Facebook Pixel
سرّ النبي عليه الصلاة والسلام كيف استطاع تغير الدنيا بكلمة؟
1446 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

صور جديدة وعديدة للأعمال الصالحة منها موقف المسلم فى هذا العصر وحقيقة العبادة التي يجب أن تكون من كتاب مشكلات في طريق الحياة الإسلامية للكاتب محمد الغزالي

كتاب : مشكلات في طريق الحياة الإسلامية - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 3 ] الفصل الأول : صور جديدة وعديدة للأعمال الصالحة (1 من 4)

• موقف المسلم فى هذا العصر :
• حقيقة العبادة

كانت الخصومات الكبيرة تُحَل قديما بمبارزات فردية يلتقى فيها الخصمان ولا يزال أحدهما يصاول الآخر حتى يصرعه ، ويدع جثته فى العراء ، كما قال شاعر عربىّ :

والله لو لاقيْتَنى خالياً .. لآب سيفانا مع الغالب !

وربما بدأ قادة الجيوش الحرب بهذه المبارزات ، قبل أن يتزاحف الجمعان ، ويتلاحم العدوّان ، وتنجلى المعركة عن فوز هذا أو ذاك .. ثم تسقط بعد ذلك القرى والمدن فى أيدى المنتصر ..

المهم أن الخسائر الحربية كانت محدودة ، وإن كانت النتائج السياسية والاقتصادية والدينية بعيدة المدى..

أما الآن فإن الحروب تشارك فيها ابتداء شعوب كثيفة ، ويحشر لها الشباب والشيب والرجال والنساء ، وتدور رحاها على سواء فى البر والبحر والجو، ويتعرض لمغارمها مَنْ فى المقدمة ومن فى المؤخرة وترصد لها الألوف المؤلفة من الجنيهات ـ قبل اللقاء المباشر ـ وتُنسَّق لها أشتات القوى المادية والأدبية . فالناس قبل الحرب الساخنة فى حرب باردة ، وقبل الالتحام الدامى فى تأهب واستعداد ..

وعندما نرمق الشرق الشيوعى أو الغزو الصليبى نجد كلتا الكتلتين متحفزة متجهزة حتى لا تؤخذ بغتة ، وحتى إذا دقت طبول الحرب كان كل فريق مبصراً بحدّة ما يفعل كى ينجو أو يغلب .

والفرد فى الشرق أو فى الغرب يدرى واجبه ، ويحمل الأعباء الملقاة عليه برضى ، ويعلم أن ذلك قدره فقلما يزيغ عنه .

• موقف المسلم فى هذا العصر :

تُرى ما موقف المسلم فى هذا العصر؟ ماذا يصنع لرسالته فى زحام هذه الحياة؟
إن ألف مليون مسلم بدأوا القرن الخامس عشر من تاريخهم فى ظروف عاصفة. أعداؤهم يعالنون حينا ويواربون أحيانا بنيتهم تجاه الإسلام ، وسواء صرَّحوا أولمَّحوا فإن أعمالهم تصرح بما يبيتون!. إنهم يريدون القضاء عليه ، وقد رسموا الخطط وبدأوا التنفيذ .

والليالى الحبالى تتمخض عن أحداث كئيبة ، فأطرافنا تُنتقص يوما بعد يوم ، بل صميمنا مُهدد بالضياع ، والاستعمار الثقافى مُلحُّ فى محو شرائعنا وشراعنا ، يعينه كُتَّاب مرتدُّون، أو ساسة مبغضون لكتاب الله وسنة رسوله .

ونعيد سؤالنا مرة أخرى : ما موقف المسلم فى هذا العصر الذى تطورت فيه الحروب فانتظم فى جهازها كل شىء ، وتوقح فيه الأعداء حتى قرروا نفض أيديهم منَّا والبناء على أنقاضنا ..؟

إنه لابد أولاً من إعطاء صورة سريعة لعلاقة المسلم بدينه ، أو لمطالب هذا الدين من تابعيه ..

المسلم إنسان يعرف ربه معرفة صحيحة ، ويقيم صلته به ـ سبحانه ـ على مبدأ السمع والطاعة ..

وهو يتعاون مع إخوان العقيدة على تأسيس مجتمع يلتزم بإقامة الصَّلاة ، وإيتاء الزَّكاة ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ..

وهو ـ مع هؤلاء الإخوة ـ ينشئون الحكمة التى تحمى هذا المجتمع ، وتُطوِّع شئون الحياة كلها ، لإثبات صبغته وإعلاء شرعته .

ذاك فى الداخل ، أمّا فى الخارج : فالدولة الإسلامية صاحبة فكرة ترتبط بها ، وتتيح لكل ذى لب أن يتعرف عليها ، وتصادق أو تخاصم على ضوء من مواقف الآخرين بإزائها . فمن ترك الفكرة تعرض نفسها لم يَرَ منَّا إلاَّ الخير ، ولا إكراه فى الدين ، ومن أقام فى وجهها العراقيل جفوناه ولا كرامة .

وتطويع الحياة لخدمة الدين عمل شعبِّى وحكومِّى فى آن واحد ، وهو يحتم توجيه النشاط الفردى والجماعى لخدمة الرسالة العامة وتحقيق غاياتها .

والمسلم منذ صلاة الفجر يتحرك فى الموضع الذى اختاره القدر له ليعلى كلمة ربه ، وإذا كان كفاح العقائد فى هذه الأيام قد فرض تجنيداً إجبارياً على كل شىء ، فإن مناصرة الإسلام لن تشذ عن هذه القاعدة .

ومن ثَمَّ فإن كل مسلك يجعل المجتمع الإسلامى أضعف من نظيره الشيوعى أواليهودى أوالصليبى يُعدُّ خيانة أو ارتداداً .. وكل تفريط مدنى أوعسكرى فى خدمة الإسلام فهو عصيان لخوف العُقْبى .

إن الكدح لله هنا يتجاوز المسجد ليتناول الحقل ، والمصنع ، والمرصد ، والدكان ، والديوان ، والبر ، والبحر ، ومايكتب وما يسمع ، وقد يتناول خطرات النفوس وأحلام النيام ..

الإسلام رسالة توجب على معتنقيها أن يجعلوا مجتمعهم أجدر بالحياة ، وأقدر على النجاح . وكل ما يعين على ذلك فهو دين ، أو كما يقول علماء الأصول : ما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجب .

• حقيقة العبادة :

وعندما ننظر إلى العبادات السماوية نجد أداءها فى اليوم والليلة لا يستغرق نصف ساعة ، ونجد تعاليمها تستغرق صفحة أو صفحتين ، ويبقى الزمان بعد ذلك واسعاً ، والمجال رحباً لفهم الحياة واكتشاف طاقاتها وتسخيرها كُلاً وجزءاً لخدمة الدين .

وكل جهد يُبذل فى ذلك يُسَمَّى شرعاً : عملاً صالحاً ، وجهاداً ، مبروراً ، وضميمة إلى الإيمان تؤّهل المرء لرضوان الله .. (فمن يعمل من الصالحات و هو مؤمن فلا كفران لسعيه و إنا له كاتبون )

ومن المستحيل إقامة مجتمع ناجح الرسالة إذا كان أصحابه جهالا بالدنيا عجزة فى الحياة ، والصالحات المطلوبة تصنعها فأس الفلاح ، وإبرة الخياط ، وقلم الكاتب ، ومشرط الطبيب ، وقارورة الصيدلى ، ويصنعها الغواص فى بحره ، والطيار فى جوه ، والباحث فى معمله ، والمحاسب فى دفتره ، يصنعها المسلم صاحب الرسالة وهو يباشر كل شىء ، ويجعل منه أداة لنصرة ربه وإعلاء كلمته !! .

وإنه لفشل دفعنا ثمنه باهظِاً عندما خِبْنا فى ميادين الحياة ، وحَسِبنا أن مثوبة الله فى كلمات تُقال ومظاهر تُقَام.

تخيل رجلاً وصل إلى الحكم وقال لأتباعه : أمامكم أجهزة الدولة أديروها لإثبات وجودكم وتحقيق هدفكم .. فإذا هم يتركون الأجهزة عاطلة ، ويجتمعون بين الحين والحين أمام قصره للهتاف باسمه! إنه لو طردهم من ساحته ما بغى عليهم ، ولو أمر الحراس بضربهم ما ظلمهم ، إنهم مخربون لا مخلصون ! .

ومن قديم رأى نفر من العابدين أن يحصروا عبادتهم فى الصلوات والأذكار ، يُبدئون ويعيدون ويظنون أن الأمم تقام بالهمهمة والبطالة ، فمن ينصر الله ورسوله؟ إذا كان أولئك جهَّالاً بالحديد وأفرانه ومصإنعه؟ والله يقول فى كتابه: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب)

إن هناك سبعين صناعة مدنية وعسكرية تتعلق بالنفط واستخراجه والانتفاع بمشتقاته ، لا نعرف منها شيئاً ، فهل تُخْدَم عقيدة التوحيد وما ينبنى عليها بهذا العجز المهين؟.

إنه لو قيل لكل شىء فى البلاد الإسلامية : عُدْ من حيث جئت ، لخشيت أن يمشى النَّاس حفاة عراة ، لا يجدون ـ من صنع أيديهم ـ ما يكتسون ، ولا ما ينتعلون ، ولا ما يركبون ، ولا ما يضىء لهم البيوت . بل لخشيت أن يجوعوا لأن بلادهم لا تستطيع الاكتفاء الذاتى من الحبوب ! ! .

إن الله لا يقبل تديناً يشينه هذا الشلل المستغرب ، ولا أدرى كيف نزعم الإيمان والجهاد ونحن نعانى من هذه الطفولة التى تجعل غيرنا يطعمنا ويداوينا؟! ويمدنا بالسلاح إذا شاء .

إنها طفولة تستدعى الكافل المهيمن ، والحديث عن إنجاح رسالة ما- ونحن فى طوقها- حديث يثير الهزء ، فما للأطفال وتكاليف الأبطال ؟ ! .

ولقد راقبت الكثير من الشبان الذين يستحبُّون خدمة دينهم ، وأفزعنى أن الخلط الموروث يهيمن عليهم ، إنهم لا يحسبون عرق الجبين فى البحث عن البترول، أو تلوُّث الجبهة وراء آلة دوَّارة ، لا يحسبون ذلك جهاداً ، إن الجهاد فى وهمهم تلاوات وأوراد ، وتكرار ما تيسر من ذلك ما دام فى الوقت متسع .

وقد رأيت صيدلياً مشغولاً ببحث قضية "صلاة تحية المسجد" فى أثناء خطبة الجمعة ، ومهتماً بترجيح مذهب على مذهب ، فقلت له: لماذا لا تنصر الإسلام فى ميدانك ، وتدع هذا الموضوع لأهله؟ إن الإسلام فى ميدان الدواء مهزوم ! ولو أراد أعداء الإسلام أن يسمِّموا أمته فى هذا الميدان لفعلوا ، ولعجزتم عن مقاومتهم ! أفما كان الأولى بك وبإخوانك أن تصنعوا شيئاً لدينكم فى ميدان خلا منه ، بدل الدخول فى موازنة بين الشافعى ومالك ؟

وسألنى طالب بأحد أقسام الكيمياء عن موضوع شائك فى علم الكلام! فقلت فى نفسى : إن جائزة "نوبل " لهذا العام قسِّمت بين نفرمن علماء الكيمياء ليس فيهم عربىّ واحد ، وحاجة المسلمين إلى الاستبحار فى علوم الكيمياء ماسَّة ، وقد أوردت فى بعض كتبي كيف أباد الروس قرية أفغانية عندما شنُّوا عليها حرباً كيماوية ، وذهب الضحايا فى صمت ، وتسامع جمهور المسلمين بالنبأ وهو لا يدرى شيئاً عما كان أو يكون .

قلت للطالب السائل: إنَّ ما تسأل عنه درسناه قديماً ، وحكايته كيت وكيت ، وخير لك أن تنصرف عن هذا الأمر وأن تُقبل بقوة على ماتخصصت فيه ، إننا فقراء إلى النَّابغين فى المادة التى تتعلمها ، وأغنياء عن المشتغلين بالفلسفات الكلامية ..

واستتليت ضاحكاً : كانت الكيمياء قديماً تهتم بتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب ، وتحدث الشعراء عن كيمياء الحظوظ التى ترفع السفلة إلى مناصب العُلا ! وسألنى الطالب وهو يضحك أيضاً عن كيمياء الحظوظ هذه ؟ فذكرت له بيتى ابن الرومى:

إن للحظ كيمياء إذا ما .. مسَّ كلباً أحاله إنسانا
يرفع الله ما يشاء متى شاء .. كما شاء كائنا ما كانا ..!!

والحظوظ قد تلعب دوراً فى الحياة ، ولكنه ثانوى محدود ، أما ارتفاع الأمم وانخافضها فيرجع إلى قوانين صارمة وأقدار جادة ، والمسلمون لم يُظلموا عندما هُزموا فى سباق الحياة ! إنهم شوَّهوا معنى التدين فانهزموا بجدارة .

وعدت أقول للطالب: تعمق فى علوم الكيمياء فهذا أجدى على الإسلام من انكبابك على بعض قراءات دينية تخصصية ليست مطلوبة منك ، وحسبك من فقه الدين ما ينطبع فى فؤادك وأنت تقرأ القرآن الكريم ، ثم سِر وراء نبيك البطل صلى الله عليه وسلم وتعلَّمْ منه كيف غيَّر الدنيا باسم الله .

وانصرفت عن الطالب الحائر وما أدرى هل اقتنع أم لا ؟ !

إنه مع كثير من الشباب يظنون التقوى : بذل وقت أكبر فى القراءات الدينية ، والأخذ بقدر يسير من شئون الدنيا وعلوم الحياة ، ولعمرى إن الإسلام لايكسب خيراً من هذا المسلك ، ولا تنتصر عقائده إذا كان أهله فى بلاهة الهنود الحمر، وكان أعداؤه يملكون " مكوك " الفضاء ! ! .

املك ناصية الحياة بعلم واقتدار تقدر على نصرة الحق الذى تعتنق ، أمَّا قبل ذلك فهيهات ولسوف يسبقك الدهاة والشطار . . !!

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#مشكلات_في_طريق_الحياة_الإسلامية
كلمة حرة
نشر في 06 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع