Facebook Pixel
أين العرب من رسالتهم؟
1367 مشاهدة
0
1
Whatsapp
Facebook Share

كلام في الإسلام عندما يجب أن يُعرف الإسلام تعريفاً يتجه إلى الحقائق الذاتية والعناصر المهمة، من كتاب مشكلات في طريق الحياة الإسلامية للكاتب محمد الغزالي

كتاب : مشكلات في طريق الحياة الإسلامية - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 9 ] الفصل الثالث : كلام فى الإسلام

قلت لأحد الناس: تعرف فلاناً ؟ فإن لى صديقاً يحب الاتصال به ، ولعله يريد أن يصاهره ، أو يشاركه فى تجارة كبيرة . . . قال : أعرفه معرفة حسنة ، إنه متوسط العمر ، قصير القامة أسمر الملامح. قلت : ثم ماذا ؟ قال : له رباط عنق جميل ، وحذاؤه لامع ، وعندما يتحرك . . فأسرعت أنا بإكمال الوصف ، فقلت فى سخرية : عندما يتحرك يكون مرح الأعطاف حلو اللفتات !!

قال : ما تعنى بهذا الهزء ؟ قلت: السخرية منك! . . أهذا وصف تقدمه لإنسان ؟ إنك تشبه بعض المتحدثين عن الإسلام فى هذا العصر الأنكد ! يعرفون الناس به فلا يزيدونهم إلا جهلاً ، وربما صَدُّوهم عنه ، يجعلونه كائناً محلوق الشارب ، مكشر الأنياب ، مكحول العينين ، كميش الثياب . . إلخ

التعريف يتجه إلى الحقائق الذاتية والعناصر المهمة ، إن ديننا مجهول عند الكثيرين ، الناس يريدون وصفاً للعقل الإسلامى ، والضمير الإسلامى ، والخلق الإسلامى ، والحكم الإسلامى . . يريدون أن يعرفوا الأسرة كما بينها الإسلام ، والدنيا كما ينشدها الإسلام ، وموازين العدالة كما ينصبها الإسلام .

إننى أعتقد أن انتشار الكفر فى العالم يقع نصف أوزاره على متدينين بَغَّضُوا الله إلى خلقه بسوء كلامهم أو سوء صنيعهم ! . وما أرتاب فى أن الشيوعية ما راجت فى أوروبا وغير أوروبا إلا لأن الأحبار والرهبان أيأسوا الكادحين من عدالة السماء ، وسدُّوا فى وجوههم أبواب الرحمة ، فاتجهوا إلى السراب يحسبونه العباب ..

واليوم يقوم ناس من المسلمين بدور الكهان القدامى ، فيصوِّرون الإسلام ديناً دموىَّ المزاج ، شرس المسلك ، يؤخر اللطف ، ويقدم العنف ، ويهتم بقصِّ الأظافر والأشعار أكثر مما يهتم بقصِّ زوائد الأنانية وغمط الناس !! . .

والصورة التى تقدَّم ـ عالميا ـ لدار الإسلام أنها الدار التى ينتهب فيها المال العام ، ويسودها حكم الفرد ، وتهان فيها كرامة المرأة ، بل تضيع حقوقها . . وأن شوارعها ملأى بالقمامة ، ومدنها وقراها مظهر التخلّف المادى والأدبى ، وأن الفوضى والتقطع هما الرباط الذى يسود الجماهير . .

وأن المصلحين الدينيين لا جؤار لهم إلا بحرب التصوير والغناء والسفور والتلفاز ، وأن العودة إلى الإسلام كما يطلبها الشباب لا تعنى إلا العودة إلى الهمجية الأولى . . ! ومعنى ذلك كله أن الحضارة الإنسانية فى خطر . .!!

هل تسرُّنا هذه الصورة الكئيبة التى ترسم لنا ؟ إن أعداءنا يكذبون علينا ، بيد أننا نشجعهم على الكذب حين يضطرب فقهنا لديننا ، ويضطرب عملنا له ، وتكون حياتنا الخاصة والعامة بعيدة عن جوهر الدين وغاياته العظيمة .

ذكر لى صديق ثقة أن رجلاً أمريكيّاً دخل الإسلام بعد دراسة متعمقة ، ثم قادته الأيام إلى بلاد الإسلام فى عملٍ مَّا ، وعاد الرجل مذعوراً يقول : الحمد لله الذى عرفنى الإسلام قبل أن أرى المسلمين . !

إنه توجد ردَّة جزئية فى بعض بلاد الإسلام ، وفى بعض آخر تقصير مكشوف ، كما يوجد جهل فاضح فى أرجاء كثيرة .

وهناك نهضة مخلصة ينقصها الفقهُ والتجربة ، ونهضات صادقة يخونها الرسميون من علماء الدين أو يتثاقلون فى نصرتها .

وهناك نفر من الحكام يحبون الإسلام حباً جمّا ، ولا يدرون كيف يخدمونه!

وهناك حكام عالنوا بتأييدهم للعلمانية ، ولسياسة المرتد التركى مصطفى كمال أتاتورك. . !

• جملة حقائق :

ونريد أن نثبت هنا جملة من الحقائق لا ينبغى أن تغيب عن الأذهان . . إننى أؤيد رأى ابن خلدون فى العرب لا بل إن وقائع الدهور هى التى أمست تؤكد هذا الرأى ! الرجل يرى أن العرب يستحيل أن يقوم لهم مُلك إلا على أساس نبوّة ، أو أن تقوم لهم دولة إلا على أساس دين !! .

الجنس العربى له غرائزه الحادَّة ، ومشاعره الجياشة ، وخياله الواسع ، وخصائصه العقلية الحسنة ، وهذه السماء إذا لم تضبطها كوابح " فرامل " حديدية هوت بصاحبها فى عرض الطريق ! وإذا واتتها هذه الضوابط وراء نهضة دينية جيدة حلقت بها فى الأوج .

وشواهد ذلك واضحة فى التاريخ العربى المديد .

• فى التاريخ القديم :

كان للعرب وجود فى الأعصار القديمة ، عادٌ فى الأحقاف جنوبى الجزيرة ، وثمود فى الحجر شمالى الحجاز ، ومدين فى شرق سيناء ، وقرى المؤتفكة فى الأردن ، لكن هذا الوجود عدت عليه عوادى الفناء بسبب أخلاق الترف ، والجبروت ، والشذوذ ، والتظالم . .

وقد حكى القرآن الكريم قصص الأنبياء العرب فى أممهم ، وما لاقاه هود وصالح وشعيب ولوط من صدود وغطرسة ! فقضى فيهم الحق قضاءه ، واخترمتهم العقوبات التى حلت بسائر المجرمين . (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا و منهم من أخذته الصيحة و منهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)

حتى أهل مكة ، لما بغت فيها " طسم " و" جديس " أحيط بهم ، وأصبحوا أحاديث ملعونة ، فقال قائلهم :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا .. أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنَّا أهلها فأزالنا! .. صروف اللَّيالى والجدود العواثر

وليس للحظ العاثر دخل فى حرب الإبادة التى شنتها الأقدار على أولئك العرب الفجار! إن العرب البائدة تمردت على الله فأذاقها بأسه ! . (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) وما بقى من هذه الأجيال بقى ليروى لنا ما يعتبر به أولو الأبصار . .

• وجاء الإسلام :

ووثب التاريخ وثبة فسيحة ، وظهر العرب مرة ثانية على صعيد الحياة ، لقد اصطفاهم الله ليحملوا الرسالة الخاتمة بعدما ربَّاهم " محمد " صلى الله عليه وسلم بتعاليمها ، وأضاء حناياهم بأشعتها .

وفى خلال ربع قرن تقريباً كان نبىُّ الإنسانية قد استطاع إعداد جيش من المعلمين والمجاهدين ، من رهبان الليل وفرسان النهار ، من عشاق الخلد ومصلحى الأرض ، سبحان من أبدع محمداً صلى الله عليه وسلم لينشىء هذا الجيل من الأصحاب البررة المهرة ، الذين ساحوا فى البلاد واجتاحوا جذور الفساد ، وكانوا خير أمة أخرجت للناس !! .

وفى هذا الدور من الوجود العربى امتزجت خصائص جنس بحقائق رسالة ، وكانت كلمة " عروبة " ترادف كلمة " إسلام " وعرف العرب أنهم جسد روحه هذا الدين ، فهم به يتحركون وهو بهم ينطلق ، ليفتح السجون ويكسر القيود ، ويمكن المستضعفين أن يتنفَّسوا الصعداء ، ويخرجوا من ضيق الدنيا إلى سعة الإسلام ، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله تبارك وتعالى .

إن المدينة المنورة ـ عاصمة الإسلام يومئذ ـ كانت أحق بلد فى الأرض بقيادة العالم ، لأن ما تقدمه من قيم ومناهج كان أرجح فى ميزان لاحق مما تقدمه رومية وأثينا ومصر وفارس والهند والصين ، إن العرب الأميين حوَّلهم الإسلام إلى أساتذة راسخين فضلاء ، بينما كانت العواصم الأخرى تعجّ بعصابات من الكهنة الصغار ، والحكام الجبابرة ، والأثرياء اللصوص ، والجهالات المطبقة . .

• معالم النقلة الجديدة :

وحتى لا يكون حديثنا دعوى مجردة نذكر معالم النُّقْلة التى حوَّلت العالم إلى أوضاعه الجديدة :

( أ ) قام العقل الإسلامى على الحقائق وحدها ، ونَفْى الأوهام والظنون ، واعتمد على الفكر الذكىّ والحواس اليقظة فى تقرير أنواع المعرفة ، وما كانت البشرية تدرك ذلك لولا القرآن الذى عدَّ الغباء ، وبلادة الحواس ، وقلة الوعى هى طريق النار . .

وعلى النسق البلاغى العالى فى تعبير القرآن تقرأ قوله تعالى : (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون)

والصياغة فى الآية كما نقول : إن السقوط يتخيّر ذويه من كل كسول لا يذكر دروسه ومن كل لاهٍ يهجر أساتذته .

إن الإسلام بظهوره العظيم أنشأ حركة فكرية ما كان للعالم عهد بها من قبل . .

(ب) قام الخُلُق الإسلامى على نشدان الكمال فى السلوك الإنسانى كلٍّه ، وصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم يقول : " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " . ويقول : " ما من شىء أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، إن الله يكره الفاحش البذىء ، وإن صاحب حسن الخلق ، يبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة " .

كان تدريس الأخلاق حكراً على بعض الفلاسفة يترفعون به في مجالسهم ، أو كان شارة تخصّ المُعَدِّين لعمل معين ، حتى جاء الإسلام فجعل الخُلُقَ الفاضل كالنقد المتداول ، يسود كل مجلس ، ويدخل كل سوق ، ويصبغ كل معاملة.

ورفض الإسلام قبول العبادات المعزولة عن مكارم الأخلاق المخلوطة بمنكر القول والعمل ، وكانت المراسيم العبادية قديماً هى مظهر الفضل والامتياز . .

(ج) والضمير الإسلامى (وهو القلب بتعبير الشرع) ضمير شديد الحساسية بالخير والشر ، وما يرضى الله وما يسخطه ، وهو معمور بالتقوى ، ومراقبة الله ، بعيد عن دوافع الرغبة العاجلة والخوف الخسيس ، موصل بالله وحده ، رضىٌّ بما عنده . .

ولا تنسَ أن الضمير الاستعمارى أباد سكان إستراليا إلا قليلاً ، وأباد سكان أمريكا إلا قليلاً ، لكى ينفرد بخيرات الأرض! إنه ضمير تجارى جشع ، يتحرك بمنطق الربح والخسارة ، يتقهقر عند خوف العصا ، ويقدم عند أمن العقوبة . .

أما الضمير الإسلامى فهو محصنَّ بمعانى التقوى ، محكوم بقوله تعالى : (يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم) وقول رسوله عليه الصلاة والسلام : " ألا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهى القلب " .

(د) والجسم فى نظر الإسلام يجب أن يكون وضيئاً ، والوضاءة شىء فوق الطهارة والجمال ، وأنواع الغسل التى أوجبها الدين تجعل المرء ناصع الجبين أغر الوجه ، ليس على الجلد درن ولا عرق ، ولا كدر .

ولم تعرف العواصم الأوروبية الحمامات وأنواع التطهر إلا اقتباساً من الإسلام ، وتقليداً لأهله .

والكلام يطول فى سنن الفطرة وحقوق الجسد! وليس ذلك بداهة عبادة للجسد أو ترجيحاً له على اللب والقلب ، ولكنه اهتمام بالشخصية الإنسانية كلها .

والتجمُّل بالنسبة إلى المرأة ، هو المحافظة على تكوينها السليم ، وتقويمها الحسن ، وهو غير التبرج الذى يعنى استثارة الآخرين ومحاولة فتنتهم . .!

• الإسلام والمرأة :

(هـ) والمرأة المسلمة إنسان كالرجل ، وهى شقيقته أمام تعاليم الإسلام كلها ، وكانت المرأة محقورة الشأن عند العرب ، تُوأد طفلة ، وتُزْدَرى كبيرة ، وكان الأوروبيون قديماً يتساءلون : ألها روح مثل الرجل؟ وكان فى الهند من يحكم بموتها حرقاً عندما يمرض زوجها ويموت فى مرضه !! ما يجوز أن تبقى بعده !! وأفلاطون فى مدينته الفاضلة يرى شيوع المرأة بين الرجال !

حتى جاء الإسلام فغير هذه الأوضاع والأفكار، واستخرج المرأة من البيت إلى المسجد خمس مرات كل يوم ، إذا كان ذلك لا ينقص عملها لولدها ولزوجها ، وتقدير ذلك إليها . . ! ولم يمنعها من الجهاد إذا قدرت عليه ، وأوجبه عليها وعلى الرجال جميعاً عند الدفاع عن دار الإسلام . .

إن شخصية المرأة ولدت مع مجىء الرسالة الإسلامية ، وقد بلغ من تدليل النبى صلى الله عليه وسلم لزوجاته أن حرَّم على نفسه بعض المباحات إرضاء لهن ، حتى نزل قوله تعالى : (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك)

وما كان للمرأة هذا الامتداد فى شخصيتها من قبل ، وإن كان الأمر قد سار فى اتجاه آخر ، غلبة للتقاليد القديمة لا انسياقاً مع تعاليم الإسلام .

• الأسرة وأهميتها :

(و) والأسرة فى الإسلام من آيات الله ، قرن تكوينها بتكوين العالم أجمع قال تعالى : (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) ثم قال : (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم)

وفى الفقه الإسلامى كلام طويل عن نظامها المادى ، وعن رسالتها الأدبية .

وهناك كلام عن عقد الزواج ، وتبادل الواجبات ، وحضانة الأولاد وأسلوب النفقة ، وآداب العشرة . . وطريقة حل العقد إذا تعذر بقاؤه ، وأنصبة المواريث . . الخ .

وهناك كلام عن الآثار الروحية والخلقية المربوطة بوجود الأسرة ، وكيف أن الأسرة امتداد للنوع الإنسانى ، وللعقائد والعبادات والأخلاق التى أمر الإسلام بها وقام عليها ..

وحماية للأسرة حرَّم الإسلام الاختلاط الحيوانى المعروف فى بيئات شتى ، وحرم كل ما يخدش العرْض والحياء ، وقد قال لى صديق : إن كلمة " العرض " بمدلولها الشريف لا توجد لها ترجمة فى اللغات الأخرى!

وأنى يوجد معناها فى هذه المجتمعات التى تبيح أن يرقص الرجل مع امرأة أجنبية ، يحتضنها ويخطر بها فى الحلبة ، وقد يكون زوجها الوغد حاضرا ينظر ولا يتحرج ، وقد يكون أبوها أو أخوها بين الحضور !!

إن الأسرة المحاطة فى ديننا بهالة من الشرف والقداسة ، لا توجد فى بلاد أخرى، وقد توجد على الورق فقط ، وإلى حين ، ثم عند البلوغ يكلف الفتى ، أو تكلف الفتاة بشق الطريق وحدها لتكسب وتعيش .

(ز) والمجتمع فى الإسلام أسرة كبيرة تقوم على التعارف والتواد ، والناس على صعيد الأرض سواسية ، ولاؤهم لله لا لجنس ولا لتربة ، أكرمهم عند الله أتقاهم . . أساس المعاملة " ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا وبعرف لعالمنا حقه " .

والافتخار بالنسب مردود ، والاستكثار بالعزوة مرفوض ، والامتياز والسبق لمن تقدمه كفايته ، لا عراقته ولا وجاهته . ومن هنا قاد الموالى العالم الإسلامى ، وتصدروا فى ميادين الفتوى والفقه والأدب واللغة ، وسبقوا العرب أصحاب الرسالة الأوائل ، ثم تصدروا فى ميادين السياسة والحكم ، وقامت دولة للمماليك وشتى الأجناس ، كان لها أبعد الأثر فى خدمة الإسلام. .

• للمال وظيفة اجتماعية :

(ح) وللمال فى الإسلام وظيفة اجتماعية واسعة ، والحق الأول فيه لكاسبه الذى كدح فى تحصيله وتأثيله ، فله أن يرتفقه ويصون به مروءته ، ويحمى به نفسه وأسرته ، ولكن ذلك لا يؤخر الحق المعلوم الذى أوجب الله إخراجه للفقراء والمساكين ، كما لا يهدر الحقوق الأخرى التى بينتها الشريعة . .

وقد وقع صراع مرير بين الواجدين والمعدمين أنتج أنظمة متفاوتة الكفر والمروق، ولو أن الأغنياء رعوا حدود الله فى طريق الكسب ، وسبل الإنفاق لحقنت دماء ، وصينت حقوق ، ولكن من ضنَّ بالقليل الذى طلبه الله ، ضاع منه الكثير من المال ومن الأجر على سواء .. وسيظهر موقف الإسلام واضحاً عندما نعرض صورة الحكم فى العصر الأول ..

• الحكم أمانة ومسئولية :

(ط) والحكم فى الإسلام أمانة ثقيلة يوجل منها الأقوياء فكيف يرنو إليها الضعفاء؟ إنه ليس جنون العظمة عند محب للسلطة ، ولا الاعتداد بالنفس سواء كان هذا الاعتداد وليد قدرة ذاتية ، أو وليد حالة مرضية . .!!

إن الحكم ـ عند من يكلف به ـ مسئولية فادحة أمام الله ، والحاكم أجير عند جمهور المسلمين ، يرعى مصالحهم الدينية والمدنية لقاء ما يأخذ من مرتبات . .

ولننقل من سيرة أبى بكر ثم من سيرة عمر رضى الله عنهما ما يصور هذه المعانى ، وما يكشف إجمالا سياسة المال والحكم فى الإسلام . .

قال أبو بكر لأم المؤمنين عائشة حين حضرته الوفاة : " هذا يوم يُجْلَى لى عن غطائى ، وأشاهد جزائى! إن فرحا ، فدائم ، وإن ترحا ، فمقيم . . " " إنى اضطلعت بإمامة هؤلاء الناس حين كان النكوص إضاعة ، والخذْلُ تفريطا "

يعنى أنه ما رغب فى الخلافة ، ولا أحبها ، ولكنه أحس أن الجبن عن قبول المنصب المعروض سيعرض الأمة لفتن شداد ، ولذلك يقود بعد : " فشهيدى الله ما كان يقيلنى إياه ـ ما كان يقبل منى تركه ـ . . " .

ويذكر أبو بكر أنه ما أخذ من مال الأمة إلا النزر اليسير ، صفحة فيها لبن من ناقة خصِّصت له من بيت المال ، فيقول : " فتبلَّعت بصَفْحتهم ، وتعلَّلت بدرَّة لقحتهم ، وأقمت صلاتى معهم ، لا مختالاً أشرا ، ولا متكاثرا بطرا . .!! لم أعد ـ أتجاوز ـ سد الجوعة ، وَوَرْىَ العورة ، وقواتة القوام ! ـ قدر ما يعيش به من القوت الذى يمسك حياته ـ " .

ثم يستشهد الخليفة الأول بالله أنه اضطُر للأكل من بيت المال دفعا للجوع ، وأن أحشاءه كانت تمتعض لغثاثة الأكل الذى يتناوله! ولكن المضطر يستسيغ المرَّ ! وعبارته هى " حاضرى الله مِنْ طَوى ممعض تهفو منه الأحشاء ، وتجب له الأمعاء ، فاضطررت إلى ذلك اضطرار المريض إلى المعيف الآجن ".

ثم يوصى الخليفة المحتضر ابنته أن ترد على المسلمين ما أخذه من مالهم ، فيقول: " فإذا أنا مت فردِّى إليهم صفحتهم ، وعبدهم ـ الذى كان يخدمه ـ ولقحتهم ـ الناقة التى كانت تحلب له ـ ورحاهم ، ودثارة ما فوقى اتقيت بها البرد ، ودثارة ما تحتى اتقيت بها نز الأرض ، وكان حشوها قطع السعف " .

كانت المرتبة التى ينام عليها محشوة بقطع السعف .. !! قال الشيخ الخضرى : وكأن أبا بكر يرى أنه لا حق له فى بيت المال ـ نظير عمله ـ فأوصى بأرضه للمسلمين مقابل ما أخذ منهم. أما بلاؤه الطويل فى تثبيت قواعد الإسلام أمام المرتدين ، وإعداده الفذّ لحرب الفرس والروم ، فذاك جهاد عبد يبتغى وجه الله ، ولا يطلب عليه أجراً . .

وظاهر أن الخليفة الأول جشم نفسه ما لم يكلَّف به ، فإن الصحابة عن طيب نفس فرضوا له المال العام ما يستحقه عدلا ، وما لا حرج فيه أبدا . .

روى ابن سعد فى طبقاته ، قال: كان أبو بكر ينفق من استغلال ملكه وعمل يده وقد ظل ستة أشهر بعد خلافته وهو على حاله تلك ، لا ينفق على نفسه من بيت مال المسلمين شيئا . .

فأصبح يوما وعلى ساعده أبراد ، وهو ذاهب إلى السوق! فلقيه عمر، فقال: أين تريد؟ قال : إلى السوق! قال : تصنع ماذا ، وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالى : فقال : انطلق يفرض لك أبو عبيدة (أمين بيت المال) فلما ذهب إليه قال أبو عبيدة: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين ، ليس بأفضلهم ولا أوكسهم ، وكسوة الشتاء والصيف ، إذا أخْلَقْتَ شيئاً رددته وأخذت غيره ! ففرضا له كل يوم نصف شاة وما كساه . .

قالت عائشة ـ فيما رواه الطبرى ـ : كان منزل أبى بالسُّنح عند زوجته حبيبة ابنة خارجة ، وكان قد حجر عليه حجرة من سعف فما زاد على ذلك حتى تحوَّل إلى منزله بالمدينة . مكث بعد البيعة ستة أشهر بهذه الحجرة من السَّعف !! سبحان الله .

لقد قرأت وصفا لحوض السباحة المكيَّف الهواء الذى كان يتردد عليه الرفيق "خروشوف " على شاطىء البحر الأسود ، فشعرت بنفحة من الترف تلطف الجوّ وأنا أقرأ من بعيد ، فكيف لو سبحت فيه ؟ !

إن ممثلى الشعب يأكلون هنيئا ويشربون مريئا من مال الشعب ، ويقولون عن الدين: إنه أفيون الشعوب ، وعن أمراء المؤمنين: انهم آكلو الشعوب ! ترى لو أن " خروشوف " بات ليلة واحدة فى الحجرة الممردة من سعف النخيل ، وتقلب على فراش من القشِّ يقيه نزَّ الأرض ورطوبتها ، ماذا كان يقول!

هل يبقى على قوله : إن الدين يخدِّر الشعوب ، وإن الخلفاء يأكلون الجماهير؟ أم يعلم أن آكلى الشعوب قوم آخرون !!

فى هذا المسكن المتواضع أقام الرجل الذى وضع الخطة لطرد هرقل من الشام إلى الأبد ، وطرد كسرى من عاصمته وكان يقيم فى قصره الأبيض الذى وصفه البحترى بقوله :

لستُ أدرى أَصُنع إنسٍ لجنِّ .. سكنوه أم صُنعَ جِنِّ لإِنس؟

وجاء بعد أبى بكر عمر بن الخطاب ، رجل الدولة العظيم ، وعبقرى الحرب والسلام ، ومنصف الجماهير من رؤوسها !

والذى يعنينا هنا إبراز خُلَّتين اثنتين من سيرته الماجدة : شعوره الغامر بمسؤولية الحكم ، وقلقة من حسابه عنه أمام الله . . ثم رفضه الصارم لكل ذرة من استغلال الحكم للنفس أو للآل . . !!

فى منقبته الأولى ، نذكر قوله : " لو أن جملا هلك ضياعا بشطِّ الفرات ، لخشيت أن يسأل الله عنه آل الخطاب ـ يعنى نفسه ـ ويشبه ذلك ما روى عنه أيضاً: " لو أن بغلا عثر بالعراق لحسبت عمر مسؤولا عنه : لِمَ لمْ يسوِّ له الطريق ؟؟

وعن أبى رواحة كتب عمر بن الخطاب إلى الولاة : " اجعلوا الناس عندكم فى الحق سواء ، قريبهم كبعيدهم ، وبعيدهم كقريبهم ! إياكم والرشا ، والحكم بالهوى ، وأن تأخذوا الناس عند الغضب ، قوموا بالحق ولو ساعة من نهار . . " .

وخطب يوما فقال : " أيها الناس إنى قد وُلِّيتُ عليكم ، ولولا رجاءُ أن أكون خيركم لكم ، وأقواكم عليكم ، وأشدَّكم استضلاعاً بما ينوب من مُهِمِّ أموركم ، ما توليت ذلك منكم . . ولكفى عمر مُهِما مُحزنا انتظار مواقف الحساب بأخْذ حقوقكم ، كيف آخذها ، ووَضْعها ، أين أضعها؟ وبالسير فيكم ، كيف أسير؟ فَرَبِّىَ المستعان " ، فإن عمر أصبح لا يثق بقوة ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز وجل برحمته وعونه وتأييده . . " .

أما بُعْده هو وأهله عن كل عمل يُشم منه استغلال النفوذ فهاكم ما ذكره الأستاذ الخضرى فى محاضراته . . قال : لما ترك ملك الروم الغزو ـ وشرع فى الصلح ـ وكاتب عمر وقاربه ، سَيَّر إليه عمر الرسل مع البريد فبعثت أم كلثوم بنت على بن أبى طالب ـ وكانت زوجة لعمر ـ هدية إلى ملكة الروم ، فيها طيب ومشارب وأحناش من أحناش النساء ، ودَسَّتْه إلى البريد فوصَّله لها ، وجمعت امرأة القيصر نساءها ، وقالت لهنَّ : هذه هدية امرأة ملك العرب ، وبنت نبيهم ! وكاتبتها وأهدت لها ، وكان فيما أهدت عِقْدٌ فاخر!

فلما انتهى البريد إلى عمر أمر بإمساكه ، ودعا : الصلاة جامعة !! فاجتمع الصحابة وصلى بهم عمر ركعتين ، ثم قال : إنه لا خير فى أمر أُبرم بغير شورى ، قولوا فى هدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم ، فأهدت لها امرأة ملك الروم ؟

فقال قائلون : هُوَ لها بالذى أهدته إليها ـ أى فى مقابله ـ وليست امرأة الملك بذمَّة فتصانع به . . وقال آخرون :قد كنا نهدى الثياب لنستثيب ـ أى لنتلقى جزاءها هدية قد تكون أفضل .

قال عمر : ولكن الرسول ـ الذى حمل ـ رسول المسلمين ، والبريد بريدهم . . ورأى عمر أن الهدية المرسلة إلى امرأته فاخرة ثمينة ، وأن العقد على صدر امرأته يقلقه ، فصادره لحساب بيت المال ، وأعطى امرأته ثمن ما أنفقت فى هديتها الأولى . .

قال المؤرخون : وكان عمر إذا نهى الناس عن أمر من الأمور جمع أهله فقال : إنى نهيت الناس عن كذا وكذا ، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم ، وأقسم بالله لا أجد أحدا منكم يفعله إلا أضعفت عليه العقوبة . .

إن عمر استعف وأعف أهله عن دانق من المال العام ، وكان مثل الخليفة الأول يكدح فى خدمة الأمة ورسالتها إيمانا واحتسابا . .

لقد قدَّم المسلمون للدنيا فى المجال الفردى والاجتماعى والسياسى مبادئ ونماذج شَدَهَتِ الناظرين ، وسحرت المراقبين .

إن العرب فى العصر الوسيط لم ينطلقوا من فراغ ، لقد صبَّهم الإسلام فى قوالبه ، ثم قذف بهم فى المشارق والمغارب ، فأعادوا تشكيل العالم أجمع على نحو جديد . . وأسلست الجماهير قيادها للدين الوافد لأنها رأت فيه نجاتها وكرامتها..

ومهما تعصبت الوثنية والصليبية والصهيونية ضد الإسلام ، فإن الحقائق الكبرى التى أشرق بها هذا الدين لن تستخفى عن العيون ، ولن تذيبها الضغائن السود !

ماذا كان فى فارس والروم من مناهج الحكم التى طبقت فى المدينة المنورة ؟ بل ماذا كان فيهما من سياسة الأخلاق وأصول التربية؟؟

لقد كان من مصلحة الإنسانية المجردة أن تختفى هذه الأمبراطوريات البالية ، وهذه النحل المخرفة الجائرة ، وأن يطلع الإسلام على الدنيا ليزكيها ويعلى مستواها. .

• وفى العصر الحديث :

ثم تراخت الليالي ، وانقضت أيام وأيام ، وذهب عرب القرون الوسطى وطلع العصر الحديث على عرب آخرين ! إنها خلوف يتفرس المرء فيها فتغمر قلبه كآبة ثقيلة . .

وموقف أولئك العرب يحتاج إلى استبانه وتفصيل ، وإن كانت الهزائم المادية والمعنوية تغزو كل أفق وتكسوه بالقار .

هناك حديث مسموع بالمجالس ، ولغط يعم الميادين الثقافية والاجتماعية أن العروبة يمكن ـ بل يجب ـ أن تنفك عن الإسلام ، وأنه بعد هذا الفصل تكون الصدارة لها لا له . .!!

إنه ـ إن صح له بقاء ـ سوف يكون تابعا يتحرك بقدر ، ووفق ما يصدر له من أمر !

وقد ولدت فكرة القومية العربية ، وشتى النزعات التى تشبهها لتضع جماهير المسلمين داخل هذا الإطار ، فالولاء للجنس لا للدين ، وللوطن لا للعقيدة ! والحرب الخفية والجلية لابد أن تدور رحاها ليلا ونهارا لتطحن كل ما يعترض هذه الغاية الفاجرة .

وعلى القادة العرب أن يتأسَّوْا بالقائد التركى المرتد " مصطفى كمال " فإما بلغوا مرادهم طفرة ، أو على مهل ! المهم أن يصلوا يوما إلى جعل الأمة العربية علمانية مبتورة العلاقة برسالتها وتراثها . .

وقد اصطدمت حركة الارتداد تلك بمقاومة صلبة ، ولكن الغزاة وعملاءهم يركبون الصعب والذلول لإدراك مأربهم ، وكلما ظنوا أنهم قاربوا النصر هبت عليهم موجة من أمواج الإيمان المكافح فلَّت حدَّهم وخيبت أملهم ، ويستأنف المرتدون نشاطهم ، ويعاودون الكرَّة ، ويأبى سواد الأمة الاستسلام ويستميت فى حماية ما بقى له من إيمان ، ولا يزال العراك ناشئا بين الفريقين ، ولا يزال أمل المؤمنين قويا أن يخرجوا من هذه الساحة الدامية والإسلام بخير !!

• أمور مهمة :

وننبه إلى أمور . . أن الحكم بغير ما أنزل الله له أنصار كُثْر ، تمدهم من الخارج الشيوعية والصليبية والصهيونية على سواء .

وأن بثَّ جراثيم العفن الخلقى ، وإدمان الشهوات يسير جنباً إلى جنب مع تعويق الإنتاج المحلى وتعطيل الأيدى المتوضئة . .

وأن السلطات القائمة تعرف المكانة الشعبية للإسلام ، ومن هنا فهى تؤوى إلى كنفها صنفا من علماء الدين يطلق عليهم : العلماء الدواجن ، لا شوكة لهم ولا غيرة ، يمثلون الدين على نحو ما ، وينفون عن أعدائه شبهة الارتداد ، ولو كانوا يعملون بيقين لحساب الشيوعية والصهيونية والاستعمار . .

أما الشيء الذى نقف بإزائه برهة ، فهو الجبهة العاملة للإسلام بإخلاص ، فكثيرا ما تكون الأخطاء هنا قاتلة ، بل كثيرا ما تكون الثغرات هنا هى المنافذ التى يتسرب منها الخطر ، أو يتسلل منها الخصوم لإلحاق أفدح الأذى بالإسلام وأمته ..!

أحيانا أوازن بين صورة الإسلام الحقيقية ، وبين صورة الإسلام فى ذهن أحد الدعاة، فأجد الفارق بين الصورتين كالفارق بين سيارة لعبة أطفال وبين سيارة تنهب الأرض نهبا !

إن الضحالة العلمية عند مشتغل بالدعوة جريمة ! وليس كل مسلم مطالبا أن يكون عالما راسخا ، ولكن القيادة لها خصائص عالية . .

وفى عصرنا هذا استبحرت المعارف ، وتسلحت المذاهب برجال عباقرة ، فإذا بقى قادة الجبهة الإسلامية عندنا على مستواهم الحالى ، فالمستقبل مظلم . .

ومعروف أن الدعاة الذين يمكن أن يفيدوا دينهم وأمتهم يَلْقَوْنَ العنت ، ليكن . . !! فهذه سنة الله فى الأولين والآخرين ، لا يجوز الفزع منها ، ولا التعليل بها فى تقصير . .

• ليس من الدعاة :

وعلى أية حال فلا أستطيع بتة أن أعدّ فى الدعاة رجلا قليل البضاعة فى التاريخ السياسى للإسلام ، أو التاريخ التشريعى له ، رجلا لا يدرى إلا النزر اليسير عن خصائص الفكر الإسلامى ، لأن وعيه غامض فى القرآن الكريم ، كل ما يعرفه بضعة أحاديث إن صح سندها ، فهو لا يدرى كيف يضعها مواضعها .

لا نستطيع أن ننظم فى سلك الدعاة امرءاً لا يعرف عن العالم المعاصر شيئا ، ولا عن الفلسفات التى تحكمه ، ولا أسرار رجحان الإسلام عليها . .

لا نستطيع أن نعقدَّ من الدعاة امرءاً يريد نشر الإسلام فى الغرب بنقل تقاليد وعادات يظن أنها من الإسلام ، وهى فى حقيقتها ليست من الإسلام ، وقد تكون منفرة للقوم هناك . . كأن يسلب المرأة حقوقها التى أقرها الإسلام تحت وطأة عادات اجتماعية فى بيئة معينة . .

ولا يعنى ذلك أبدا إقرار المجون الفاضح والاختلاط الفاحش الشائع هناك . . فالإسلام شىء غير العادات المستقرة هنا أو هنا ، وله أحكامه التى يقررها العلماء لا الدهماء . .

إن هناك علماء دين لا يعرفون شيئا عن حقوق الإنسان ، لا يعرفون شيئا عن الدساتير التى أرست العلاقات بين الدولة والشعب ، لا يعرفون شيئا عن الطور الذى بلغته العلاقات بين الدول . . والأنكى أنهم لا يعرفون وضع مجموعة الدول الإسلامية بين غيرها من المجموعات ، ولا يحسون ما يُبيت لدينهم بليل ، ولاما يرسم لتحديد مستقبلهم الثقافى والاجتماعى .

ويتبع هذا القصور العقلى أن القضايا التى يستولى عليها الاهتمام ، وتقع عليها المفاصلة تكون من النوع الهامشى أو الخيالى أو التاريخى البالى . .

• عرب العصر الحديث :

ولنعد إلى عرب العصر الحديث الذين يريدون الاعتزاز بغير الإسلام ، والذين يتعمدون إهمال شرائعه ، وإسقاط شعائره . . المعروف أنه إذا عزّ الإسلام عزّ العرب ، وإذا ساد سادت لغته وآدابه ، بيد أن المستغرب فى مسلك القوم أنهم يتعصبون للعروبة ، ويتنكرون للسيد الأوحد الأمجد الذى اصطفاه الله منها ، وتوَّج به المستقدمين والمستأخرين ، وبعثه بختام الأديان وأنفس الرسالات ، هل يحقد على محمد صلى الله عليه وسلم عربى ، وهو شرف العرب وفخرها ؟!

ثم كيف يكون عربيّا من يهمل لغة العرب ، ويُؤْثر عليها اللغات الأخرى ؟

الحق يقال : إن النزعة القومية هنا ستار مفضوح لحركات تخريبية يراد بها ضرب الإسلام وحده ونسف قواعده فى بلاده ، ويمكن القول بأن هذه الحركة المشؤومة هى حملة صليبية ناجحة فى العصر الحديث !!

لقد تعصب العرب قديما لأنفسهم ، فماذا أفادوا من هذه العصبية الجنسية ؟ خسروا أنفسهم ورسالتهم ، ونتج عن هذه العصبية العمياء أن العرب اختفوا من معارك الإسلام الحاسمة عسكرية كانت أو سياسية أو ثقافية ، فهل هذا ما يقصدون؟

وإذا كنا مطالبين الآن بالتعصب للعروبة ، وبعث نهضة على أساسها ، فهل سنأخذ القدوة من عاد وثمود ؟ أم من امرئ القيس وطرفة بن العبد ؟ وهل سيكون جحدنا للإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم كلا أم جزءا ؟ ومن سيكون مستشارنا فى الاختيار ، أيكون روسيَّا أم أمريكا ؟؟ !

أرجو أن تنتهى هذه المأساة أو هذه المهزلة ! وأرى أن تتكون لجنة من جميع الأجناس التى اعتنقت الإسلام ، من عرب وأتراك وهنود وفرس وأندونيسيين وزنوج وغيرهم ، لتذويب الفوارق العنصرية فى كيان إسلامى مشترك ، وسحق كل الثغرات الجاهلية ، وجعل اللغة العربية التالية لكل لغة وطنية ، وجعلها اللغة الرسمية العامة فى كل ملتقى إسلامى ، كما أنها لسان الوحى ولغة التعبُّد لله رب العالمين .

ويمكن تجديد ما وهى من أواصر قديمة ، كما يمكن التعاون فى مؤتمرات وأسواق مشتركة لمواجهة مستقبل تكتنفه الضغائن والمتاعب . .

وليعلم العرب أنهم قبل غيرهم مأكولون يوم يتركون الإسلام ويخونون الله ورسوله .

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#مشكلات_في_طريق_الحياة_الإسلامية
كلمة حرة
نشر في 07 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع