Facebook Pixel
عن ماذا يتكلم كتاب حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة؟
1720 مشاهدة
1
0
Whatsapp
Facebook Share

مقدمة عن الكتاب بعد أن عمد إلى شرح الإسلام شرحا مجردا، واعتمد على الكتاب والسنة وسيرة الخلافة الراشدة، وفقه الأئمة المعتمدين، غير متقيد بمذهب ما

كتاب : حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 1 ] : مقدمة الكتاب

الحديث عن الأسلاف يكون لغوا لا معنى له يوم يجرى على ألسنة العاطلين اعتذارا عن تقصيرهم أو افتخارا بأصولهم . ونحن نكره الحديث عن المسلمين الأوائل إذا صحبته هذه النية أو قارنه هذا التفريط..

لكن هذا الحديث يصبح واجبا يوم يكون لهؤلاء الأسلاف دين مجحود وحق مهدر. ويوم يكون الذين انتفعوا بهم مصابين بداء الغمط والنسيان أو مصابين بداء الحقد والنكران . يومئذ لا يبقى بد من التنويه بالجميل القديم ٬ واليد السابقة .

وقد كانت أوروبا فى ظلام دامس يوم كان العرب ينتقلون بين أقطار الأرض انتقال الشروق من أفق إلى أفق ٬ ويحملون معهم يقظة الأفكار والأفئدة وشرف السيرة والخلق .

فلو لم يجيء العرب برسالتهم هذه ما كان أمام الغرب إلا أحد مصيرين . إما أن يتلاشى مع الجهالات والضغائن التى خالطت شئونه ظاهرا وباطنا ٬ وذلك هو الأرجح !! وإما أن يتأخر صحوه إلى القرن السادس والعشرين أو السادس والثلاثين للميلاد بدل أن تهز كيانه حركة الإحياء خلال القرن السادس عشر .

غير أن المبادىء النفسية والعقلية التى صحبت الحضارة الإسلامية ورشحت من دار الإسلام على ما جاورها من أقطار ٬ عجلت ونستطيع أن نقول خلقت اليقظة الأوروبية الأخيرة وأمدتها بأسباب النماء .

وسيقول المتعصبون العميان : لا

وسنظل نؤكد الحقيقة التى لا تخفى على دارس منصف ..

قد ينكر اليابانيون أنهم استفادوا شيئا من مدنية الغرب ٬ وقد يزعمون أنهم ورثوا العلم عن آبائهم الأولين . ولكن الحقيقة الكبيرة لا تنطمس مع هذه المزاعم .

وقد ينكر الأوروبيون أنهم استفادوا شيئا من حضارة الإسلام . وقد يزعمون أنهم بنوا مدنيتهم على مواريثهم الدينية والفلسفية .

بيد أن هذا العقوق السافر لا نلقاه إلا بالزراية على تزوير التاريخ والاستغراب لضياع المعروف على أن المعرفة الإنسانية والرفعة الاجتماعية لم تحتكرهما على مر العصور قارة من القارات .

وقلما بقى جنس من الأجناس قديرا لأمد طويل على قيادة العالم ٬ وإنارة الطريق أمامه .
إن الأمم للأسف لا تطيق البقاء على أسباب المجد والعظمة أزمنة متواصلة وسرعان ما تتسلل إليها جراثيم الوهن ٬ وتدب فى كيانها علل التخلف .

لكن العناية العليا لا تدع الشعلة المضيئة تسقط على الأرض ويعم الظلام .

إن أمما أخرى تهيئها ظروفها للبروز إلى الميدان والعمل مكان الذين انسحبوا. ولا تزال تعمل فى جد حتى يصيبها بدورها ما أصاب غيرها . فيعيد التاريخ نفسه وبهذا السباق فى ميادين الحياة تصلح الحياة . قال الله تعالى: “…ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين” .

ولقد خدم المسلمون قرابة ألف سنة ثم وهنت أذرعهم عن حمل المصباح . أجل ٬ لقد خانوا الإسلام فى ميادين شتى ٬ فخلعوا بذلك الأجنحة التى أعانتهم على التحليق ٬ ولم يبق إلا أن يستقروا على الثرى .

والقدر الأعلى لا يحابى أحدا ٬ ولابد أن يطبق قوانينه العادلة على البشر قاطبة .

وإنك لتضحك الضحك الذى هو شر من البكاء عندما تعلم أن المغاربة كانوا أشد الناس حفظا للقرآن ٬ وأن المصريين كانوا أحسن الناس تغنيا به ٬ وأن الأتراك كانوا أحسن الناس كتابة له ثم ماذا ؟

فأين العمل به ٬ فى حنايا النفس وأرجاء المجتمع وأحشاء الدولة ؟ أين العمل به فى تزكية القلب وترقية اللب وإشاعة البر والتعاون فى أكناف الأمة ٬ وإقامة العدل والحق فى أعمال الحكومة .؟؟

لقد تأخر المسلمون عن جدارة . ولا مكان للمراء فى أن ما أصابهم من إرهاق الغزو وتنكر الدهر هو الجنى لما غرسوا .

وجاء تأخرهم فى الوقت الذى كانت فيه أمم أخرى تخطو نحو الصدارة ٬ تريد أن تحتل المكان الخالى .ولماذا ييقى المكان خاليا ؟ وما الذى يمنع الآخرين من التربع فيه ؟

إن نقائض الحياة تلفت النظر بقوة . والناس تعجب عندما ترى البخيل غنيا والكريم فقيرا ٬ وربما تندر العامة بالدنيا التى تمنح القرط من لا أُذن له .

ولقد لفت نظرى من هذه النقائض قول جبران : " الناس رجلان: رجل نام فى النور. ورجل استيقظ فى الظلام ".

قلت: ما أصدق هذا القول على المسلمين الذين أغفوا ٬ وأشعة الوحى الصادق تغمر ما حولهم وما أصدقه كذلك على أولئك الذين استيقظوا فى الظلام وساروا بقوة وهم محرومون من شعاع يهديهم الطريق ٬ ويصلهم بالسماء عن يقين.

ولا تزال النقائض تترى . وليس هناك ما يقف تتابعها .

وقصة حقوق الإنسان مثل آخر لهذه المفارقات.

إن المبادئ التى طالما صدرناها للناس يعاد تصديرها إلينا على أنها كشف إنسانى ما عرفناه يوما ولا عشنا به دهرا ..!!

ولا غرو . لقد كان ظهور هذه المبادىء منذ اندلاع الثورة الفرنسية شيئا جديدا فى حياة الغرب . والكعكة فى يد اليتيم عجب !

ونحن لا نجادل فى نفاسة هذه المبادئ . بيد أن الذين يفكرون فى إعانة مصر بتصدير القطن إليها ٬ لا يصنعون شيئا ٬ فالقطن فى أرضها وفير الثمر جيد المادة .

ونحن نملك تراثا عامر الخزائن بالمبادئ الرفيعة والمثل العليا . ونخشى أن يجىء يوم يصدر الغرب إلينا فيه غسل الوجوه والأيدى والأقدام على أنه نظافة إنسانية للأبدان .

فإذا قلت : ذلك هو الوضوء الذى نعرفه . قال لك المتحذلقون المفتوتون : لماذا لا تعترف بتأخرك وتقدمه ؟؟ وفقرك وغناه ؟؟

ومع هذا الجهل المطبق فلن نكذب على أنفسنا ولن نفتأ نذكر ما لدينا لا لنقول فقط : بضاعتنا ردت إلينا ؟ بل لنهيب بالقاصرين والغافلين أن يستردوا ثقتهم فى أنفسهم وحضارتهم ٬ ويحددوا بدقة ما لهم وما عليهم ٬ ثم ليس كل ما يجىء من قبل الغرب الظافر القوى محل تقديرنا .

فنحن أصحاب رسالة تنزلت علينا من السماء ٬ نحاكم إلى تعاليمها كل شىء ٬ ما وافقها وإن كان مجلوبا إلى أرضنا فهو حق ٬ وما خالفها وإن كان عرفا مقررا لدينا فهو باطل .

ومن الإنصاف أن نزكى مجموعة من المبادئ والشعارات التى انتشرت فى الغرب وانسجمت مع فطرة الله التى فطر الناس عليها .

فإذا كانت هذه المبادئ والشعارات مأنوسة لنا مدروسة فى ديننا من قرون فمن هضم النفس أن نجعلها مخترعات حديثة .

لذلك أعجبنى من الدكتور على عبد الواحد وهو يتحدث عن حقوق الإنسان أن يقول: " ترجع أهم حقوق الإنسان العامة إلى حقين رئيسيين . المساواة والحرية .

وقد ادعت الأمم الديمقراطية الحديثة أن العالم الإنسان مدين لها بتقرير هذين الحقين ٬ فذهب الإنجليز إلى أنهم أعرق شعوب العالم فى هذا المضمار !!

وزعم الفرنسيون أن هذه الاتجاهات جميعا كانت وليدة ثورتهم . وأنكرت أمم أخرى على الإنجليز والفرنسيين هذا الفضل وادعته لنفسها .

والحق أن الإسلام هو أول من قرر المبادىء الخاصة بحقوق الإنسان فى أكمل صورة وأوسع نطاق ٬ وأن الأمم الإسلامية فى عهد الرسول عليه السلام والخلفاء الراشدين من بعده كانت أسبق الأمم فى السير عليها " .

وأنا لا أكتفى بإثبات أن الإسلام من الناحية التاريخية سبق سبقا بعيدا ٬ بل أريد أن أقول ما هو أصرح من ذلك .

لقد أُلفت رسائل حسنة فى إثبات فضل الإسلام على حركات الإصلاح الدينى فى أوروبا .. إن هذه الحركات التى قلمت أظافر الكهنة ٬ وأبطلت صكوك الغفران ٬ وهذبت تقاليد الرهبنة ٬ وكسرت احتكار التفاسير الإنجيلية ٬ وألزمت رجال الدين أن يرفعوا وصايتهم عن نشاط العقل الإنسانى ..

إن هذه الحركات لم تعرفها أوروبا إلا على أضواء الثقافة الإسلامية فى العصور الوسطى .

وضميمة أخرى إلى هذا الفضل : إن ما حفل به الإسلام من حريات ٬ وما شرعه من عدالة ومساواة ٬ وما ضمنه للجماهير من كرامة ٬ لم يكن يدرس فى عواصم الأمة الإسلامية وحدها .

لقد عبر إلى أوروبا مع شتى الثقافات الأخرى ٬ وظل يحرك الحياة الأوروبية حتى انفجرت فى ثورات التحرر تهتف بمبادئ ما كانت معروفة فى أرضها خلال القرون الماضية .

وكما يختفى ماء المطر ليظهر بعد حين نبعا جياشا ٬ أو عينا جارية ٬ كمنت آثارنا العلمية ٬ ثم انبجست بهذا الرى عندما تأذنت الأقدار .

إنه ليس فى المواريث الروحية أو الفكرية لأوروبا ما يسمح أبدأ بثورات اجتماعية أو نشاط رحب .

كانت الكنيسة قد حكمت على العقل بالسجن المؤبد ونفذت حكمها . وكانت قد حكمت أيضا على التسامح بالعقوبة نفسها ونفذت حكمها .. وخمدت جذوة التسامى فى النفس الإنسانية تحت وطأة هذه الظروف الخانقة لولا ما كان يهب... من بعيد... من وراء الحدود التى أغلقها التعصب.. من بلاد الإسلام التى بلغ فيها الذكاء الإنسانى شأوا يذكر..

لولا هذا وحده ما نهضت أوروبا ولا استفاقت من غشيتها. (سجلنا تفصيلا علميا لهذا الموضوع في كتابينا "كفاح دين" و"مع الله")

إلا أن الخمول الشنيع الذى ران علينا فى القرون الأخيرة جعل تركة الخلافة المفلسة تنتهب . ثم تمحى من فوقها كل علامة وتوضع عليها أيدى الملاك الجدد ثم يقال : إن العرب ما قدموا للعالم خيرا قط . وأن الإسلام وأهله عالة على الأولين والآخرين . ألا “ لعنة الله على الظالمين ٬ الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون “.

وسوف يرى القارئ فى هذا الكتاب بالنصوص الحاسمة أن آخر ما أملت فيه الإنسانية من قواعد وضمانات لكرامة الجنس البشرى كان من أبجديات الإسلام . وأن إعلان الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان ترديد عادى للوصايا النبيلة التى تلقاها المسلمون عن الإنسان الكبير والرسول الخاتم “محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم “

عندما رُغب إلى أن أكتب فى هذا الموضوع لم أنشط نفسيا لتلبية هذه الرغبة مع إعزازى لأصحابها . وذلك أن لى كتابات قديمة فيه ولا أحب تكرار ما سبق أن شرحته . ثم قدرت الفائدة من جمع هذه المعانى فى نظام متكامل تحت عنوان مشهور . فقلت : قد يكون ذلك أعون على خدمة الدعوة الإسلامية .

فلما بدأت الكتابة شعرت بأن الإسلام أغزر وأخصب مما قدرت . إن عظمة هذا الدين غير متناهية . وإن الكاتب قد يحرز قدرا من الإجادة فى تصوير تعاليمه غير أن ما يكتبه هو المدى الذى يبلغ إليه بصره وحسب . وكلما استنارت بصيرته رأى في أمجاد الإسلام في كل ميدان ما لم يكن قد رأى من قبل وصدق الله العظيم " وفوق كل ذي علم عليم "

ولو أن أحد أئمتنا الأقدمين تناولوا هذا الموضوع بما أنسناه فى هؤلاء الأئمة العمالقة من نفاذ بصر وسناء روح لكان لتأليفه شأن آخر

وإنى لأرجو الله أن يتدارك بلطفه ما فى هذا الجهد من قصور ٬ وأن يتجاوز بعفوه عما لحقنا من تقصير.

ولقد عمدت إلى شرح الإسلام شرحا مجردا ٬ واعتمدت على الكتاب والسنة وسيرة الخلافة الراشدة ٬ وفقه الأئمة المعتمدين ٬ غير متقيد بمذهب ما ٬ ورأيت أن أنشر فى ذيل الكتاب صورة كاملة لوثائق حقوق الإنسان كما نادت بها الجمعية العامة بالأمم المتحدة. على أن أشير فى الهامش إلى أرقام المواد المتصلة بالبحوث الإسلامية من هذا الإعلان العالمى ٬ والله أسأل أن يسبغ علينا نعمة التوفيق. آمين

محمد الغزالي

----------( يُتبع )----------
#محمد_الغزالي #حقوق_الإنسان
كلمة حرة
نشر في 15 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع