1976 مشاهدة
0
0
من حق أى إنسان وقع عليه ضيم فى بلد ما٬ ولم يستطع دفعه أن يهجر هذا الوطن الظالم وأن يلجأ إلى بلد آخر، يجد فيه حريته، والإسلام يقدر الإنسان الحر الذي يرفض قبول الدنية
كتاب : حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة - تأليف : الشيخ محمد الغزاليالحلقة [ 12 ] : الهجرة واللجوء
من حق أى إنسان وقع عليه ضيم فى بلد ما ٬ ولم يستطع دفعه أن يهجر هذا الوطن الظالم وأن يلجأ إلى بلد آخر ٬ يجد فيه حريته وكرامته .
والإسلام يقدر دوافع الإباء التى تجعل الإنسان الحر يرفض قبول الدنية . ويهيب بالأحرار من شعوب البلدان الأخرى أن يكرموا وفادته ٬ ويحسنوا مواساته..
ومن تعاليم الإسلام المقررة أنه يوصى المؤمن بمقاومة الطغيان ٬ فإن عجز عن ذلك ماديا ٬ فلن يعجز عنه نفسيا .
والمقاومة النفسية أن يقاطع الطغاة ويأبى موالاتهم ٬ ولو عكروا عليه مقامه . فليس الظلم فقط أن يلطمك معتد أثيم . ولكن الظلم أن تقبل هذه اللطمة وتستكين لوقعها ٬ وتتودد لصاحبها .
الظلم أن يحتل عدو بلدك . وأن يهرع الجبناء لإحسان استقباله .
الأول ظلم الغير بإهدار كرامته . والآخر ظلم النفس بإذلال جانبها .
وفى هذا النوع الأخير يقول الله جل شأنه : “إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون” .
نعم ٬ من يصادق المعتدين ظالم ٬ بل هو الجدير باللوم والتقريع ٬ لأن انكسار نفسه هو الذى يغري الآخرين بالجبروت . وتحول الأحرار إلى قطر آخر يلتمسون منه النجدة ٬ أو يؤملون فيه الاستقرار سنة حميدة .
وقد هاجر المسلمون الأولون طورا إلى الحبشة ٬ وطورا إلى المدينة . وهذه الهجرة تمثل ما يسمى الآن باللجوء السياسى .
قد نوه القرآن ببسالة المهاجرين وتضحياتهم ٬ كما نوه بسماحة الذين آووهم ٬ وأحسنوا مثواهم: “والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم”.
إن لقاء اللاجئ المحزون بصدر مفتوح عمل صالح ٬ وفضيلة مشكورة .. وقد روى أن وفد الحبشة عندما قدم المدينة قام رسول الله ` صلى الله عليه وسلم ` يخدمهم بنفسه ٬ فقال له أصحابه: نحن نكفيك ! فقال: لا ٬ إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين .
فالشعور بالجميل السالف هو الذى بعث الرسول ` صلى الله عليه وسلم ` على أن يكون هو المحتفى بهم ٬ المقدر لصنيعهم ..
والواجب أن نشعر بما بين البشر جميعا من وشائج القربى ٬ مهما اختلفت البقاع وتغايرت الحكومات . فإذا منيت قطعة من الأرض بحاكم أثيم يضطهد خصومه فى الدين أو فى الرأى ويضيق عليهم الخناق فلتكن أبواب البلاد الأحرى مفتوحة لتكريم الإنسانية المهانة وإشعارها بالأخوة العامة ٬ وبأن هناك أهل صلاح ووفاء يكرهون أولئك الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل .
ربما تواضع البشر على رسم تخوم للأرض ٬ وحدود بين شتى الدول ٬ بيد أن هذه الخطوط المرسومة بين منازل الناس من أرض الله ٬ لا تخدش الصلة الجامعة بين أبناء آدم قاطبة ٬ فلهذه الصلة حقوق خالدة أما الحدود السياسية فهى أمور اعتبارية توجد اليوم وتزول غدا ..
وعلى هذا الأساس تفهم قول الله جل وشأنه : “يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون”. “قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب” . “ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة” .
ولجوء المظلوم إلى بلد آخر لا يعنى استدامة ما نزل به من ظلم . والحكومات الجائرة تريد لتأييد ظلمها أن تقطع صلة المضطهدين بوطنهم الأول فتحرمهم جنسيتهم الأولى ٬ فيمسوا بعد هذا الحرمان ٬ وكأنهم ما كانت لهم بأمتهم روابط ولا ذكريات ولا مصالح ولا حقوق ٬ لقد ذهبوا فى خبر كان ..
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا .. أنيس ولم يسمر بمكة سامر
وذلك كله باطل فإن التصرفات الجائرة لا يمكن أن تتحول إلى شريعة ٬ ولا أن تحترم لها آثار..
وبديهى أن الذى يظفر بتقدير العالم ٬ من يقع عليه الحيف لعقيدته ورأيه. أما الفار لجرم ارتكبه ٬ أو الهارب من عقاب يستحقه فليس بلاجئ سياسى.. ولا يجوز لأحد إيواؤه ٬ بل إن تسليمه للعدالة حق على كل قادر.
والإسلام يبيح الهجرة طلبا للثراء وجمع المال ٬ فإن المال فى يد أهل الخير قوة تخدم مثلهم العليا.
وإذا كان الأشرار فى سعة من الثروة فإن الفقر لا يجدى فى مقاومتهم فتيلا ٬ بل إن غناهم سيتيح لهم فرصا لتحقيق مآربهم لن يتيح الاقلال مثلها لأهل الخير أبدا.
فإذا هاجر امرؤ لطلب المال ٬ بنية خدمة الحق ٬ فإن هجرته هذه تكون لله ٬ وخطواته تكون فى سبيله ` نعم المال الصالح للعبد الصالح ` .
` وليست بقعة فى الأرض أحق من أخرى برسالة المسلم ! ولن يكون المسلم عبدا لمكان ما فى هذه الدنيا يعلق بترابه ويرتبط بأسبابه !! ` .
وإنما هو ابن رسالته الكبرى ٬ وهذه الرسالة الكبرى تربط فؤاده بالناس ورب الناس ٬ وتوسع أفقه حتى يتسع للعالمين ٬ ورب العالمين.
إنه يحب وطنه الذى ولد فيه ٬ واستمتع بخيره ٬ وعاش قطعة من تاريخه وهو يؤدى حقوق هذا الوطن ويستشعرها أكثر مما يستشعرها غلاة المتعصبين للنزعات القومية المحدودة.
لكنه مع ذلك يخدم حقيقة أكبر من أقطار الأرض وآفاق السماء لأنه يصل قلبه ولبه برب الأرض والسماء ٬ ومن ثم انداحت الدائرة التى يعمل فيها ٬ وذابت الحدود التى تحصرها.
وقد عرف سلفنا الأولون هذه الحقيقة وبنوا عليها سلوكهم الاجتماعى والسياسى فكان علم ` الجغرافيا ` يسمى فى مصطلحهم علم ` تقويم البلدان ` كأن الغاية من دراسته هى الغاية التى تقصدها من مطالعة ` دليل ` تشتريه من محطة السكة الحديد لمعرفة المحطات المختلفة ومواعيد وقوف القطار بها .
وكان المسافر المسلم ينزح من المغرب ليصل إلى الصين فلا يحمل معه ` جواز سفر ٬ ولا يلقى أمامه ` حرس حدود ` وكان نصف الدنيا مفتوحا له ينتقل فى مشارقه ومغاربه كيف شاء ٬ وكانت نظرته للعالم تجرئه على حساب التسرب فى مجاهيله والتغلغل فى أعماقه ٬ فماذا اطمأن به المقام في ناحية حط بها رحاله ٬ وفى نفسه قول الشاعر :
وكل امرئ يولى الجميل محبب .. وكل مكان ينبت العز طيب
ولا شك أن هذه الحياة المتحركة كانت استجابة لتعاليم الإسلام وفهما لسنة رسوله الكريم:
روى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: مات رجل بالمدينةممن ولد بها فصلى عليه رسول الله ٬ ثم قال: ` يا ليته مات بغير مولده `!! قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: ` إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس بين مولده إلى منقطع أثره فى الجنة ` .
فانظر إلى هذا التحريض على الهجرة والضرب فى الأرض! من الذى استجاب له ٬ واستمسك به أنحن الذين صنعنا ذلك؟ كلا. إن المقامرين من طلاب الحياة وصناع المجد ٬ هم الذين طوفوا فى البلاد وتركوا طابعهم عليها ..
أما القاعدون خلف أسوار بلادهم ٬ فقد استكانوا للدعة والخمول ٬ ومرت عليهم القرون متهالكة مريضة ٬ ثم استيقظوا فجأة فإذا هم أسارى فى أيدى الأقوياء ٬ الذين تركوا بلادهم إلى بلادنا مستعمرين ينشدون الثروة والجاه `.
وإذا كانت تعاليم الإسلام تستحب للإنسان التنقل فى الأرض ابتغاء المال إلا أنها تكره له أن يفنى فيه ويتمخض له ٬ والمسلم يربط استقراره فى مكان أو تحوله عنه بسلامة دينه قبل كل شئ .
فإن كان فى بيئة يطمئن فيها على عقيدته جاز له أن يقيم فيها . وإلا هاجر منها إلى حيث يلتحق بجماعة مؤمنة تعينه على آخرته.
ونحن نوصى المغتربين من أهل الإسلام أن يتحسسوا مهاجرهم بحذر ٬ وألا يأذنوا للتيارات السائدة أن تجرفهم أو تجرف ذراريهم معها فإذا أحسوا عزلة تهدد مستقبلهم بفتنة فليعودوا إلى دار الإسلام ٬ فذلك أبقى على إيمانهم ٬ وأسلم
ودار الإسلام مفتوحة لطلاب الأمن من كل جنس ولون ٬ فأى مضطهد يستطيع أن يجد فيها ما ينشد من سكينة نفس وراحة بال .
لقد ظلت أوروبا مئات السنين تبعث الفزع فى نفوس المخالفين في الدين أو المذهب ٬ ولم تكن مجتمعاتها تسمح بذرة من الحرية الدينية لأتباع الدين الواحد إذا اختلفت مذاهبهم فى فهمه أما دار الإسلام فلم يكن لهذا الإرهاب ظل فى جنباتها .
وأى قادم إلى المسلمين من مخالفيهم فى الدين ٬ فله حق الأمان ما دام طالب أمان. وفى هذا تقرأ قوله تعالى: “وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون” .
والآية مشرقة الدلالة فيما ينطوى عليه الإسلام من ثقة بتعاليمه واطمئنان إلى وجاهتها وقدرتها على إقناع الخصوم.
وشئ آخر يجب إبرازه هو عذر هؤلاء الخصوم بأنهم لا يعلمون ٬ ومنحهم الفرصة الطويلة ليسمعوا ويعلموا ٬ ومنحهم فرصة أطول ليعودوا مؤمنين إذا أرادوا بعد أن ينفردوا بأنفسهم ويستريحوا فى مأمنهم
إن الإنسانية المجردة لها فى دار الإسلام كرامتها والمظلوم أيا كان دينه وجنسه يجب أن تساق له النصفة ويذوق لذة العدل .
وقد نوه رسول الإسلام بحلف الفضول الذى عقده أولو الشرف والنبل من عرب الجاهلية وتواصوا فيه بمعاونة المظلوم ٬ والانتصار له من ظالمه .
وقال عليه الصلاة والسلام فى تأييد هذا الحلف: ` لو دعيت به فى الإسلام لأجبت `.
فلا جرم أن اللاجئين إلى دار الإسلام فرارا من أى عنت ٬ يلقون من أهل الإسلام الأمان المطلق لذواتهم وأولادهم وأموالهم . .
يلقون ذلك مبذولا دون عرض مرجو ٬ إنما هى طبيعة الإسلام فى إحقاق الحق وإبطال الباطل ٬ والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وقد وضع الفقهاء تعاليم كثيرة فى معاملة الوافدين على دار الإسلام لشتى الأغراض ٬ ولا يهمنا من هذه التعاليم أن نثبت منها ما يقبل التغيير على مر الزمان وتفاوت المصالح ٬ إنما يهمنا إبراز الروح الكامن فى هذه التعاليم من سماحة وتعاون وإنصاف وقسط.
قال الأستاذ على منصور فى كتابه ` الشريعة الإسلامية والقانون الدولى العام ` واصفا رعاية الإسلام لهؤلاء الأجانب المقيمين بين ظهرانينا :
أولا : بالنسبة لرعايا الدول المحاربة من المستأمنين والذميين:
لا يحل فى الإسلام القبض على رعايا الدولة المحاربة المقيمين أو الموجودين فى دار الإسلام رغم قيام حالة الحرب بيننا وبين دولهم ٬ سواء أكان هذا القبض بقصد اعتبارهم أسرى وسبايا ٬ أم بقصد الاعتقال لمجرد أنهم من رعايا الأعداء ٬ أو لمجرد قيام حالة الحرب بيننا وبين دولهم ٬ وما دمنا قد سمحنا لهم بالإقامة من قبل بدار الإسلام وأعطيناهم الأمان والذمة علي أنفسهم فلا يحل لنا أن نغدر بهم أو نقيد حريتهم ٬ وأصل الأمان قول الرسول ` صلى الله عليه وسلم ` المؤمنين تتكافأ دماؤهم ويجير عليهم أدناهم ٬ وهم يد علي من سواهم ٬ ويسعى بذمتهم أدناهم `.
وقل الله تعالى فى القرآن الكريم : “ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه “.
وقد ورد فى صبح الأعشى: أن الحربى من الأعداء إذا دخل دار الإسلام للسفارة بين المسلمين كتبليغ رسالة ونحوها أو لسماع كلام الله فهو آمن دون حاجة لعقد أمان ٬ أما إذا دخل للتجارة وأذن له إمام المسلمين أو نائبه ٬ أو من يملك هذا الإذن كإدارة الهجرة فى عصرنا فهو مستأمن لمدة ٬ أى مسموح له بالإقامة لفترة حددها الفقهاء بأقل من سنه وهو فيها آمن على نفسه لا يروع ٬ فإن احتاجت أعماله التجارية لمدة سنة فأكثر فهو ذمى آمن فى جوار المسلمين وبذمتهم .
أما إذا أراد الإقامة الدائمة فى دار الإسلام وقبل أن يدفع ` الجزية `وهى ضريبة معروفةمعاونة منه فى المصارف العامة فله ذلك ولا يروع ولا يخرج ولا يبعد ما دام قائما على الشرط محافظا على الأمن والسكينة غير متجسس علينا.
بل إن الإسلام لا يجعل إعطاء الأمان لرئيس الدولة أو لذوى السلطان إلا فى حالة الأمان العام الذى يعقد للعدد الكثير من الأعداء كأهل ولاية أو قبيلة ٬ أما الأمان الخاص وهو ما يشمل فردا من الأعداد أو عددا قليلا منهم فهو صحيح من كل مسلم بالغ ٬ وهو جائز إعطاؤه عند الفقهاء من العبد ومن المرأة ومن الشيخ الكبير ومن المفلس بل من الصبى المميز عند المالكية والحنابلة ٬ فلكل واحد من هؤلاء أن يؤمن من يشاء من الأعداء واحدا أو أكثر فيصبح لهم حق دخول دار الإسلام والإقامة المؤقتة فيها ٬ هذا ويتبع المستأمن فى الأمان ويلحق به زوجته وأبناؤه الذكور القاصرين والبنات جميعا والأم والجدات والخدم ما داموا عائشين مع الحربى الذى أعطاه المسلم الأمان .
وحق إعطاء الأمان للعدو ثابت لكل مسلم بالغ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : `..ويسعى بذمتهم أدناهم ` .
وليس لعقد الأمان صيغة معينة وكل لفظ يدل عليه معتبر . وكذلك الإشارة مع القرائن .
ونص الفقهاء: على أنه يجب على الإمام أن ينصر المستأمنين ما داموا فى دار الإسلام وأن ينصفهم ممن يظلمهم ٬ وكذلك أهل الذمة لأنهم تحت ولايته ما داموا فى دار الإسلام .
وروى أن بعض الولاة قد رأى أن يحول بين الذميين وبين الإسلام فى مصر كيلا تنقص موارد الدولة فكتب للخليفة عمر بن عبد العزيز يقول: ` إن الإسلام أضر بالجزية حتى لقد نقص عشرون ألف دينار من عطاء أهل الديوان ` .
فكتب إليه الخليفة قولا مأثورا يقرر به الحرية في دخول الإسلام وكفالة ذلك للناس جميعا : ` أما بعد: فقد بلغنى كتابك.. فضع الجزية عمن أسلم قبح الله رأيك فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم هاديا ولم يبعثه جابيا. `
وكان للذميين نوع من التأمين الاجتماعى ضد الشيخوخة والمرض والفقر فإن `خالد بن الوليد ` حين كان يقود معارك الفتح فى العراق أعلن فى معاهدة الصلح مع أهل الحيرة وكانوا مسيحيين :
` وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله ما أقاموا بدار الإسلام `.
هذا ٬ والمماثلة في المعاملة وتكافؤ الفرص والتسامح كل ذلك هيأ للمواهب والقدرات من أهل الذمة أن تظهر وتترعرع فى أحضان المجتمع الإسلامى مثل عبد الملك بن أبهر الكتابى الذى سكن الإسكندرية فى عهد عبد العزيز بن مروان ٬ ويوحنا النحوى الذى عاش فى الإسكندرية أيضا فى عهد عمرو بن العاص ٬ وثيودوكس وثيودون الطبيبان الروميان فى عهد الحجاج بن يوسف حاكم البصرة وجيورجيوس طبيب المنصور ٬ وبختشيوع بن جيورجيوس طبيب الرشيد .
ولقد بقت عائلة بختشيوع هذه تحترف الطب عند الخلفاء والأمراء إلى سنة 540 ه الموافقة لسنة 1058 م. كما لمع فى البيئة الإسلامية المترجم عبد السميع بن نعيمة ٬ والبطريق ٬ وصالح بن يسهلة ٬ وعبدوس بن يزيد ٬ وموسى بن إسرائيل الكونى ٬ وعائلة الطفيورى ٬ كما ` اشتهر بعض الأطباء من الهنود والفرس واليهود والنصارى عند الخلفاء `
ثانيا : بالنسبة لأموال رعايا الأعداء من المستأمنين والذميين وتجارتهم :
إن حالة الحرب لا تمنع الاتجار بيننا وبين دول الأعداء عن طريق المستأمنين ٬ بل لا حرج فى أن تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب أى إلى بلاد الأعداء جميع بضائعنا ومنتجاتنا فيما عدا أدوات الحرب ومعداتها .
وهذا رأى الجمهور.. وخالف الشافعى فيه .
وحجة الجمهور فى ذلك أن النبى ` صلى الله عليه وسلم ` أهدى أبا سفيان تمر عجوة وبعث إليه بخمسمائة دينار ليوزعها على أهل مكة حين تولاهم القحط .
وعلى ذلك فأموال المستأمنين وهم رعايا الدول المحاربة لنا الذين وجدوا فى إقليمنا بإذن سابق منا أموالهم مصونة وتجارتهم قائمة يتولونها بأنفسهم ٬ فلا نصادر من أموالهم شيئا ٬ ولا نقيد حريتهم فى مباشرة نشاطهم العادى وتجارتهم فقد جاء فى المبسوط للسرخسى : ` أموالهم صارت مصونة بحكم الأمان فلا يمكن أخذها بحكم الإباحة.`
ومن أروع ما يساق تدليلا على سماحة الإسلام وعدالته ما ورد فى المبسوط أيضا للسرخسى حيث قال : ` إذا بعث الحربى عبدا له متاجرا إلى دار الإسلام بأمان ٬ فأسلم العبد بعد دخوله دار الإسلام بيع وكان ثمنه للحربى مالكه ` .
هل خطر على عقل بشر من فقهاء القانون الدولى الأوروبى مهما سمت بهم الحضارة مثل هذا التشدد فى العدالة ورعاية حقوق الأعداء ثم أرأيت كيف أننا نعتبر العبد المملوك للحربى من ضمن ماله ٬ فإذا دخل دار الإسلام بأمان للتجارة وبإذن من مولاه فأسلم اعتبرنا الإسلام مزيلا لحق مولاه عليه فوجب بيعه ودفع ثمنه لمولاه الحربى المعادى لنا.
وإنما كان بيعه ليشتريه مسلم فيزول عنه ذل العبودية لكافر أو مشرك كما ذكر ذلك السرخسى
وأجمل من هذا: أن المقيم فى بلدنا مستأمن لو عاد إلى بلده دار الحرببلد الأعداءفانضم إليهم وحمل السلاح وأصبح محاربا بالفعل للمسلمين ٬ وكان له مال عندنا فهو له لا نصادره بل تبقى له ملكيته خالصة.
فقد ورد فى المغنى لابن قدامة : إذا دخل حربى دار الإسلام بأمن فأودع ماله لدى مسلم أو ذمى أو أقرضهما إياه ٬ ثم عاد إلى دار الحرب نظرنا .. فإن كان قد عرج تاجرا أو رسولا أو متنزها أو لحاجة يقضيها ٬ ثم يعود إلى دار الإسلام فهو على أمانة ٬ آمن على نفسه وعلى ماله .
وان خرج بقصد أن يستوطن فى دار الحرب بطل الأمان فى نفسه فلا أمان له فى شخصه ٬ وبقى له الأمان فى ماله ٬ لأنه بدخوله دار الإسلام بأمان ثبت الأمان لماله.
فإذا بطل الأمان فى نفسه بدخوله دار الحرب بقى له الأمان فى ماله لاختصاص المبطل بنفسه فيختص البطلان به `.
وقد ورد فى مقدمة كتاب السير الكبير ` من أنه لو مات المستأمن فى دار الإسلام أو فى دار الحرب أو قتل فى الميدان محاربا المسلمين لا تذهب عنه ملكية ماله وتنتقل إلى ورثته عند جمهور الفقهاء خلافا للشافعى . " .
----------( يُتبع )----------
#محمد_الغزالي #حقوق_الإنسان
نشر في 16 تموز 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع