2879 مشاهدة
0
0
وهب الله تعالى نعمة الحياة للإنسان، فمن حقوقه الحياة والسلامة والأمان، من كتاب حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة للكاتب محمد الغزالي
كتاب : حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة - تأليف : الشيخ محمد الغزاليالحلقة [ 5 ] : حق الحياة والسلامة والأمان
وهب الله نعمة الحياة للإنسان ٬ وجعل حياطتها كلا وجزءا ٬ وصيانتها مادة ومعنى ، فى طليعة الأهداف التى أبرزها الدين ٬ وتحدث فيها الرسل مبشرين ومنذرين.
ولا عجب فإن إشقاء حيوان وإزهاق روحه ظلما يعده الله العدل الرحيم جريمة يدخل فيها الإنسان النار.
قال رسول الله ` صلى الله عليه وسلم `: “دخلت امرأة النار فى هرة حبستها ٬ فلا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من حشاش الأرض ` .
وروى النبى صلى الله عليه وسلم “ أن رجلا أصابه ظمأ شديد ٬ فنزل بئرا ليرتوى من مائها ٬ فلما خرج منها رأى كلبا يلهث يلحس الثرى من العطش فقال: لقد أصاب الكلب من الظمأ مثل الذى أصابنى ٬ فنزل البئر وملأ خفه وسقى الكلب فشكر الله له فغفر له `.
أرأيت كيف أن إراحة حيوان وحفظ حياته باب إلى رضوان الله ؟ وكيف أن إتعاب حيوان وإهدار حياته باب إلى سخطه ؟
فإذا كانت هذه نظرة الإسلام إلى قيمة الحياة فى المخلوقات الدنيا ٬ فما تكون عنايته وجائزته لمن يدعم حق الحياة بين الناس؟ وما تكون نقمته وعقوبته لمن يستهين بهذا الحق؟
إن القرآن الكريم يعد إزهاق الروح جريمة ضد الإنسانية كلها. ويعد تنجيتها من الهلاك نعمة على الإنسانية كلها. “ أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا “.
وتوكيدا لحق الحياة حتى لا يضار فيها أحد يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ` لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم `.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما: “ قتل بالمدينة قتيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم من قتله ٬ فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: “ يا أيها الناس.. يقتل قتيل وأنا فيكم ولا يعلم من قتله ؟ لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئ لعذبهم اللهإلا أن يفعل ما يشاء “.
والمسلم وغير المسلم سواء فى حرمة الدم واستحقاق الحياة. والاعتداء على المسالمين من أهل الكتاب هو فى نكره وفحشه كالاعتداء على المسلمين وله سوء الجزاء فى الدنيا والآخرة .
وعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة “. وفى رواية أخرى: “ من قتل قتيلا من أهل الذمة حرم الله عليه الجنة “.
إن الحياة الكاملة مصونة ٬ والاعتداء عليها بالقتل جريمة ٬ وكذلك الاعتداء على جزء منها ٬ وتعريضه للتلف أو التشويه. فذلك كله فى نظر الإسلام عدوان أساس العقوبة فيه القصاص. وإنما شرع القصاص تأمينا للسلامة المطلقة بين الناس. وهذا معنى قوله تعالى: “ولكم في القصاص حياة” .
فأنواع القصاص التى أقامها الشارع هى كلها ضوابط وحصانات لإشاعة حق الحياة فى أسمى صورها بين الناس أجمعين .
ومن هنا حرم الإسلام كل عمل ينتقص من هذا الحق. سواء أكان هذا العمل تخويفا أو إهانة أو ضربا أو اعتقالا ٬ أو تطاولا أو طعنا فى العرض فإن حياة الإنسان المادية والأدبية موضع الرعاية والاحترام.
قال عليه الصلاة والسلام: “ظهر المسلم حمى إلا بحقه “ .
وقال: “ من جرد ظهر مسلم بغير حق لقى الله وهو عليه غضبان” .
وليس ذلك التحذير بالنسبة إلى المسلمين وحدهم. فقد روى هشام بن حكيم أنه مر بالشام على أناس من الأنباط ٬ وقد أقيموا فى الشمس وصب على رؤوسهم الزيت فقال : ما هذا ؟ قيل يعذبون فى الخراج . فقال هشام : أشهد لسمعت رسول الله `صلى الله عليه وسلم` يقول : “إن الله يعذب الذين يعذبون الناس فى الدنيا”.
ودخل على الأمير فحدثه فأمر بهم فحلوا . إن الإسلام يحب إشاعة الطمأنينة التامة فى أكناف المجتمع. بحيث ينال الإنسان مسلما كان أو غير مسلم نصيبا موفورا من طمأنينة الحياة واستقرارها.
حدث زيد بن سعنة وهو من أحبار اليهود أنه أقرض النبى صلى الله عليه وسلم قرضا كان قد احتاج إليه ليسد به خللا فى شئون نفر من المؤلفة قلوبهم . ثم رأى أن يذهب قبل ميعاد الوفاء المحدد ليطالب بدينه . قال: أتيته يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ . قلت له: يا محمد ألا تقضينى حقى ؟ فوالله ما علمتكم بنى عبد المطلب إلا مطلا ! ولقد كان لى بمخالطتكم علم !!.
ونظر إلى عمر وعيناه تدوران فى وجهه كالفلك المستدير. ثم رمانى ببصره فقال: يا عدو الله.. أتقول لرسول الله `صلى الله عليه وسلم` ما أسمع ٬ وتصنع به ما أرى فوالذى نفسى بيده لولا ما أحذر فوته لضرب سيفى رأسك. ورسول الله `صلى الله عليه وسلم` ينظر إلى فى سكون وتؤدة .
فقال: “يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا ٬ أن تأمرنى بحسن الأداء. وتأمره بحسن اتباعه. اذهب به يا عمر فأعطه ٬ وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما رعته” قال زيد : فذهب بى عمر ٬ فأعطانى حقى وزادنى عشرين صاعا من تمر فقلت : ما هذه الزيادة يا عمر ؟ قال أمرنى رسول الله `صلى الله عليه وسلم` أن أزيدك مكان ما رعتك
إن ترويع يهودى آذى صاحب الرسالة بلسانه ويده لم يأذن صاحب الرسالة به. وأمر أن يبذله مكانه عوضا تطيب به نفسه.
والحق أن الإسلام يوصد كل الأبواب أمام نفر من الخلق يستهينون بأقدار الآخرين وحقوقهم ٬ خصوصا الحكام الذين قد يدهمون البيوت لتفتيشها ٬ أو يعتقلون خصومهم ٬ ويقيدون حركاتهم دون ارتباط بقانون أو رعاية لقضاء.
تلك كلها سياسات جائرة تصطدم بما يقرره الإسلام فى مجتمعه من تأمين مطلق للفرد ٬ وحس دقيق بحقوقه الشخصية.
إن النظرة المجردة داخل بيت الإنسان اعتداء على حرمته ٬ وقد أدب الرسول أمته ألا تفعل هذا. وحظر على أى امرئ أن يدخل بيتا إلا بإذن صاحبه.
عن أبى ذر قال: قال رسول الله `صلى الله عليه وسلم` : “أيما رجل كشف سترا ٬ فأدخل بصره قبل أن يؤذن له ٬ ففد أتى حدا لا يحل له أن يأتيه ٬ ولو أن رجلا فقأ عينه بسبب ذلك لهدرت”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ لا تأتوا البيوت من أبوابها يعنى مواجهة تجعل القادم يكشف ما هنالك ولكن ائتوها من جوانبها فاستأذنوا فإن أذن لكم فادخلوا وإلا فارجعوا”.
فهل يتصور فى دين هذه معالمه أنه يبيح اقتحام البيوت لمعتد أو متسلط كما يؤثر ذلك عن عصور الاستبداد !!
إن تعريض مسلم لأى فزع جريمة . وحق الحياة الآمنة من المخاوف والمظالم لابد من إثباته فى حياة الجماعة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ لا يحل لمسلم أن يروع مسلما “ .
وفى رواية: “ لا ترعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم “.
وعندما يكون التخويف مقرونا بسلاح ما فإن الإثم يتضاعف. قال رسول الله ` صلى الله عليه وسلم : “ لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح ٬ فإنه لا يدرى لعل الشيطان ينزع فى يده ٬ فيقع فى حفرة من النار “.
وقد ضرب رسول الله ` صلى الله عليه وسلم ` أروع الأمثلة كى نغرس فى النفوس تقديس حق الحياة. فإن العرب منذ بعثة إبراهيم الخليل كانوا يقدسون الكعبة ويشدون إليها الرحال من أقصى الآفاق.
فتأمل كيف وقف النبى ` صلى الله عليه وسلم ` أمام هذه الكعبة يقول: “ ما أطيبك وأطيب ريحك ٬ وما أعظمك وأعظم حرمتك ٬ والذى نفس محمد بيده ٬ لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك : ماله ٬ ودمه “.
أرأيت إشعارا بقداسة حق الحياة وكرامة الإنسان كهذا الإشعار الجليل؟
ومرة أخرى ينوه الرسول بقداسة حق الحياة ٬ فيعمد إلى استثارة المشاعر نحو ما تواضع المسلمون وغيرهم ٬ على إجلاله ٬ وهو الشهر الحرام والبلد الحرام . فيسمعه الناس يخطب فى حجة الوداع يقول:
“ أى يوم هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم ٬ فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ! قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى ٬ ثم قال: أى شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم ٬ فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه: قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى ! ثم قال: أى بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم ٬ فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ! فقال: أليست البلدة مكة؟ قلنا: بلى .
قال: فإن دماءكم وأموالكم أحسبه قال: وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ٬ وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ٬ ألا لا ترجعون بعدى ضلالا بضرب بعضكم رقاب بعض ٬ ألا هل بلغت؟ ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب .
إن أصداء هذه الصيحات الحانية الحذرة لا تزال ترن فى الآذان والأفئدة تضفى صبغة القداسة على دم الإنسان وماله وعرضه. وتجعل المحافظة على حق الحياة فى مستواها الأعلى متصلة بعنوان الإسلام وحقيقته ٬ ف “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”.
وقد اعتبر الإسلام الجماعة مسئولة عن حماية هذا الحق .
ماذا يحدث إذا حاول البعض إهدار ما كفله الدين للفرد من طمأنينة وكرامة؟ إن الدولة بلا ريب هى المسئولة الأولى عن حماية القانون لكن الدولة ليست حاضرة فى كل زمان ومكان لتحقيق هذه الغاية .
ومن هنا وجب على الجماعة أن تتعاون بينها لشد أزر من يعتدى عليه والوقوف بجانبه حتى يتم استنقاذه مما يراد به . وقد قرن الإسلام ذلك بحقوق الأخوة المفروضة بين أبنائه .
قلنا فى كتابنا خلق المسلم : ` وأخوة الدين تفرض التناصر بين المسلمين ٬ لا تناصر العصبيات العمياء ٬ بل تناصر المؤمنين المصلحين لإحقاق الحق وإبطال الباطل: وردع المعتدى وإجارة المهضوم ٬ فلا يجوز ترك مسلم يكافح وحده فى معترك ٬ بل لابد من الوقوف بجانبه ٬ على أى حال ٬ لإرشاده إن ضل وحجزه إن تطاول والدفاع عنه إن هوجم ٬ والقتال معه إذا استبيح ... وذلك معنى التناصر الذى فرضه الإسلام .
قال رسول الله `صلى الله عليه وسلم`: `انصر أخاك ظالما أو مظلوما ٬ قال: أنصره مظلوما ٬ فكيف أنصره ظالما ؟ قال : تحجزه عن ظلمه فذلك نصره`. إن خذلان المسلم شئ عظيم ٬ وهو إن حدث ذريعة خذلان المسلمين جميعا ٬ إذ سيقضى على خلال الإباء والشهامة بينهم ٬ وسوف يخضع المظلوم طوعا أو كرها لما وقع به من ضيم.. ثم ينزوى بعيدا وتنقطع عرى الأخوة بينه وبين من خذلوه.
وقد هان المسلمون أفرادا ٬ وهانوا أمما يوم وهت أواصر الأخوة بينهم ٬ ونظر أحدهم إلى الآخر نظرة استغراب وتنكر ٬ وأصبح الأخ ينتقص أمام أخيه فيهز كتفيه ويمضى لشأنه كأن الأمر لا يعنيه.
إن هذا التخاذل جر على المسلمين الذلة والعار ٬ وقد حاربة الإسلام حربا شعواء ٬ ولعن من يقبعون فى ظلاله الداكنة الزرية. قال رسول الله `صلى الله عليه وسلم`: لا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما ٬ فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه ` .
فإذا رأيت أن إساءة نزلت بأخيك أو مهانة وقعت عليه ٬ فأره من نفسك الاستعداد لمظاهرته ٬ والسير معه حتى ينال بك الحق ويرد الظلم.
وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم : ` من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام .
----------( يُتبع )----------
#محمد_الغزالي #حقوق_الإنسان
نشر في 15 تموز 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع