من الدراسات الإنسانية والكونية والفلكية.

ولماذا يشتمونهم؟ لأنهم ينقلون الضوابط الحديثة للشورى (!) ويخاصمون الحكم الفردى؟ لأنهم يرفضون أن تؤخذ صورة الإسلام من تطبيقات القرون المنحطة ويرجعون بنا إلى المنبع الأول؟

مما يؤلمنى أن أرى بعض (المتدينين) يحب الهجاء أكثر مما يحب الثناء ويسارع إلى خطأ ليفضحه أكثر مما يسارع إلى جميل ليمدحه.. وهذا البعض مستهتر بتجريح الكبار وغمط فضلهم. وقد تلاقى هذا البعض مع الدكتور ( لويس عوض) فى التهجم على جمال الدين الأفغانى.

والدكتور ( لويس) يرى أن (يعقوب حنا) الذى خان مصر وانضم إلى الحملة الفرنسية هو زعيم قومى عظيم القدر (!) وأن جمال الدين موقظ الشرق الإسلامى فى العصر الحديث جاسوس ملحد (!).

وكما قلت.. لا عجب فى موقف الدكتور، وإنما العجب فى موقف الذين تلاقوا معه فى ضرب رجل الإسلام! والجنون فنون.

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى #علل_وأدوية
كلمة حرة
نشر في 09 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع