1215 مشاهدة
0
0
هناك العديد من العلل النفسية الغائرة سببت تقهقر المسلمين فى الحياة، وجعلتهم لا يحسنون الإفادة من دينهم، ولا يحسن دينهم الإفادة منهم
كتاب : الإسلام والطاقات المعطلة - تأليف : الشيخ محمد الغزاليالحلقة [ 14 ] : أعراض عامة (1 من 2)
قلت فى صدر هذا الكتاب: إن ثمت عللا نفسية غائرة سببت تقهقر المسلمين فى الحياة، وجعلتهم لا يحسنون الإفادة من دينهم، ولا يحسن دينهم الإفادة منهم.
هذه العلل كانت أشبه بالخلل الآلى، أو المرض العضوى، الذى تفقد الأشياء به تمامها، وتتخلف مع وجوده عن ثمارها!!
كالعين تعجز عن رؤية المحسوسات عند الانفصال الشبكى، أو السيارة تقف فى الطريق، مع وجود الوقود، لانسداد فى المواسير!!
إن الإسلام لم يدر فى أجهزة الأمة النفسية والاجتماعية كما يدور الدم فى عروق الجسم دورته الرتيبة الدائمة.
كلا. لقد اعترضته عوائق شتى جرت على الكيان كله أعراض الشلل والإعياء...!!!
وأظننى أحصيت بعض تلك العلل، وشخصت الداء، وأبرزت الدواء..
والقارئ فى هذه المواطن يحتاج إلى كثير من الدقة...!
لأن أمتنا قد أصيبت بما يشبه الأمراض المتناقضة! أعنى الأمراض التى يكون علاج أحدها على حساب الآخر، كمن يصاب بالسل والسكر معا، فإن الأغذية التى يحتاج إليها فى مقاومة هذا المرض ربما زادت ضراوة المرض الآخر...!!!
فمثلا الإسلام دين ودنيا، والمسلم الحق آخذ من كليهما بنصيب على نحو ما قال الشاعر:
فلا هو فى الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله!
فماذا تصنع لامرئ سفيه ضاعت منه دنياه، وضاع عليه دينه؟ والواجب على من يتصدى لعلاج هذه الأمة، أن يكشف القناع عن جانب القضية كلها، ليعلم أهل الإسلام أن مواريث الأجداد لا تغنى عن جهاد الأحفاد.
وأن انتسابنا إلى الإسلام لا يعطينا عند الله حق المسلم إذا كان المبطلون أشد منا تمسكا بباطلهم، وأغزر إنتاجا له...!!!
ثم إن العمل الصورى لا جدوى منه...!
أعرف أناسا يتوضأون وتبقى أجسامهم وسخة! لماذا؟ إن الوضوء فى وهمهم لا يعنى غير امرار الماء على أعضاء معينة! أما أنه وسيلة للنظافة، فلا...!!
وأعرف أناسا يصلون وتبقى أرواحهم كدرة! لماذا؟ إن الصلاة فى فهمهم لا تعنى أكثر من تحريك الجسم فى أوقات محددة.
أما إنها معراج للصفو والنور، فلا..!!
وأى نظام فى الدنيا يتناوله أتباعه بهذا الشكل هيهات أن يرفع لهم خسيسة.
كم من حضارة فى العالم ماتت لأنها تحولت إلى مراسم ورياء...!
وكم من ديانة انتهى أمدها، وقضى الله بانقضاء أجلها، لأنها تجاوزت القلوب وأضحت بين أصحابها تزويرا، وانتفاعا رخيصا، وأثرة، ومروقا عن أمر الله...!
(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون).
إن الناس الذين يعيشون داخل أنفسهم، وفى حدودها وحسب، لا يعون الحقائق المقبلة عليهم من خارجها، ولا تخترق أبصارهم أسداف الشهوات والغفلات التى تخيم عليهم من كل جانب.
إنك إن أغريته بالدنيا قد يشغله عرضها عن الدين، وإن مسكته بالدين قد يصرفه ذلك عن الدنيا..
فالأمر بحاجة إلى نصائح موزونة، تساق إليه بقدر، حتى يحصل على الدنيا التى فيها معاشه، وبها نجاحه...!
وحتى يحرز الدين الذى هو قوام أمره وضمان عاقبته...!!!
***
والإسلام معرفة للحقيقة الواحدة وقيام بحقوقها. وإنما ترجح كفة المسلم بالإيمان والعمل جميعا...!
وقد كانت غلبة المسلمين الأوائل، والمكانة التى بلغوها نتيجة علم عظيم وعمل أعظم...!
ثم جاء الأعقاب الكسالى يملأون أفواههم فخرا بأنهم مسلمون ويحقرون الآخرين الذين حرموا هذه النعمة، ولا يعملون للإسلام شيئا..
لكن حفيد الملوك لا يغنيه نسب، ولا يسبق به فى عالم الكفاح فخر وادعاء، إذا كان أبناء الصعاليك قد انتهزوا كل فرصة، وتزودوا بكل سلاح، ثم نازلوه فغلبوه...!!!!
ولقد انتصر اليهود لذلك فى فلسطين.
وانتصرت قوى أخرى للشر فى غير مكان..
وذلك سر البلادة التى تستولى على بعض الناس وتجعل موقفهم من الحق ومطالبه فاترا.
أغلب الظن أنهم لا يفقهونه، وإذا فقهوه لا يقدرونه، وإذا قدروه يتثاقلون عن التضحية من أجله...!
وتدبر قول الله فى التعويض بهؤلاء: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و رسوله و لا تولوا عنه و أنتم تسمعون * ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون).
وانظر العاقبة التى يصيرون إليها فى هذه الحياة! إن بلادتهم تتحول إلى بهيمية، وعجز مشاعرهم عن الإدراك والإحسان يخلق منهم دواب بشرية (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو أسمعهم لتولوا و هم معرضون).
وهذا المستوى المنحط من الوجود لا يسمى حياة وإن زعم أصحابه أنهم أحياء يأكلون ويتمتعون.
ولذلك يناديهم الله جل شأنه أن يدخلوا فى دينه، وأن ينخلعوا عن أهوائهم وأوهامهم، فهذا وحده طريق الحياة..(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم ..).
والمسلمون المعاصرون أحوج أهل الأرض لتدبر هذا الدرس، والاستنارة به فى الظلمات التى تكتنفهم من كل ناحية...!
***
على أن مشكلة المسلمين ليست فى هذا الخمول النفسى، ولا فى هذا الفتور الحسي وحدهما..
فإن الإسلام تضمن جملة من العبادات والفرائض من شأنها ـ فى مجموعها ـ أن توقظ القلب الهاجع إذا غلبته سنة عارضة.
وهذه العبادات من التكرار والتنويع بحيث تعتبر ضوابط محكمة، قلما يبقى الفؤاد على ذهوله معها جميعا..!
أجل، فإن الرقاد قد يستولى على الإنسان إذا كان إلى جواره منبه واحد...!
أما إذا ضبطت جملة منبهات متعاقبة ذات أصوات متفاوتة، فإن جرسا منها سيستفز النائم حتما...!
ومع أن القلب أصل الحياة فى الجسم المادى، فقد رأينا فى بعض الجراحات الخطيرة أنه إذا توقف أمكن أن يستأنف وظيفته بالدلك والتحريك.
ونحن نعلم أن الصلوات الموقوتة ليلا ونهارا، والمناسك السنوية، والواجبات المربوطة بمناسبات لا تنقطع...!
كل هذا حقيق بأن يرد المسلم إلى الله إذا أبعده الشيطان عنه، وأن يوجه قلبه إليه إذا صرفته فتنة عارضة...!
إن كثرة المعالم والمنارات التى بثها الإسلام فى طريق المسلم تمنعه من التيهان...!
اللهم إلا إذا تعمد أن يزيغ عن الصراط، وأن يذهب مع مطارح النوى كل مذهب...!
وذلك للأسف ما صنعه المسلمون الأخلاف، وما ظهر جليا فى مسالك الأجيال المتأخرة..
إن كثيرا منهم تمرد على أمر الله، وقرر مخالفته، كما يقرر السائق المتهور أن يعصى أوامر المرور، وأن يضرب عرض الحائط بشاراته الحمراء والخضراء..
فهل تعجب إذا رأيت فى عواقب هذا الشطط، حطاما مبعثرا، ودماء مراقة، ومزيدا من الآلام؟؟
***
والرذائل التى تعبث فى الحياة الإسلامية تنحدر من منبعين: أولهما الموروثات القديمة التى تكونت على مر العصور نتيجة ابتعادنا عن الدين، أو نتيجة اضطراب مفاهيمه فى أذهاننا.
وهى موروثات شديدة الفتك قريبة الشر...!
والآخر تقليدنا الأعمى للحياة الغربية، تقليدا لا رشد فيه ولا تميز...!!!
والأمم فى قوتها تقتبس من غيرها ما يزيدها منعة وبصرا.
وفى إبان ضعفها لا تلتمس إلا ما يوائم هذا الضعف...!
لقد اتصل أسلافنا بثقافة الفرس والإغريق والهنود...!
فكان اتصالهم بها كاتصال الأستاذ النقادة بمعارف الآخرين، يقر منها ما يعرف ويضمه إلى ثروته، وينكر منها ما يستهجن، ويحذر من الأخذ به.
فانظر ماذا صنعنا لما اتصلنا نحن بالغرب؟ ذاك فى ميدان العلم...!
أما فى ميدان الخلق والاجتماع، فإن القوى له من اعتداده بنفسه ما يمنعه من الانزلاق، وما يجعله مغاليا بما لديه...!
لكن الأمم الضعيفة تبحث عما يشبع صغارها، ويوافق مزاجها الوضيع، وقد كان ذلك للأسف ديدننا...!!!
الجواسيس فى الدول القوية تسرق أسرار العلم، وتتعرف على آخر كشوفه.
أما الأمم المختلفة فهى تبحث عن متعة عاجلة، أو مركبة فاهرة، أو آخر الكشوف فى عالم الأزياء والمساخر...!
إنها تحسب ذلك تقدما، وما هو إلا مرض فوق مرض!
***
وقد التقت الموروثات الرديئة، والمحدثات السخيفة فى حياة هذه الأمة الإسلامية التقاء ضاعف حجب الغفلة، وعقد أسباب البلاء.
كما أنه زاد أعباء المصلحين، وضرورة التروى فى حل المشكلات، والتلطف فى بعث القوى الهامدة.
ولابد من وقفات عند هذه الرذائل تكشف سوءها، وتشرح أثرها فى إفساد الضمائر، وتعويق السير، وتضليل الغاية..
إن كثيرا من الطاقات المعطلة يرجع إلى تلك الآفات، وهى آفات يظهر فيها المروق من الدين، والفسوق عن أمر الله، ورفض الاستجابة لآياته بعد ما استيقنتها الأنفس...!!!
• أمل طائش :
المسلمون يملكون أصح تراث سماوى فى هذه الدنيا...!
وبين أيديهم من أصول الإيمان، ومعاقد التشريع، ما يسجد له العقل وترحب به الفطر.
وما يبقى على اختلاف الزمان والمكان ضياء الحيارى ورجاء المرهقين..
وحق على من لديه هذا الخير العميم أن ينتفع به فى خاصة نفسه، وأن ينفع به غيره من الناس.
لكن المسلمين توهموا أن صدق الوحى الذى انفردوا به كاف ـ على ما بهم ـ فى ترجيح كفتهم..!!
إن الله واحد لا شريك له، وهم أصحاب هذه العقيدة التى تنطق بها دلائل الكون! إذن فهم أفضل الأمم.!
ويجب أن يثبت لهم هذا الفضل مهما ساءت أحوالهم ورسبت أفعالهم...!
وهذا منطق سقيم!! والذين يميلون إلى هذا التفكير يكذبون على الإسلام، ويجهلون سنن الله فى الأمم.
وهل هلك الأولون فى أرجاء الدنيا إلا بسوء صنيعهم وسقوط أعمالهم؟ ولماذا يستثنى المسلمون من هذه القاعدة الشاملة؟ إن المسلمين استهانوا بكل ما وجب عليهم من خلق، وجهاد، وإصلاح، وعدالة..!!
وظلوا مع هذه الاستهانة يظنون أنفسهم أصلح من سائر الأمم، وأحق بنصر الله!!
يا عجبا ! أنى لهم ذلك الأمل؟ وكتابهم يصور قوانين الاجتماع البشري فى مثل هذه الآيات: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد).
إن تفريط المسلمين فى الأعمال الصالحة مع ثقتهم أن الجنة لهم أمر شائن.!
وهذا الخرق فى الرأى كما أوهى مكانتهم فى الأرض، أزرى بدعوتهم نفسها، وصد أولى الألباب عنها...!
ومعنى هذا أن المسلمين لا يستحقون الحرمان فقط مما يتمنونه، بل يستحقون العقوبة على ما ألصقوه بدينهم من عيوب، نتيجة خروجهم على حدوده وغدرهم بعهوده!! انظر العامة فى بلادنا، وأشباه العامة من أنصاف المتدينين! ينطلقون وراء مآربهم المادية انطلاق الإبل الهيم، أو يقعدون عن الفرائض الحتم قعود الكسيح.
ومع ذلك يتبجح هؤلاء الأفاكون بأنهم مسلمون، وأن الدنيا إذا فاتتهم فالآخرة يقينا لهم!! ولو بحثت أفئدة هؤلاء لوجدتها خرابا من الإيمان، كما أن صحائفهم صفر من شمائل المؤمنين.
ولابد ـ لكى تشفى الأمة الإسلامية من هذا الطيش، ولكى تعود إلى حقوق الله والناس حرمتها، أن يتعلم كل مسلم دينه على وجهه الصحيح...!
فيعلم أن الإيمان لا ينفك عن العمل، وأن الظفر بخير الله فى الدنيا والآخرة لا يأتى جزافا، بل هو وفق ذلك الناموس الخالد (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * و من يعمل مثقال ذرة شرا يره).
• أمة ذات رسالة:
للفرد أمل خاص فى حياته يخطو نحوه فى ثبات، ويسعى حثيثا كيما يدركه.
ولعله يتحمل الضيق فى يومه ارتقاب الفرج فى غده، وصدق القائل:
أعلل النفس بالآمال أطلبها .. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
والأمل فى حياة الفرد أقرب مثل للرسالة فى حياة الأمة..
فإن الأمة صاحبة الرسالة تنظم شئونها المادية والأدبية نحو هدف معين، وتسخر قواها الجلية والخفية لبلوغ هذا الهدف.
وقد كان " خروشوف " زعيم روسيا مبينا فى كلامه عندما قال ـ وهو يزور أمريكا ـ إن إقامة مجتمع شيوعى فكرة مقدسة عندنا، وقد يكون اليوم لكم، ولكن الغد لنا، فانظر كيف لم ينس الرجل فى غربته عقيدته! وفى سبيل مثل منكرة وأخرى محترمة تحيا شتى الدول.
كانت الجبهة الروسية تنشر الشيوعية ومعها الإلحاد.
وكانت وما زالت الجبهة الأمريكية تنشر الرأسمالية ومعها الاستعمار.
وإذا عريت هذه المآرب من ألبسة الرياء التى تحيط بها أمكنك أن تقول: إن الجنس الأبيض يريد السيادة، وفرض وصايته على الأجناس الأخرى...!
أو تقول: إن الصهيونية تبغى اجتياح العروبة، وإقامة ملك لبنى إسرائيل على أنقاضها.
أو تقول: إن الصليبية تهيجها بواعث الضغينة على ديانة التوحيد، فهى تريد القضاء عليها، والإجهاز على الأمة التى ترتبط بها...!
والذى يهمنا من ذلك العرض الخفيف أن يؤكد للقراء تلك الغايات التى ينشدها غيرنا من الناس، وينشغل بها ليلا ونهارا، سرا وجهارا..
وتصل الأمة إلى مرتبة عالية من النجاح عندما تخلط رسالتها العامة بالأمل الشخصى لكل إنسان..
وبذلك تدور أجهزتها كلها متضافرة متعارفة لتحقيق ما تود...!
ونحن أمة ذات رسالة يعرفها العالم جيدا....!
وسمونا بها حينا من الدهر..
وقد كان إخلاصنا لرسالتنا قديما مصدر عاطفة ملتهبة، وفكر يقظ، وإنتاج كثير، وجهاد موصول، وتضحية غالية...!
ثم بدأت هذه الرسالة تضمحل فى نفوسنا، وتبعها وهن فى الروابط العامة التى تحشد قوى الأفراد لخدمتها...!
وذبول هذه الرسالة الجامعة كانطفاء الأمل فى نفس الإنسان لا يجر وراءه إلا الانكسار والقنوط والاستكانة...!
وقد حاول " البعض " أن يجعل لأمتنا رسالة غير رسالتها، أن يجعل من هذا العوض مصدرا آخر للطاقة المفقودة والعاطفة الحارة، فابتدع القوميات الضيقة والوطنيات الخاصة..
غير أن الظن لا يغنى من الحق شيئا.
وكل محاولة لتمويت الإسلام لا نتيجة لها إلا تكوين أمة ميتة الروح، كاسفة البال، وأفراد لا تنتظمهم آصرة، ولا يلمهم لواء.
----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالي
#الإسلام_والطاقات_المعطلة
نشر في 06 تموز 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع