1855 مشاهدة
0
0
من كتاب حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة للكاتب محمد الغزالي، يتحدث فيه عن كيان الأسرة في الإسلام
كتاب : حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة - تأليف : الشيخ محمد الغزاليالحلقة [ 11 ] : كيان الأسرة
• تكوين الأسرة : الإسلام يعد الزواج من العبادات. ويرفض وصف النزوع الجنسى بأنه دنس ما دام يتحرك فى حدود الشريعة ٬ ويمشى وفق ضوابطها.
إن الشخص الذى طعم باسم الله ويستغل القوى المذخورة فى بدنه فى مرضاة الله شخص صالح ٬ وكذلك الرجل يفضى إلى المرأة أو المرأة تفضى إلى الرجل ٬ وكلاهما ما يستحل الآخر إلا باسم الله.
إن هذه الصلة قربة.. ومن ثمرتها يتصل مركب الحياة على ظهر الأرض. ويزداد الإيمان قوة بما ينضم إلى الآباء من أولاد. ولذلك يقول الله جل شأنه: “ فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم “.
وقد شرد بعض الناس عن الجادة ٬ وظن اعتزال النساء عبادة ٬ فأنكر عليهم النبى ` صلى الله عليه وسلم ` ذلك ٬ وقرر أن الزواج من سنن النبوة قال تعالى : “ ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية “ .
وطبيعى أن الزواج يكون عبادة مطلوبة ممن توافرت لديه دواعية المادية والمالية . أما الذين ضعفت غرائزهم ٬ أو لا طاقة لهم على تكوين أسرة . فم معذورون.
ولماذا ينكل الرجل عن الزواج ٬ وهو فى المرأة راغب وعلى نفقتها قادر ؟؟.
إن هذا القعود مظنة شر أو هو الشر عينه. ولو قدرنا أن رجلا رائع العزم استطاع أن يقهر مطالب هذه الغريزة الجنسية وأن يخرس نداءها فى دمه فما هى قيمة هذا الانتصار؟. وما نتيجة تلك الرهبانية؟.
نتيجتها تغليب الفناء على الحياة والسلبية على الإيجابية. ثم إن رضوان الله لا ينال بتلك الوسيلة القاهرة.
أيهما أنفع لقضايا الحق وأجدر بوصف الإيمان ٬ وأجدى على جماهير الخلق :
هندى يصوم شهرا ٬ ولا يتحرك من شدة الهزال؟ أم فارس يخوض المعارك لنصرة العدالة وإنصاف المظلومين وتفجير ينابيع الخير ٬ وتيسير مرافق الأرض له ولأولاده وللناس أجمعين ؟.
إن الإسلام آثر الطريق الآخر ٬ ورفض مزاعم الجهاد النفسى عند الرجل الأول. وعند التأمل ترى اللون الثانى من الجهاد أشق وأيمن. ولذلك يقول رسول الله ` صلى الله عليه وسلم ` : “ رهبانية أمتى الهجرة والصوم والصلاة والحج والعمرة”.
وهذا الحديث واضح فى الدلالة على المنهج العلمى الإيجابى للإسلام ، ولكن هل كبت الرهبانية يتبعه حقا صفاء النفس ونصاعة الضمير؟ إن ذلك ما نمارى فيه ٬ بل نجزم أن إلحاح الوساوس وتنغيص العقد يملأ الحياة الإنسانية فى هذه الأحوال.
وقلما يصفو إيمان أو يكتمل دين مع هذه الأحوال ٬ ولذلك حث نبى الإسلام على الزواج حثا بالغا قال: “ إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين ٬ فليتق الله فى النصف الباقى “ .
وقال: ` من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر `.
وقال: “ معشر الشباب.. من استطاع منكم الباءة فليتزوج ٬ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ٬ ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء “.
وعن أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول . “ ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة ٬ إن أمرها أطاعته ٬ وإن نظر إليها سرته ٬ وإن أقسم عليها أبرته ٬ وإن غاب عنها نصحته فى نفسها وماله” .
وقد نظر كثير من الفقهاء إلى هذه النصوص. وبنى عليها أن الزواج واجب ٬ وهم متفقون على أنه عبادة ٬ ومنهم من ارتقى به إلى رتبة الفرائض التى لا يجوز لمسلم التفريط فيها.
على أنه لا خلاف بين علماء المسلمين فى أن الزنا فاحشة من أشد الفواحش نكرا . وأن المجتمع الذى ييسرها ويستبيح مقدماتها ٬ ويستهين بنتائجها مجتمع فاجر ظلوم.
والقرآن الكريم يضع جريمة الزنا فى صف واحد مع الشرك بالله وقتل النفس التى صان الله دمها ٬ وتوعد بالخلود فى الجحيم من يقارف ذلك. “ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ٬ يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ٬ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا “
إن الرجل يتطلع إلى المرأة ويرغب فى الالتقاء بها ٬ والمرأة تتطلع إلى الرجل وترغب فى الالتقاء به ٬ ولا سبيل إلى ذلك فى نظر الإسلام إلا عن طريق تكوين الأسرة وكل ما يباح للزوجين من الآخر ٬ محظور فى الحياة العادية ابتداء من النظرة فما بعدها .
إن البيت وحده هو الذى يضم باسم الله كلا الجنسين ٬ أما الرجل الأجنبى والمرأة الأجنبية فإن التصون الكامل هو أساس العلاقات بينهما. وقد وضع الإسلام التعاليم الآتية فى المعاملات العامة بين الرجال والنساء.
وإنفاذ هذه التعاليم هو الذى يجعل الأسرة تولد فى المجتمع ولادة مبرأة من الدنس ٬ وهو الذى يوفر لهابعدكل حماية مطلوبة :
1- غض البصر :
فليس يجوز لأحد أن يتأمل ملامح الآخرين ٬ إجابة لنزوة جنسية ٬ والعين الجريئة عين آثمة. “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن” .
والنظرة المريبة التى تدفع إليها الشهوة مفتاح شرور كثيرة ٬ ويتبعها ما يسميه علماء النفس بتداعى المعانى.
إذ أن التصورات الجنسية المعتلة تفسد الضمير ٬ وتطلق الأمانى المحرمة ٬ ولهذا روى ` النظرة سهم مسموم ` ٬ أى أن جراحاتها ليست سطحية ينتظر على عجل برؤها ٬ بل قد تلحقها غوائل مهلكة .
وإدمان النظر يعرض على القلب صورا لا حصر لها من مثيرات الفتنة.
وربما ازدرى المرء ما عنده لما رأى ، فلا يجنى إلا الشقاء كما قال الشاعر :
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا .. لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذى لا كله أنت قادر .. عليه ولا عن بعضه أنت صابر
ولذلك كان غض البصر نوعا من الجهاد الأدبى المبارك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ` : “ ثلاثة لا ترى أعينهم النار ٬ عين حرست فى سبيل الله ٬ وعين بكت من خشية الله ٬ وعين كفت عن محارم الله “.
2- إخفاء الزينة ومنع التبرج :
الجمال العادى للرجل أو المرأة لا حرج فيه ولا يلام أحد الجنسين على إبدائه ٬ ولا تكلف المرأة بإخفائه عن الأعين. “ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها “ .
أما تكلف ما يزيد على الحد وتعمد إظهاره لإثارة الانتباه فلا يجوز. “ ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.“
وقد أمر الإسلام المرأة أن تغطى رأسها وصدرها ٬ وأن ترخى ثوبها. وهذا من غير شك أصون لها وأدل على حشمتها ٬ خصوصا المرأة الشابة.
وقد يرخص للعجائز بالتخفف من الملابس فى غير تبرج ٬ لكن القرآن الكريم نصح باستكمال الثياب ٬ ووصف ذلك بأنه دليل العفه ٬ “والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن …”.
والحق أن رغبة بعض النساء فى الإغراء والاستهواء تملأ الدنيا ببدع فى الملابس ٬ وصور للأزياء ٬ ليس فيها أثارة من تقوى ٬ ولا أمارة على دين.
وكل هذه محاولات طائشة لإثارة الرجال ٬ كلما بردت محاولة ٬ أو قل فعلها ظهرت محاولة أشنع حتى انتهى الأمر بالعرى على الشواطئ ٬ وذلك كله جر الدمار على الأسرة ٬ وجر العلاقات الجنسية إلى مستوى الحيوانات .
3- سد ذرائع الفساد :
وذلك بمنع الخلوة ٬والاختلاط الفاجر ٬ فأما خلوة الرجل بامرأة أجنبية عنه فإن ذلك باب إلى ما لا تحمد عقباه ٬ ولن يجد الشيطان فرصة أسنح منها للإغراء بالمنكر.
وكل حريص على سلامة العرض يقر الإسلام فى تحريمه الخلوة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم “ .فإن كانت المرأة مع أبيها أو أخيها مثلا جازت المجالسة ٬ وإلا فلا.
والإسلام الذى يباعد الجنسين عن الانحراف ٬ ويأمر بالغض والعفاف ٬ ويضع سدا بعد سد أمام جريمة الزنا ٬ يرفض بداهة الأحفال التى يلتقى فيها الجنسان فى عصرنا هذا ٬ راقصة أو غير راقصة. وتجد فيها الغرائز الدنيا متنفسا لها أى متنفس.
فإنها إذا لم تتح لها الفواحش الكبرى قنعت بما دونها أو بما يسد مسدها من عناق وملامسة. قال رسول الله ` صلى الله عليه وسلم ` : ` لأن يطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ` .
ويرفض الإسلام كذلك أن يدخل أقارب الرجل على زوجته وهو غائب عن بيته ٬ وسبيلهم فى ذلك سبيل الأجانب.
وربما التقى الجنسان فى ساحات ممهدة لاستقبال عباد الله كلهم كالمساجد ٬ فيجب أن يطهر كل إنسان قلبه ٬ وأن يغض بصره ٬ وألا يحاول تعكير جو العبادة بمسلك ناب. “ خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ٬ وخير صفوف النساء أخرها وشرها أولها “ .
وأدب الإسلام فى أن تصلى المرأة فى الصفوف المؤخرة ظاهر الحكمة فلا يسوغ أن تركع وتسجد أمام الرجال !. ٬ مهما كانت ملابسها سابغة .
ومن حماية الإسلام للأسرة أنه يعاقب على الزنا بالجلد حينا ٬ وبالقتل حينا آخر ٬ فهو يأمر بالرجم حتى الموت للزوج أو الزوجة إذا قارف أحدهما هذه الفاحشة.
إن الاضطراب الجنسى مدمر للمجتمعات وجالب لغضب الله ٬ والواقع أن الشباب الذين يمرنون على رى غرائزهم من الحرام ٬ لا يحسنون العيش فى جو الأسرة ٬ ولا يألفون ما فيه من رضا وقناعة..
إن تعودهم البغاء ترك فى نفوسهم عاهات خلقية مستديمة ٬ وذاك سر تشدد الدين فى محاربة الزنا.
والحضارة الحديثة مضادة للدين فى هذا المنطق ٬ إنها جعلت المرأة كلا مباحا للأعين والأيدى. وصار كثير من الشبان يمتنع عن الزواج لأن ما ينشده من لذات على مرمى نظره. وقد تصدع بناء الأسرة تبعا لذلك...!!!
كتب الشيخ البهى الخولى يشرح: ` لماذا يمتنع الشباب عن الزواج `؟ فقال :
" يمتنع عن الزواج لأن الزواج قيد يحجزه عن التخوض فيما يشاء من اللذة المتجددة ٬ فقد أقبلت عوامل التطور الحديث على كثير من المجتمعات الغربية بحريات واسعة فى الفكر ٬ والقول ٬ والعقيدة ٬ والسلوك الخاص ٬ وأنشأت لهم أهدافا فى المال ٬ والمنفعة واللذة الحسية ٬ تعارض ما كان لهم من أهداف روحية ٬ ومقاييس لمعانى العرض والعفة ٬ وصار لكل منهم حريته الواسعة فى حياته الخاصة يفعل ما يريد ٬ دون رقابة من قانون أو تحرج من عرف ٬ بل يفعل ما يريد بتحريض من العرف ٬ وعطف من المجتمع.
وكان من ذلك أن تفجرت الشهوات وسادت عبادة الجنس ٬ وراح جنون اللذة يستبد بألباب كثير من أفراد تلك المجتمعات ٬ فرأوا فى الزواج قيدا يحد من حرياتهم فى ابتغاء ما يريدون ٬ فنبذوا حياة الأسرة وركنوا إلى المخاللة والمخادنة ٬ كلما فترت رغبة أحدهم فى خليلة ٬ أو فترت رغبتها هى فيه انصرف كل منهما عن صاحبه إلى حيث اللذة فى رغبة جديدة ٬ وشوق أشد...
ولا شك أن ذلك يفضى إلى قلة النسل ٬ أى إلى تناقص عدد السكان وضعف الأمة فى مقوماتها العددية ٬ ومقوماتها المعنوية ٬ وقد ظهرت آثاره السيئة منذ عشرات السنين فى بعض البيئات الأوروبية ٬ وأخذت فى الازدياد والنمو والاتساع حتى شملت كثيرا من الدول.
وها نحن أولاء نرى كثيرا من علماء الاجتماع يدقون نواقيس الخطر ٬ وينذرون أممهم إذ تمهل حياة الأسرة سوء المصير بانهيار الأخلاق ٬ وانحلال وروابط المجتمع ٬ وانقراض النسل ٬ ولقد وقف المارشال ` بيتان ` غداة احتلال الألمان فرنسا فى الحرب العالمية الأخيرة ٬ ينادى قومه إلى الفضيلة ويعزو الهزيمة إلى هجر حياة الأسرة فكان مما قاله: ` زنوا خطاياكم فأنها ثقيلة فى الميزان ٬ إنكم نبذتم الفضيلة ٬ وكل المبادئ الروحية. ولم تريدوا أطفالا فهجرتم حياة الأسرة وانطلقتم وراء الشهوات تطلبونها فى كل مكان ٬ فانظروا إلى أى مصير قادتكم الشهوات ` .
***
إن الدولة باسم الإسلام مكلفة أن تعنى أعظم العناية بإنشاء الأسر وحياطتها ٬ وتوفير ضمانات الاستقرار لها ٬ وتحسس ما تلده الظروف الاقتصادية والثقافية والسياسية من آثار تمسها ٬ نعم! هى مسئولة عن ذلك مسئولياتها عن التموين والتعليم والدفاع ٬ وما شابه هذه الأغراض التى لا يمكن تركها للأفراد لأنها من صميم عمل الدولة .
إننا نرى تأمين العفة فى الأمة لا يقل عن توفير الخبز لها .
وإذا كان تسعير المواد الضرورية واجبا على الحكومة فى أحيان شتى ٬ فان تحديد المهور وضبط مقدمات الزواج لا يقل ضرورة عن تسعير اللحوم والفواكه .
والدولة قبل الأفراد المسئولة الأولى عن محو شارات التبرج وأسباب الإغراء ٬ ومصادرة الفوضى الجنسية والخلقية...
إن الغرب قليل الاكتراث بالحلال والحرام فى علاقة الذكر بالأنثى. لكن الإسلام على العكس من هذا التحلل شديد الاكتراث بهذه العلاقة شديد الحساسية بكل عوج تتهدده الأسرة قبل تكوينها وبعده.
ولقد فحشت نسبة اللقطاء فى عواصم الغرب واهتمت الحكومات هنالك ببناء الملاجئ لاستقبالهم ٬ وارتفعت الأصوات تطلب التسوية بينهم وبين الأبناء الشرعيين!! ومستقبل الأسرة تتهده أمواج من الآثام الطاغية حتى ليوشك أن يغرق فيها . .
ونحن مصابون بالقردة التى تقلد فى الشر ٬ وتزوق صوره للأمة الإسلامية ٬ فهى تطلب بقاء التبرج الذى تسرب إلى مجتمعنا ٬ وتكره اعتراضه ٬ وتوسع دائرته بالقلم واللسان.
وهى تستدر الشفقة على اللقطاء.. وتريد أن يعترف القانون بهم اعترافه بالأبناء الشرعيين .
وهى تغرى المرأة فى كل مكان ٬ وتنادى ببناء دور حضانة تودع فيها النسوة العاملات أولادهن ٬ مع أن الحرف والوظائف التى تساق لها أولئك العاملات يمكن أن يسدها الشباب العاطل ٬ وما أكثره .
ولقد تبنت إحدى الصحف الكبرى تشغيل الفتيات محصلات فى السيارات العامة ودقت الطبول بعنف تحية للموظفات الجدد ٬ وهى تعلم أن هذه المهنة فى بلادنا يضج منها أولو البأس من الرجال.
وفشل المشروع طبعا بعد أيام من تنفيذه !
لكن لماذا يحشر النساء حشرا فى أعمال يطلبها الشبان ويمكن أن يتولوها ٬ وأن يتزوجوا بدل تعطلهم هؤلاء النسوة ؟.
وبذلك تعمل الفتاة داخل البيت ويعمل الرجل خارجه ٬ بدلا من أن يتسكع الرجل فى الطريق وتعمل المرأة فى الديوان أو فى الدكان إن تكوين الأسر هدف يدعو له الإيمان وتدعم به الفضيلة .
والأسرة هى المنبت الطبيعى للأولاد ٬ والبيئة التى تترعرع أعوادهم فيها زاكية.
ودور الحضانة التى تؤوى اللقطاء أو أولاد العاملات والموظفات لا تغنى أبدا عن البيت ولا عوض فيها قط عما يشيع فى جوه من رقة ورحمة وحنو.
نحن لا نبغض أولاد الزنا ٬ لأنهم أولاد زنا ٬ فهم مجنى عليهم من غيرهم قبل أن يتهموا بالجناية على أحد. بيد أننا نلفت النظر إلى أن الطريقة التى جاءوا بها إلى الحياة ٬ والحرمان الذى حف مهادهم حتى كبروا يقرن نماؤهم بوحشة قد تتحول إلى ضغينة على المجتمع.
وقد كان الفرنسيون فى الحرب القذرة التى شنوها على الجزائر أخيرا يجندون فرقا من هؤلاء الأبناء تقوم بأردأ المهمات فى القرى والمدن الإسلامية. إن قسوة طبعهم تغريهم بأسوأ الأعمال .
ونحن نريد بهذا الكلام استنكار الاتجاه إلى بناء دور الحضانة لأولاد العاملات ٬ والإصرار على تشغيل المرأة ٬ وتهوين رسالتها داخل البيت إن هذا من تحريف العمل عن مواضعه.
• انتهاء الزوجية :
إذا دب الشقاق إلى البيت ٬ وتعذر جمع شمله ٬ وتنافر ود أهله ٬ فلا محيص من الفرقة بين الزوجين .
والفرقة أمر بغيض وقد يتعدى شرها الزوجين إلى غيرهما.
ولذلك لا يصار إليها إلا بعد اليأس من المصالحة ٬ واستئناف حياة أهدأ وأطيب.
والمفروض من التئام شمل الأسرة إقامة حدود الله. فيعف أحدهما الآخر ويعينه على السكينة النفسية ويمكنه من أداء واجباته الاجتماعية والتفرغ لاتقانها... فإذا استحال ذلك فلكلا الزوجين أن يترك الآخر...
ونبدأ بحق الزوجة فى الانفصال ٬ لو جاز الكلام فيه.
إذا أبغضت المرأة زوجها فإن إمساكها بالعصا لا معنى له ٬ وليس المقصود من البيت أن تتحول جدرانه إلى سجن تحبس المرأة فيه بقوة ورجال الشرطة. قال تعالى: “فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف”.
ومهما كان الرجل محبا لزوجته فمان رفضها البقاء معه يجب أن يقدر ويجاب . وقد أعطاها الشارع والحالة هذه حق الخلع ٬ وهو أن ترد على زوجها المهر الذى دفعه ويحكم القضاء بالفرقة.
قال تعالى: “فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به”.
وعن ابن عباس أن جميلة بنت سلول أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: والله ما أعتب على ثابت بن قيس زوجها فى دين ولا خلق ولكنى أكره الكفر فى الإسلام.. لا أطيقه بغضا .
فقال لها النبى ` صلى الله عليه وسلم `: تردين عليه حديقته وهى المهر الذى أداه لها ؟ قالت: نعم. فأمر. النبى “ صلى الله عليه وسلم ” أن يأخذ ما ساق ولا يزداد
والإسلام الذى جعل للمرأة أن تخالع ٬ وأباح للقضاء أن يقدر رغبتها ٬ جعل الطلاق من حق الرجل مباشرة. ذلك أنهمن الناحية المالية هو الغارم ٬ دفع المهر وتحمل النفقة فليس من السهل عليه أن يرمى ماله فى البحر ٬ ثم هو أضبط لعواطفه وأملك لزمام نفسه فلا يفكر فى الفرقة إلا مكرها ٬ ولو تصورنا الطلاق حقا للمرأة لتصورنا رجلا يدفع مهره اليوم ويؤثث البيت ٬ ثم تضع المرأة يدها على ذلك كله... وتطلق .
إن لكل من الزوجين تحت وطأة الظروف العصيبة أن ينفصل عن الآخر. وقد أقر الشارع هذا. ووضع له نظاما عادلا مقبولا
بقى أن تعرف ما هو الطلاق الذى جعله الإسلام حقا للرجل لقد جعل الإسلام الطلاق على مراحل متأنية متراخية ٬ لا تسمح للنزوات العارضة ٬ ولا للغيوم العابرة أن تهدم بناء الأسرة .
فإذا رغب رجل فى الطلاق تريث إذا كانت زوجه حائضا . حتى تطهر. فإذا طهرت لم يقربها وأوقع الطلاق .
وهذا الطلاق لا يحل عقد الزوجية ٬ بل تبقى الزوجة فى البيت لا يجوز أن تخرج منه هى ٬ ولا أن يخرجها هو منه ... وتبقى قرابة شهر حتى تحيض مرة أخرى ثم تطهر وهنا يجئ المحل الصحيح للطلاق الثانى قبل أن يقترب منها .
ونظن هذه المهلة فرصة واسعة ليراجع الطرفان أنفسهما ويصلحا أحوالهما.
ونحن نختار من أقوال الفقهاء المسلمين القول: بأنه لو طلقها بعد ما واقعها لم يقع الطلاق ٬ كما لو طلقها فى أثناء الحيض .
إن طلاق السنة الصحيحة هو ما شرحنا.. فإن طلقها مرة ثانية فى الطهر الثانى الذى لم يمسها فيه بقيت فى بيتها كذلك حتى تحيض وتطهر للمرة الثالثة .
وهنا يجئ قوله تعالى: “فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”. أى تجئ الطلقة الثالثة والأخيرة التى يتم بعدها التفريق بين الزوجين فى بينونة كبرى .
وفى وصف طلاق السنة الذى شرحناه جاء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لابن عمر حين طلق امرأته وهى حائض: ` ما هكذا أمرك الله تعالى؟ إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالا وتطلقها لكل قرء تطليقة `
وما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال لعمر: ` مر ابنك فليراجعها ثم ليدعها حتى تحيض ثم تطهر ثم ليطلقها إن شاء ` فقد أخرج الشافعى ومالك والشيخان عن ابن عمر: أنه طلق امرأته وهى حائض.
وذكر ذلك عمر لرسول الله ` صلى الله عليه وسلم ` فتغيظ فيه رسول الله ` صلى الله عليه وسلم `
ثم قال: ` ليراجعها ٬ ثم بمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر ٬ فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها ٬ فتلك العدة التى أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء`
وقرأ عليه الصلاة والسلام: “ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن “ ٬ أى فى قبل عدتهن بضم القاف والباء وكسر اللام.
وكان ابن عمر يقرأ الآية كذلك ٬ وكذلك ابن عباس.
قال الألوسى عليه الرحمة فى تفسيره ` روح المعانى ` : "وفى وقوع الثلاث بلفظ واحد وكذا فى وقوع الطلاق مطلقا فى الحيض خلاف ٬ فعند الإمامية لا يقع الطلاق بلفظ الثلاث ٬ ولا فى حالة الحيض لأنه بدعة محرمة ٬ وقد قال` صلى الله عليه وسلم !: “ من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد “ . ونقله غير واحد عن ابن المسيب وجماعة من التابعين". انتهى.
وجمهور الفقهاء الأقدمين جعلوه بدعيا ويقع الطلاق به. وهم في هذا يتبعون اجتهاد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ٬ فإن الرجال فى عهده أساءوا الانتفاع بالمهلة التى منحهم الله إياها فى إيقاع الطلاق واستعجلوا أمرا كانت لهم فيه أناة.
وبدلاً من أن يلتزموا منهج السنة ٬ آثروا البدعة المحرمة ٬ ونطقوا بالطلقات الثلاث دفعة واحدة ٬ وكان ذلك إذا حدث على عهد النبى ` صلى الله عليه وسلم ` غضب منه أشد الغضب ولم يجعله إلا واحدة فقط ٬ لكن عمر أراد تأديب هؤلاء المشتطين وإلزامهم ما التزموا فجعل الثلاث طلقات فى لفظ واحد ثلاث .. وهذه السياسة العمرية قد تكون مجدية على المجتمع فى عهده . وهو قد قصد بها حماية الأسرة من الألفاظ العابثة .
أما وقد تغيرت الأحوال وتأدت هذه السياسة إلى الإضرار بالأسر لا حمايتها ٬ فإن العودة إلى الحكم الأول أولى . وذلك ما اتجه إليه الفقهاء الآن .
وللمحققين من الباحثين كلام طويل فى هذه المسألة . فمن رام الوقوف على سرها فعليه بمؤلفات ابن حزم كالمحلى ومؤلفات ابن القيم كالهدى ٬ وقد جمع الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير فى ذلك رسالة حافلة ٬ وقرر ما ألهم الله إليه.
وذكر الإمام محمد الشوكانى فى شرحه للمنتقى أطرافا من ذلك ٬ قال : " والحاصل أن الاتفاق كائن على أن الطلاق المخالف لطلاق السنة يقال له: طلاق بدعة ٬ وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم : “ أن كل بدعة ضلالة “ . ولا خلاف أيضاً أن هذا الطلاق مخالف لما شرعه الله فى كتابه وبينه رسوله ` صلى الله عليه وسلم ` فى حديث ابن عمر ٬ وما خالف ما شرعه الله ورسوله فهو رد لحديث عائشة عنه ` صلى الله عليه وسلم ` “ كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد “ وهو حديث متفق عليه ٬ فمن زعم أن هذه البدعة يلزم حكمها ٬ وأن هذا الأمر الذى ليس من أمره صلى الله عليه وسلم يقع من فاعله ويعتد به ٬ لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ٬ ولا دليل " انتهى .
وما دمنا نود الالتزام الدقيق لسنة النبى ` صلى الله عليه وسلم ` فلنلفت النظر إلى أن بعض الفقهاء تمشيا مع اجتهاد يصلح لأزمنتهم هم وحدهم كان يفتى بوقوع الطلاق ٬ لأسباب غير واضحة فى إيقاعه.
وربما كان ذلك منهم شدة حساسية بكرامة الأسرة ٬ وحرصا على تأديب العابثين بمستقبلها .
غير أن هذا التشدد أفضى إلى عكس المقصود ٬ فأصبح انحلال الأسرة بكلمة تفلت من وراء العقل والنية شيئا معتادا .
وهذا أمر يعرض المجتمع لزلازل هائلة ٬ ويعقب من الندامة والحسرة ما لا طريق لعلاجه ٬ فضلا عن مخالفته لأسلوب السنة الصحيح فى التطليق .
ولذلك نحن نشدد فى العودة إلى منهج الإسلام المبين فى هذا الموضوع الحساس ونفسر كل شك لمصلحة الأسرة وجانب بقائها .
إننا نقرأ فى بعض الكتب كلاما يستشف منه مطالعه أن انحلال الأسرة فى مثل سهولة جرعة ماء ٬ وهذا الكلام أبعد ما يكون عن منطق الإسلام وعن الصالح العام .
ولنضرب لذلك الأمثلة :
أجمع العلماء على أن الحلف بغير الله لا يجوز وأن اليمين المشروعة هى بالله جل جلاله . قال رسول الله ` صلى الله عليه وسلم `: ` من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ` . وقال: ` من حلف بغير الله فقد أشرك ` .
وأجمعوا دون خلاف على أن من حلف بشئ غير الله لم تلزمه كفارة يمين إذا حنث ٬ فلا طعام ولا صيام .
ومع ذلك فقد ذهب فريق من العلماء إلى أن الطلاق يمين تنحل بها الأسرة! لماذا؟.
وهب أن البعض أفتى بذلك تأديبا فهل يعتبر قوله شرعا أبدا ؟ اللهم لا…
وفى القرآن الكريم إشعار بأن الطلاق ينبغى الإشهاد عليه . قال تعالى: “…فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم …” .
والسياق فى الآية الكريمة ظاهر الدلالة على أن الفرقة والإمساك ينبغى الإشهاد عليهما .
ذكر الطبرسى : ` أن الظاهر من النص أنه أمر بالإشهاد على الطلاق ٬ وأنه مروى عن أئمة أهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين ٬ وأنه أمر للوجوب ٬ وشرط على صحة الطلاق` .
• من ذهب إلى وجوب الإشهاد على الطلاق وعدم وقوعه بدون بينة :
ومن ذهب إلى وجوب الإشهاد واشتراطه لصحته من الصحابة: أمير المؤمنين على بن أبى طالب ٬ وعمران بن حصين رضى الله عنهما ٬ ومن التابعين: الإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق ٬ وبنوهما أئمة أهل البيت رضوان الله عليهم ٬ وكذلك عطاء وابن جريج وابن سيرين رحمهم الله ٬ ففى ` جواهر الكلام ` عن على رضى الله عنه أنه قال لمن سأله عن طلاق بدر منه : ` أشهدت رجلين عدلين كما أمر الله عز وجل ؟ . قال : لا . قال : اذهب فليس طلاقك بطلاق ` .
وروى أبو داوود فى سننه : عن عمران بن حصين رضى الله عنه ٬ أن سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ٬ ولم يشهد على طلاقهما ولا على رجعتها فقال: ` طلقت لغير سنة ٬ وراجعت لغير سنة ٬ أشهد على طلاقها ٬ وعلى رجعتها ٬ ولا تعدا .
وقد تقرر فى الأصول : أن قول الصحابى : من السنة كذا فى حكم المرفوع إلى النبى ` صلى الله عليه وسلم ` على الصحيح ٬ لأن مطلق ذلك إنما ينصرف بظاهره إلى من يجب اتباع سنته ٬ وهو رسول الله ` صلى الله عليه وسلم ` ٬ ولأن مقصود الصحابى بيان الشرع لا اللغة والعادة كما بسط فى موضعه .
وأخرج الحافظ السيوطى فى ` الدر المنثور ` فى تفسير آية : “ فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم “ .
عن عبد الرزاق عن ابن سيرين أن رجلا سأل عمران بن حصين عن رجل طلق ولم يشهد وراجع ولم يشهد ٬ قال: بئس ما صنع ٬ طلق لبدعة ٬ وراجع لغير سنة فليشهد على طلاقه وعلى مراجعته ٬ وليستغفر الله.
فإنكار ذلك من عمران رضى الله عنه ٬ والتهويل فيه وأمره بالاستغفار لعده إياه معصية ٬ ما هو إلا لوجوب الإشهاد عنده رضى الله عنه كما هو ظاهر .
وفى كتاب ` الوسائل ` عن الإمام أبى جعفر الباقر عليه رضوان الله ٬ قال: الطلاق الذى أمر الله عز وجل به فى كتابه والذى سن رسول الله ` صلى الله عليه وسلم أن يخلى الرجل عن المرأة ٬ إذا حاضت وطهرت من محيضها ٬ أشهد رجلين عدلين على تطليقه ٬ وهى طاهر من غير جماع ٬ وهو أحق برجعتها ما لم تنقض ثلاثة قروء. وكل طلاق ما خلا هذا فباطل ٬ ليس بطلاق.
وقال جعفر الصادق رضى الله عنه : ` من طلق بغير شهود فليس بشئ `.
قال السيد المرتضى فى كتاب ` الأنصار ` : حجة الإمامية فى القول بأن شهادة عدلين شرط في وقوع الطلاق ٬ ومتى فقدت لم يقع الطلاق هى قوله تعالى : “وأشهدوا ذوي عدل منكم” .
فأمر تعالى بالإشهاد . وظاهر الأمر فى عرف الشرع يقتضى الوجوب ٬ وحمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب خروج عن عرف الشرع بلا دليل.
وأخرج السيوطى فى ` الدر المنثور ` عن عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء قال: ` النكاح بالشهود ٬ والطلاق بالشهود ٬ والمراجعة بالشهود`.
وروى الإمام ابن كثير فى تفسيره عن ابن جريج: أن عطاء كان يقول فى قوله تعالى: “وأشهدوا ذوي عدل منكم” . قال: ` لا يجوز فى نكاح ولا طلاق ولا إرجاع إلا شاهدا عدل كما قال عز وجل ٬ إلا من عذر`. فقوله: لا يجوز ٬ صريح فى وجوب الإشهاد على الطلاق عنده رضى الله عنه لمساواته له بالنكاح ٬ ومعلوم ما اشترط فيه من البينة .
إذا تبين لك أن وجوب الإشهاد على الطلاق هو مذهب هؤلاء الصحابة والتابعين المذكورين تعلم أن دعوى الإجماع على ندبه المأثورة فى بعض كتب الفقه مراد بها الإجماع المذهبى لا الإجماع الأصولى الذى حدهكما فى `المستصفى `اتفاق أمة محمد ` صلى الله عليه وسلم ` خاصة على أمرين من الأمور الدينية لانتفاضه بخلاف من ذكر من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المجتهدين.
وتبين مما نقلناه قبل عن السيوطى وابن كثير: أن وجوب الإشهاد لم ينفرد به علماء آل البيت عليهم السلام ما نقله السيد مرتضى فى كتاب ` الانتصار ` بل هو مذهب عطاء وابن سيرين وابن جريج كما أسلفنا.
وفقهاء الظاهر يرفضون كذلك وقوع الطلاق بدون إشهاد. ويقللون الصور التى يقع بها الطلاق تقليلا يحمى عقدة الزواج ويصون كيان الأسرة.
وعمادهم فى فهمهم ٬ ظاهر النصوص فى الكتاب والسنة. فمن ظن اجتهادهم بعيدا عن الإسلام فقد أوغل فى الخطأ ! كيف ؟ وهو الظاهر من تعاليم الإسلام ؟ .
وقد رفض هؤلاء ألفاظ الكناية فى الطلاق حين توسع غيرهم فقبل كل لفظ يفيد الفرقة ما دام مصحوبا بنيتها .
كما اشترطوا لصحة الطلاق أن يكون فى مواجهة الزوجة ٬ وأن يقوم الزوج به مباشرة.
ورفضوا الطلاق المعلق ٬ والموصوف ٬ والخطأ ٬ وأيمان الطلاق ٬ وأن تكون العصمة بيد المرأة.. الخ.
وقد لخص الشيخ محمد الخضرى آراءهم كما دونها ابن حزم فى كتابه `المحلى` ويسرنا أن نثبت هذه الخلاصات بشئ من التصرف :
1- ألايقع الطلاق إلا بأحد ألفاظ ثلاثة: الطلاق ٬ التسريح ٬ والفراق ٬ وما اشتق منها إذا نوى بها الطلاق.والنية هى الإرادة الواعية. فإن قال فى شئ من ذلك: لم أنو الطلاق.. صدق فى الفتيا. ولم يصدق فى لفظ الطلاق خاصة وما تصرف منه فى القضاء. وصدق فى سائر ذلك فى القضاء أيضا.
وما عدا هذه الألفاظ فلا يقع بها طلاق البتةنوى بها طلاقا أو لم ينولا فى فتيا ٬ ولا فى قضاء ٬ مثل الخلية والبرية. وأنت مبرأة ٬ وقد أبرأتك ٬ وحبلك على غاربك ٬ وقد وهبتك لأهلك... الخ.
2- لا تجوز الوكالة بالطلاق.
3- من طلق امرأته وهو غائب عنها لم يكن طلاقا ٬ وهى امرأته كما كانت يتوارثان إن مات أحدهما ٬ وجميع حقوق الزوجية قائمة بينهما.
4- من طلق وهو غير قاصد إلى الطلاق ٬ لكن أخطأ لسانه ٬ فإن قامت عليه بينة بأنه يريده قضى عليه بالطلاق ٬ وإن لم تقم عليه بينة ٬ لكن أتى مستفتيا لم يلزمه الطلاق.
5- اليمين بالطلاق لا تلزم وسواء بر أو حنث لا يقع به طلاق ولا طلاق إلا كما أمر الله عز وجل... ولا يمين إلا كما أمر الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
6- الطلاق بالصفة كما هو باليمين ٬ كل ذلك لا يلزم. ولا يكون طلاقا إلا كما أمر الله تعالى به وعلمه ٬ وهو القصد إلى الطلاق ٬ وأما ما عدا ذلك فباطل وتعد لحدود الله.
7- من قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ٬ أو ذكر وقتا ما ٬ فلا تكون طالقا بذلك لا الآن. ولا إذا جاء رأس الشهر.
8- من جعل إلى امرأته أن تطلق نفسها لم يلزمه ٬ ولا تكون طالقا طلقت نفسها أم لم تطلق –
9- لا يصح الطلاق ولا الرجعة بدون إشهاد شاهدى عدل.
فالمذهب الذى يرفض وقوع الطلاق بغير شاهدين شديد اللصوق بنصوص الكتاب وشواهد السنة ٬ فلماذا ينكل عنه ٬ وتعد الفتوى به مستغربة ؟ .
إن شيوع لون من التفكير الإسلامى فى عصر من العصور ٬ لا يعني أن هذا هو الإسلام وحده. فما أخصب الإسلام نفسه وأغزر الثمار التى تنتج عنه على اختلاف الأزمان .
وفى ضوء هذا الفهم نؤيد ما نقله الأستاذ البهى الخولى من أحكام فى الطلاق تتمشى مع منهج السنة وتدعم كيان الأسرة .
1- طلاق الغضبان لا يقع .. ونعنى بعه الغضب العارض لفورة وقتية تضعف معه إرادة المرء عن السيطرة على أعصابه بحيث يقول ما لا يريد ٬ ويقضى ما لا نية له فيه ...
أما الغضب الذى هو وصف لحالة الشقاق المستعصى على العلاج ٬ فإن الطلاق فيه واقع لا محالة ٬ لأنه هو العلاج المقصود لإنهاء الشقاق ٬ وإزالة الحالة الموجبة للقلق والاضطراب... واستدلوا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم :` لا طلاق ٬ ولا عتاق فى إغلاق `.
قال ابن القيم فى ` أعلام الموقعين ` مفسرا الإغلاق: ` يعنى الغضب ` وبذا فسره أبو داوود فى سننه . إلى أن قال: ` والتحقيق أن الغلق يتناول كل من انغلق عليه طريق قصده وتصوره كالسكران ٬ والمبرسم ٬ ` المريض الذى يهذى ` والمكره الغضبان. فحال هؤلاء كلهم حال إغلاق.. والطلاق إنما يكون عن وطر ٬ فيكون عن قصد من المطلق وتصور لما يقصده ٬ فإن تخلف القصد أو التصور لم يقع الطلاق`.
2- من قال: على الطلاق.. أو الطلاق يلزمنى إن فعلت كذا ٬ أو إن لم أفعل كذا ٬ فطلاقه لا يقع...
قال ابن القيم فى إعلام الموقعين: ` وهذا مذهب أبى حنيفة ٬ وبه أفتى جماعة من مشايخ مذهبه. وبه أفتى القفال فى قوله: ` الطلاق يلزمنى `..
وسر ذلك أن قائل هذه العبارة يتعهد فى المستقبل بأن يطلق امرأته إن فعل كذا ٬ أو إن لم يفعل كذا. وحكم الطلاق أنه يلزم صاحبه إذا أوقعه فعلا . أما قبل أن يوقعه ٬ فلا ` .
قال ابن القيم: ` وكأنه قال: فعلى أن أطلق ٬ وهو لو صرح بهذا لم تطلق بغير خلاف `.
3- إذا قال الرجل لامرأته : إن كلمت فلانا ٬ أو إن خرجت من بيتى بغير إذنى أو نحو ذلك طالق. ثم كلمت هذا الفلان ٬ أو خرجت من البيت بغير إذنه لا يقع عليها الطلاق .
وقد حكى ذلك ابن القيم عن بعض أئمة الشافعية . وقال: ` وهذا هو الفقه بعينه ٬ ولا سيما على أصول مالك وأحمد ` . وذكر بعد ذلك كلاما يبين به مطابقة هذا الحكم لأصول مالك وأحمد .
4- من حلف بالطلاق فيمينه لغو غير منعقدة.. ومن حلف به حانثا فطلاقه غير واقع ٬ ولا يلزمه على هذا الحنث كفارة . قال فى أعلام الموقعين: ` وهذا مذهب خلق من السلف والخلف ` .
وصح ذلك عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه .
قال بعض فقهاء المالكية وأهل الظاهر: ولا يعرف لعلى فى ذلك مخالف من الصحابة هذا لفظ أبى القاسم التيمى فى شرح أحكام عبد الحق. وقاله قبله أبو محمد بن حزم.
وصح ذلك عن طاووس وهو أجل أصحاب ابن عباس رضى الله عنهما وأفقههم على الإطلاق
قال عبد الرزاق فى مصنفه: ` أنبأنا ابن جريح قال: أخبرنى ابن طاووس عن أبيه: أنه كان يقول: الحلف بالطلاق ليس شيئا.. وهذا إسناد عن رجل من أجل التابعين وأفقههم.
وقد وافقه عليه أكثر من أربعمائة عالم من بنى فقهه على نصوص الكتاب والسنة دون القياس ٬ ومن آخرهم أو محمد بن حزم ` .
وقد ذهب بعض الأئمة إلى أن الحلف بالطلاق ليس لغوا ٬ بل هو يمين شرعية ٬ ولكن لا يقع بها الطلاق أصلا ٬ فإذا كان الحالف حانثا فعليه كفارة يمينه فقط ٬ وهى: “ إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام “.
ولا علاقة للطلاق نفسه بتلك الكفارة ٬ فسواء أكفر عن اليمين أم لم يكفر فإنه طلاقه لا يقع ` نقول: وحتى هذه الفتوى لا نذهب إليها ٬ فلا الطلاق يمين ٬ ولا الحنث فيه يقتضى كفارة .
----------( يُتبع )----------
#محمد_الغزالي #حقوق_الإنسان
نشر في 16 تموز 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع