Facebook Pixel
طاقات معطلة
1362 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

إن الحرص على المال العام واحترام حق الدولة والفرد فيه خلقان ينموان فى كل مجتمع راشد، ويهزلان فى كل بيئة وضيعة من كتاب الإسلام والطاقات المعطلة

كتاب : الإسلام والطاقات المعطلة - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 3 ] : طاقات معطلة

إن الحرص على المال العام واحترام حق الدولة والفرد فيه خلقان ينموان فى كل مجتمع راشد، ويهزلان فى كل بيئة وضيعة..!

والأمة التى يراق مالها العام فى التراب، أو يترك غير مرموق بعناية، أو يعد غنيمة باردة لمن استطاع إحرازه ـ الأمة التى تبلغ هذا الدرك لا تبشر شئونها بخير أبدا...!!

" والطاقة الكبرى فى الشباب ـ الذى يجتاز من عمره مرحلة التوقد والمغامرة ـ تدعو للرثاء، فهو على هذا النمط المشئوم من ركود العزم وانطفاء الأمل...

يريد أن يطعم وهو قاعد، وأن يسعد وهو نائم، وألا يلقى الحياة إلا وهى تهب رخاء، لا تجهم فيها ولا رعد، ولا غيم فيها ولا وحل!!

ولعله يريد أن يعيش على طريقة من قال:
سألت الله يجمعنى بليلى .. أليس الله يفعل ما يشاء؟

فيحملنى ويطرحنى عليها! "

عندما كنت مقيما فى جبل الطور رأيت أعرابيا يصطاد من البحر الأحمر، رأيته رمى بسنارته. فلما اشتبكت بها سمكة تبلغ الأقة، قرت بها عينه، فطوى خيطه، وانصرف...

قلت له: لم هذه العودة السريعة؟ قال: هذا يكفى..!!

فأجبته: أن هنا كثيرين يودون أن تصطاد أكثر، وأن يشتروا منك ما زاد عن حاجتك... !

فهز رأسه ومضى..

إن طول الحياة وعرضها فى عينه لا يتجاوز شبرا فى شبر، هما طول بطنه وعرضه!!

وجاوزت ببصرى هذا الأعرابى الأبله، فرأيت باخرة تشق الموج فى طريقها إلى المحيط، قلت: إن ألوف السفن التى تمر من هنا لم يصنع منها لوح واحد فى موانينا..!!

إن الغرب هو الذى أبدع تلك الجوارى فى البحر كالأعلام.

وعلى امتداد العالم العربى يستخرج البترول بمقادير هائلة...

كم كنت أتمنى لو أن أهل هذه البقاع الغنية هم الذين يستخرجون كنوزهم ويستثمرون خيرهم، إن الإنجليز والأمريكان أو دول أجنبية هم الذين يقومون بالعبء، ويحسنون هذا الصنيع..

* * *

عجبا... ما سر هذا الموت الرهيب؟ ما علة هذا التخلف المهلك؟ كيف السبيل إلى تصحيح المعانى الإنسانية المجردة فى هذه النفوس التى استعجم بعضها، وتحجر البعض الآخر؟؟ ما هى العوائق والمثبطات؟ وما هى الحوافز والمرغبات؟

إن ذلك ما نحاول بحثه والإجابة عنه.

* هل الدين هو المسئول؟

قال لى أحد المتحذلقين: إن الدين سر هذا الجمود. وتعاليمه من وراء هذا الاسترخاء المنكور...!!

فقلت: تعنى أن ذلك الشخص الذى بدأ صباحه متثائبا متقاعسا، قد استفتح يومه كذلك، لأنه بات ليله راكعا ساجدا، محروما من المنام والراحة!؟

إن هذا الشخص الخامل ـ يا صاحبى ـ لا يعرف ربه فى ركعات الفريضة، بله صلاة الليل، فهو بمناجاة من الوصف بأن مطالب الدين هى التى صرفته عن الدنيا...!!

ثم إن اتهام الدين ـ أعنى الإسلام ـ بأنه سبب فتور المسلمين فى الحياة، سخف يجرى على ألسنة أشباه المثقفين، ممن صنعهم التبشير الاستعمارى فى هذه السنوات العجاف من تاريخنا...!!

قال: لست أعنى الإسلام وحده عندما تحدثت، إن الأديان ـ إجمالا ـ تبغض الحياة للناس، وتصدهم عن الإقبال عليها، وتوجه آمالهم إلى الدار الآخرة.

ومن هنا فإن طبيعة الشخص المتدين تقوم على قلة الاكتراث بالدنيا أو التعويل عليها. ويتبع ذلك عجز عن تعميرها، أو زهد فى أخذها، أو تقصير فى أداء حقوقها.!!

قلت: ما أحسب هذه طبيعة الأديان على العموم، وأجزم بأن الإسلام برئ كل البراءة من هذه النزعة...

إن الإسلام يقيم أركان الإيمان على فهم الحياة بصدق، والتصرف فيها بعقل وأمانة، والقيام برسالتها إلى آخر رمق...

ولعل أقرب ما يصور هذه الحقيقة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قامت الساعة على أحدكم وفى يده فسيلة فليغرسها "!!

وهذا الأمر بغرس الخضر الذى يخرج منه النبات، فى تلك الآونة العصيبة، له دلالة حافلة...

إنه أمر بمواصلة أسباب الحياة، فى الوقت الذى تستحصد فيه الحياة.. وممن صدر؟

صدر من نبى يوجه البشر للآخرة، ويحث الناس على كره جحيمها وحب نعيمها...

وقد يبدو هذا الأمر متناقضا فى بواعثه وغاياته.

وهو متناقض حقا لو أن وظيفة الإسلام بناء الآخرة على أنقاض هذه الحياة...

لكن الإسلام ليس كذلك، إنه يجعل صلاح الآخرة نتيجة حتمية لصلاح الأولى. أى يجعل الجنة لأولى الأيدى والأبصار، لا لأولى العجز والحجاب (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا).

وإيضاح هذه الحقيقة يحتاج إلى فضل فى القول.

ما مكانة الناس فى هذه الحياة؟ وما رسالتهم؟ وما علاقتهم بغيرهم من الأحياء؟ إن القرآن الكريم أبان لنا أن البشر لم يطرقوا هذا العالم ضيوفا عليه أو غرباء فيه، بل جاءوه ملاكا مسودين، وقطانا قادرين.

ووضعت تحت أيديهم مفاتيح كل شىء، ليتقلبوا فى أرجائه كيف شاءوا.

وإذا بنيت لابنك قصرا رحب القاعات، سامق الشرفات، ميسر المرافق، ممهد الطرائق، ثم قلت له: ذلك لك، تنزل منه حيث تحب، وتستغل علوه وسفله كيف شئت.

فأبى إلا أن يسكن منه فى مخدع خافت الضياء، مخنوف الهواء. أو أبى إلا أن يعيش بين المطبخ ودورة المياه.

فهل يلام على هذا الضيق رب البيت الذى أشاد فأوسع، ومكن فيسر؟. أو هل تلام تعاليمه التى أباحت وأغدقت؟.

إن الله تبارك اسمه قال: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون * والأرض فرشناها فنعم الماهدون) ويقول: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)

فإذا مرت الأيام ولم يتفكر الأقوام، ولم يستخدموا ما سخر لهم هنا وهناك، فمن الملوم؟ دين الله!؟

وإذا بين الله للإنسان أنه سيد هذه الأرض، الممكن فيها، فجاء الإنسان إلى قطعة من هذه الأرض فعبدها، وأحنى صلبه أمامها، وألغى عقله قلبه بإزائها، فمن الملوم؟ دين الله!؟

إن الله تبارك وتعالى أبدع هذا العالم، وشحنه بالخيرات، وقال للإنسان: اعرف عظمتى عن طريق التأمل فى إبداعى!!
وتشبع من هذه الخيرات واحمدني على آلائي.
والزم هذه الخطة حتى لا تضل ولا تشقى.

(يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين).

(يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون).
فإذا استمع الإنسان إلى هذا النداء المبين، ثم تبلد وجمد! فمن الملوم؟ دين الله؟!

إن الإسلام رسم خطا مشرفا للحياة الإنسانية على الأرض.

وأي تال للقرآن الكريم يعلم أن الله استثار أعرق ما في الإنسان من خصائص، وطلب إليه أن يديم الخطو بين فجاج الأرض وآفاق السماء، وهو مفتوح العين، ذكي النظر، مرهف الحس. . . وأن يكون ملكا بين شتى الكائنات التي يسرت له ومكن منها. . .

فإذا ارتكس ابن آدم بعد هذا البلاغ، وتعثرت خطواته، واستبدت بمسالكه أوهام غبيه، فليتعلل بما شاء من معاذير . . ولكن لا معنى للكذب على الدين . . . !!

إن الإسلام لم يقيد هذه الإباحة مطلقا إلا بشئ واحد، أن يشعر الإنسان بأنه مهما طال المدى فهو عائد إلى ربه ليقدم حسابا دقيقا عما صنع . ..

فهل الموت ـ وهو حق ـ؟

أمور من شأنها تعطيل القوى الإنسانية، ووقف نشاطها العتيد؟!
كلا إن الدين يذكر بالموت ألوف السكارى بالحياة.
الألوف التي تنتشي من خمرة القوة والغنى والأثرة، فتنطلق هنا وهناك معربدة متشردة لا يمسكها وعي، ولا أذاها صحو . . .

الدين يذكر الناس بالموت لا ليكفوا عن السعي، أو يتوقفوا عن الحركة، بل ليكون سعيهم راشدا، وحركتهم رزينة. . .
ولقد راقبت نفسي مسيرة البشر وهم مستغرقون في كفاح الحياة، تائهون في زحامها، فاستيقنت أن هذا الجنون يحتاج إلى علاج. . .
القوي يصيبه مس فينفجر. .
والغنى ينتابه طيش فيطغى. . .
والشباب والشيوخ عن شهواتهم وأمانيهم ومآربهم الخاصة، فلا يبالون في مسيرتهم بأحد ، ولا يهتزون لعاجز أو بائس يذهب تحت أقدامهم. .!!
هل على الدين من حرج إذا كسر حدة هذه النشوة، وقال للذاهلين: ويحكم: (وكل نفس ذائقة).
إن هذه الحقيقة ـ التي لا شك فيها ـ لا وزن لها ولا حساب عند أغلب البشر.
ومن هنا كثر ترديدها على الأسماع في تعاليم الأديان كلها، لعل ذكرها يهدئ الأعصاب المتوترة، ويروض الغرائز المتمردة.

عن أنس رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم مر بمجلس وهم يضحكون فقال: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات" ـ قاطعها ـ قال انس: أحسبه قال: "فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه".
والمجلس الذي مر به الرسول، وهو يضحك، لم يكن مجلس قوم أتعبهم العمل فهم يستجمون ويستروحون، بل كان مجلس بطالة وغفلة وترف. .
ومن ثم وجه إليهم الرسول هذه العظة.
والزيادة التي ضمها أنس تشير إلى المراد من هذا التذكير، وهو حسم الغرور بالكثير، وتخفيف الألم بالقليل. .
أي أن الدين يريد بهذه الذكرى رد البشر إلى حالة الاعتدال: الفكري والعاطفي.
وهي الحالة التي تصلح بها الحياة، وتستقيم عليها الأوضاع. .

وشبيه بذلك حديث الدين المستفيض عن الدار الآخرة، وضرورة الإعداد لها.
والإعداد لها إنما ه بإحسان العمل من هذه الحياة الأولى: (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون، ومن جاء بالسيئة فكبت وجهوهم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون).
وإذا كانت الآخرة حقا، فما معنى تجاهلها وإهمال شأنها؟!
ثم إن العمل للآخرة قد يكون تعطيلا لأعمال الدنيا لو أن المجال مختلف، أو أن ميدان هذه غير ميدان تلم.
عندئذ يقسم الإنسان وقته بين عمل لليوم، وعمل للغد، فيكون التقدم في أحدهما على حساب الآخر حتما.
لكن الإسلام ما فكر في هذا، ولا دعا إليه.

إن زراعة الأرض عمل من صميم أشغال الحياة الدنيا، فانظر كيف تصحبه نية صالحة فيتحول إلى عمل للجنة، وجهد للآخرة.!!
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة".
وفي رواية عن رجل من أصحاب رسول الله يقول: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: "من نصب شجرة فصبر على حفظها، والقيام عليها حتى تثمر، كان له في كل شئ يصاب من ثمرها صدقة عند الله عز وجل".

ما معنى هذا؟
معناه أنني أستطيع أن أبني بيتا لي، وأحيطه بحديقة يانعة رائعة، فأنال بذلك من زهرة ما أبغي. وفي هذا الوقت نفسه، أستطيع احتساب هذا العمل في موازين حسناتي بشئ واحد! شئ يسير أن أجعل للطارق الغريب، والبائس الفقير، حقا لدي، وأن أشعر بأن الله حباني بهذا الخير لأحب مثله لغيري، وليجد الضعاف مأوى في كنفي، قدر ما أستطيع.

هل هذه الوصاة من الدين لكل حي على ظهر الأرض تعطيل له عن البناء؟
وهل هذه هي مسوغات اتهام الدين بعداوة الحياة؟
إن الدين حين يكره الجشع والبغي، لا يوصف بأنه يمقت العمل والسعي، فالفرق واسع بين الحالتين.
والله عز وجل لم يكن يكره من قارون أن كان صاحب ثروة تعجز العادين.
فهو لا يكره القوة في بدن القوة. . !!
ولا الستر في بيت أسبل عليه الستر ..!!
( وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء).
وإنما كره من قارون أن يؤتى هذا الثراء الوافر، فإن قيل له: (وأحسن كما أحسن الله إليك) قال: ذاك الغنى ثمرة قوتي وذكائي، فليس لأحد قبلي (إنما أوتيته على علم عندي).

أين هذا الجواب الفاجر من قول سليمان ـ وقد شهد سعة السطوة والثروة اللتين تفرد بهما ـ (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر).

والله عز وجل لم يكره من ثعلبة أنه طلب فضله، ونشد غناه، وأنه أعطى ما طلب، بلغ ما أراد (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ).
إنما كره من الرجل الكذاب أن يعد بالتصديق والصلاح يوم يوسع عليه في الرزق.
فلما أمسى غنيا فر من الحقوق المفروضة على القادرين، ونسى أيمه الأولى (فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون).

ويبدو أن للدنيا سحرا يغري أبناء آدم بفعل الغرائب!
كم من ضعيف اقتدر ففتك، ومن عبد تحرر فتلهى باسترقاق الأحرار. . !!

وذاك السبب في أن الإسلام اجتهد في إبطال هذا السحر، وتنبيه الخاصة والعامة، ألا يغتروا بهذه الدنيا . . . وألا تجرفهم فتن الحياة . .

هل معنى التحذير من غوائل الأكل والبطنة أن يتخذ الجوع دنا؟ والتضور صراطا مستقيما؟ . .

لا، بداهة. . .

وفي هذا النطاق البين نفهم ما روي عن أبي عبيدة بن الجراح، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين، فلما سمع الأنصار بمقدمه، وافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا انصرف منها تعرضوا له . .

فتبسم حين رآهم، وقال: أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة بن الجراح قد بشئ من البحرين"؟ قالوا: أجل يا رسول الله . .

فقال: "أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها؟ كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم"!!

أي شئ في هذا الدرس؟ مرشد حصيف يلفت أتباعه إلى شرور المكاثرة والتحاسد، وأضرار النهم والتعادي. . !!

فهل يعتبر بهذه النصيحة الغالية داعيا إلى المسكنة والعجز، وهجر الحياة وترك الدنيا.؟!

إن انسلاخ المؤمنين عن الحياة معناه فرارهم من الميدان، وهربهم من التكاليف.

ومعناه القضاء على الدين نفسه، والحكم على تعاليمه أن تظل حينا من الدهر حبرا على ورق، بل احتراق هذا الورق نفسه عندما يشاء ملاك الحياة أن يمحوا ما بقي من آثاره، وأن يجعلوه جزءا من أساطير الأولين.

إن العمل للحياتين: الدنيا والأخرى، قد وصل الإسلام أطرافه، وربط بعضه ببعض.

فإذا رأيت طاقات معطلة، وأعمالا مهملة، وواجبات مهددة، فثق أن الذي ضاع من دين الله لا يقل عن الذي ضاع من دنيا الناس.

وثق أن الانهيار النفسي الذي جر هذا الضياع قد أصاب الإيمان والخلق بمثل ما أصاب الحضارة والعمران. . .

والدين قد يحمل أوزار التخلف والجمود ـ التي تلمح في بعض البيئات ـ لو أن نصوصه المحددة هونت من قيمة السعي، أو رغبت الناس عنه.

أو لو أن ما يبقى في النفوس بعد تلاوة آياته، يوحي بالاستكانة والركود.

لكننا نتدبر القرآن كله، فلا نجد دعوة أحر من دعوته إلى الإيمان والإحسان والإصلاح.

ونتدبر سيرة رسوله، فلا نجد رجولة تدانيها في الكفاح والدأب، والمصابرة إلى آخر رمق.

ونتدبر الأمة العربية التي ظهر فيها هذا الدين فنجد أمة انطلقت بغتة بعد وقوف طويل، وبرزت بعد خفاء مهين.

ولم يكن الوقود الذي أشعل حركتها، وأطلق ثورتها إلا هذا الدين . . .

نعم هذا الدين وحده، فعن طريقه أبصرت النور، وأنشأت المدنيات . . .

ثم لم تذق ـ هي وحدها ـ طعم الحياة الراقية في ظله، بل أذاقته أمما في الشرق والغرب كانت رمما بالية، حتى جاءها هذا الإسلام فمنحها الحياة والرقي والقوة!!

ونتساءل بعد ذلك: إذن فما السر في هذا التصدع النفسي والعقلي الذي ران على المسلمين في أغلب أقطارهم، وجعلهم غرباء في أرضهم، عجزة عن استخراج كنوزها واستغلال ما تناثر هنا وهناك من خيرها؟!

***

الكشف عن هذا السر يتطلب إحصاء جملة من الرواسب المادية والمعنوية تعد في نظرنا سبب هذا التبلد.

وهي رواسب تكونت على مر القرون، وانحدرت في وراثات جارفة . . .

ويمكننا هنا تحديد أربعة مصادر تولد عنها هذا الإدبار المزري وأصابنا منها ما أصابنا:

1ـ فساد عاطفة التدين تبعا لانتشار تعاليم المتصوفة، وشيوع أفكارهم القائمة عن الحياة. . .
2 ـ انكماش القيمة الإنسانية للفرد في ظل الاستبداد السياسي الطويل . . .
3ـ انطفاء القوى العقلية، وتسلط الأوهام والخرافات على الحياة العامة. . .
4 ـ المروق الظاهر عن أغلب النصوص والقواعد الإسلامية.

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالي
#الإسلام_والطاقات_المعطلة
كلمة حرة
نشر في 05 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع