1331 مشاهدة
0
0
ومَن مِن أئمتنا القدامى والمحدثين أصاب فلم يخطى، ومضى فلم يعثر؟ وهل وظيفتنا أن نمضغ الأخطاء، ونتتبع العثرات ونتعامى عن الحسنات ونشتم القمر لأنه كثيرا ما يقع فى المحاق؟
كتاب : علل وأدوية - بقلم : الشيخ محمد الغزاليالحلقة [ 12 ] أمَا تركد هذه الزوابع؟
أتردد على تفسير المنار بين الحين والحين لأتعلم منه ما لم أكن أعلم وهو فى نظرى موسوعة ثقافية موارة بالأبحاث التى تشمل الدين كله.
والشيخ رشيد، وأستاذه محمد عبده، وزعيمه جمال الدين من أعمدة اليقظة الإسلامية فى العصر الحديث. ولكنهم ومن فوقهم ومن دونهم من المفكرين الإسلاميين ما رزقوا العصمة ولا زعمت لهم يوما.
ومَن مِن أئمتنا القدامى والمحدثين أصاب فلم يخطى، ومضى فلم يعثر؟ وهل وظيفتنا أن نمضغ الأخطاء، ونتتبع العثرات ونتعامى عن الحسنات ونشتم القمر لأنه كثيرا ما يقع فى المحاق؟
قال لى صديق يعمل مفتشا للوعظ والإرشاد بالقاهرة : إنه ذهب لإلقاء محاضرة عن أحمد بن حنبل بناد لجماعة تنتسب إلى السنة، وبعد أن أتم كلامه قام متحدث آخر ليلقى محاضرة موضوعها (أبو حامد الغزالى الكافر) (!).
وفزعت لشناعة التهمة الموجهة إلى إمام ضخم من قادة الفكر الإسلامى، لقد كان (أبو حامد) عالما أديبا، وفقيها أصوليا، ومربيا فيلسوفا. وهو أذكى من أرسطو وأفلاطون وسقراط الذين تشمخ بهم اليونان وتعتز بهم أوروبا.
لماذا يقوم امرؤ بتكفيره؟ وإذا كان للرجل أخطاء فى الأحاديث النبوية فقد استدركت عليه من أصحاب هذا الفن ليتيسر بعد ذلك الانتفاع بعلمه الغزير.
يوم طغت الفلسفة اليونانية على العقل الإسلامى اجتاحها أبو حامد بكتابه (تهافت الفلاسفة) ليعيد إلى الأصول الإسلامية مكانتها.
ويوم استهلك الترف أمتنا، حكومات وشعوبا، وأذهلها عن رسالتها الكبرى ، عمل على (إحياء علوم الدين).
هذه العلوم كانت تحتضر، وكان المسلمون قد فقدوا جدارتهم بالحياة فعندما هجم الصليبيون على الشام، واستباحوا بيت المقدس لم يكن فى مواجهتهم أحد.
إن هؤلاء الصليبيين الزاحفين لو قاومهم جيش من الكلاب لهزمهم ، فقد كانوا يجرون أقدامهم جرا من الإعياء والمجاعة ولكنهم لم يجدوا أمامهم أحدا !! أين كنا؟!
وجُهد الغزالى فى (الإحياء) مشوب، وقد وقع فى أخطاء شتى بيد أن الكتاب من أخصب المؤلفات فى شرح آفات النفوس، وتقويم الطباع البشرية، واقتياد البشر إلى ربهم تبارك اسمه، فهل جزاء الرجل بعد ذلك أن يُتهم بالكفر؟ إن المسارعة فى التكفير دأب الرعاع والحمقى!
وهناك علماء مبرزون فى ميدان ومقصرون فى ميدان آخر يعطون أنفسهم حق إصدار أحكام علمية وتاريخية فى كلا الميدانين، وهم يعينون الجهلة على تكوين أفكار منحرفة ضد رجال أبرياء.
ولو اتجهنا إلى البناء بدل الهدم، وإلى الإنصاف بدل الحيف لكنا أهدى سبيلا.
أذكر أنه جمعتنى أيام طيبة بالمغفور له الدكتور محمد محمد حسين، وهو رجل خبير بالتيارات الأدبية الحديثة، وله غيرة مشكورة على الإسلام، وأكن له فى نفسى احتراما كثيرا، سمعت منه كلاما لم أتجاوب معه.
قال: إن شعار الحرية والإخاء والمساواة اختراع يهودى! وإن اليهود هم صانعو الثورة الفرنسية عن طريق محافلهم الماسونية، وإن النظام الجمهورى نفسه يكاد يكون من صنع اليهود، وهؤلاء اليهود المكرة من وراء الثورة الشيوعية فى روسيا سنة 1917م.
قلت فى نفسى: ولعلهم كذلك صانعو هيئة الأمم المتحدة، ما أحقهم بالحياة إذا كانوا ـ مع قلتهم ـ بهذا الحجم الضخم، وبذلك الأثر العميق.
واستطرد الحديث ليتناول مبدأ (الأمة مصدر السلطة) وكيف أنه مبدأ غير إسلامى، وتحدث الرجل عن جمال الدين ومحمد عبده حديثا مليئا بالسخط والزراية، وقال: إنهما ماسونيان.
قلت: أحب أن أرجىء الحديث عن الأشخاص، وأكترث بالحديث عن المبادئ، ليكن فلان شيطانا رجيما أو ملاكا كريما فذاك يعنيه عند ربه، وما تنفعه شهادتى له إذا كنت مخدوعا فيه.
إذا كان شعار (الحرية والإخاء والمساواة) من صنع عباد الشيطان فماذا صنع عباد الرحمن؟ وإلى أين تتجه الطبقات التى تشعر بالعبودية والنبذ والظلم؟
يا صديقى.. إن الشعار عظيم، قل: إن اليهود يتاجرون به، أما أن تعلن عليه حربا باسم الإسلام فلا، ولا.. لا تظلم الإسلام..
وقضية أن (الأمة مصدر السلطات) لا تعنى أكثر من وضع حد للحق الإلهى فى الحكم الذى زعمه ملوك أوروبا لأنفسهم، أى أنه لا حق لأبى بكر فى الخلافة لو لم تختره الأمة اختيارا عبر عن رغبتها الحرة وسلطانها فى التقريب والإبعاد.
قال: المبدأ أوسع من ذلك فهو يعطى الأمة حق التشريع، والتشريع لله وحده.
قلت: صيحة ( لا حكم إلا لله) معروفة فى تاريخنا. ونحن المسلمين نوقن بأن نصوص الكتاب والسنة واجبة التطبيق ومعترضها ينسلخ عن الدين، ودائرة النص محدودة الأبعاد، ومن ثم قام القياس والاستنباط والاستحسان، وقام النظر الحر فى شئون الدنيا، واستطاع المسلمون بالإرشاد الإلهى أن يشرعوا لأنفسهم على امتداد الزمان والمكان.
ولا مجال للعب بالألفاظ كما فعل الخوارج. ولا مساغ لدعم الاستبداد السياسى وتقويض بنيان الأمة بتلبيس المعانى وتحريف الكلم عن مواضعه. وما أقوله هو ما كان يدعو إليه جمال الدين ومحمد عبده ، وهو علة ما لاقيا من عنت.
وفهم بعض السامعين من هذا أنى أوثر نمط الحياة الغربية، وهو ما اتهم به الرجلان، فرأيت أن أشرح الموضوع بقليل من التفصيل.
إن هواى مع الإسلام وحده، والميل إلى الشرق كالميل إلى الغرب انحراف عن الصراط المستقيم، وتقاليد العرب فى أمر ما ليس صورة الوحى الأعلى. قد تجلس إلى مائدة عربية، فيها جفنة الأرز يجللها خروف غليظ اللية مديد القامة، وقد تجلس إلى مائدة غربية عليها عدة أطباق فيها قطع من اللحوم وبعض الحبوب والبقول.
لك أن تعجب بهذا النظام أو ذاك، فما ينقص هذا إيمانا ولا يزيد. ولك أن تبتدع فى نظام المائدة ما تراه أدنى إلى طبعك! المهم (سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).
إن المائدة السياسية، أو الاجتماعية التى نجلس إليها، لا يحكمها شكل، وإنما يحكمها مبدأ، ومن حقى أن أرفض تقاليد كثيرة لا نسب لها مادمت متقيدا بالإسلام وهديه.
وأصارح بما عندى! إن أثقالا رهيبة من التقاليد العربية فى شتى الميادين تحكمنا باسم الإسلام، والإسلام لا يعرفها. على حين تسود أقطار الغرب فى الميدان السياسى خاصة تقاليد أقرب إلى ديننا وإن كان القوم لا ينسبونها إلى هذا الدين! من يدرى لعلهم يستريحون إلى الإسلام وإلى نبيه العظيم لو عرفوا هذه القرابة المعنوية.
إننى أرفض، بل أزدرى، صياحا أبله ضد مبادئ هى من صميم الفطرة، ومن غايات الإسلام الاجتماعية، لا لشىء إلا لأنها غير ما نألف فى عاداتنا وتاريخنا، أعنى عادات أمتنا إبان هزائمها الثقافية والسياسية وما حواه تاريخها الأخير من تخلف وضياع.
وقد كان الإمامان العظيمان جمال الدين الأفغانى، ومحمد عبده يسعيان لتجلية حقائق الإسلام، ونفض ما علاها من غبار! ويتنكران للتقاليد الدخيلة عليه أو التى تستمد حق البقاء من التصاقها به.
ولما كان لهذه التقاليد سدنة يفيدون منها ويبنون وجاهتهم على حياطتها، فقد انطلقوا يصيحون فى كل فج مهددين بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويعلم الله أن هؤلاء الصائحين إما صديق جاهل بالإسلام، وإما عدو مضل مبين.
وهنا سأل سائل: أمن خدمة الإسلام الانتساب إلى الماسونية؟
وقلت: إننى أكره هذا العمل، وهو خطأ بولغ فى تضخيمه! والماسونية نحلة ما كان أحد يدرى خباياها، كانت تخادع بشعار الحرية والإخاء والمساواة، فلما دخلها جمال الدين وأحس أن أعضاءها مزورون شن عليهم الحرب وفض محفلهم وأسس محفلا آخر يقول فيه ما يريد.
ولو أنى دخلت حانة للخمر وجلست على إحدى موائدها لأعكر صفو الشاربين وأذم إليهم السموم التى يتناولونها، وأصف لهم مساخرهم فى غيبوبتهم، ما كنت ملوما.
والدول الإسلامية الآن تنتمى إلى هيئة الأمم المتحدة، وتحرص على البقاء فيها ـ وهى ماسونية كبيرة إن صح التعبير ـ وليس ذلك عيبا، إنما العيب أنها نسيت حقوق الإسلام عليها ولم يكن حديثها فى هذه الهيئة ترجمانا لأهدافه الإنسانية الرفيعة، ودفاعا باسمه عن المظلومين وما أكثرهم فى ظلال هذه الحضارة.
إن عالمية الإسلام تفرض علينا أن ننساح بين الناس ونغشى مجامعهم الشعبية والرسمية، ولكن (عالمية الإسلام) كلمة يلوكها المسلمون ولا يحسون تبعاتها. ومن الذى يقدر على حمل هذه التبعات؟ أعشى لا يبصر من حقائق دينه شيئا طائلا؟
كان ربعى بن عامر البدوى أبصر بغايات الإسلام من شيوخ كبار فى عصرنا عندما قال للفرس: جئنا نخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده. لقد أبصر علل القوم وصاح ملوحا لهم بالدواء.
الأوروبى المستنير المتحضر فى أوروبا متبرم بما ورث من عقائد، ويريد أن يعب من ينبوع التوحيد الخالص الذى يتفجر فى ديننا، وهو يسأل عن تعاليم هذا الدين فماذا يسمع؟ لا يسمع إلا ما يصده ويرده.
هذا يقول له: الشورى لا تقيد الحكم الفردى ولمن شاء أن يستبد بالأمة وعليها الصبر. وهذا يقول له: يتكون المال عند من صادفه الحظ دون حرج فإن الله يريد أن يجعله دولة بين الأغنياء منكم. وهذا يقول له: العقل أعمى والتعويل على الشرع، أو الدنيا ضرة الآخرة ولا يمكن الجمع بينهما! أو الحديث الضعيف مقدم على القياس. وهذا يقول له: المرأة لا تخرج من البيت إلا إلى الزوج أو القبر ولا يصح أن تلى منصبا ما.
فلو كان فى إنجلترا لقال للإنجليز: اعزلوا ملكتكم واطردوا رئيسة وزارتكم لكى يمكن قبولكم فى الإسلام. وعنده أن سليمان عليه السلام كان مخطئا عندما أقر وضع ملكة سبأ، وطلب منها أن تعتنق الإسلام.
إن الرجال الثلاثة: جمال الدين ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا هم قادة الفكر الواعى الذكى فى القرن الأخير. والنقيق العالى الذى يثور ضدهم هو من أشخاص علمهم بالإسلام سطحى ودفاعهم عنه دفاع الدبة التى قتلت صاحبها.
إن صاحب المنار استوعب مذهب المفسرين، من تفسير بالأثر إلى تفسير فقهى، إلى تفسير كلامى، ومن المختصرات إلى المبسوطات، ثم ضم إلى ذلك علما بآراء المذاهب الفقهية الكثيرة، إلى تقعيدات الأصوليين الذين نبغوا فى شتى العصور، إلى ما جد فى العالم الإسلامى بعد احتكاكه بالمجتمعات الحديثة.
وقد روى أن أستاذه الشيخ محمد عبده طالع خمسة وعشرين تفسيرا ليستريح إلى معنى آية من آيات الأحكام، اضطربت فيها الأقوال. وكان الرجل صاحب فكر متميز ومقولة مدعومة فى هذه المعامع العلمية، فما غره بريق، ولا هالته كثرة، وكان بصيرا بعلل الضعف التى انتابتنا، ومداخل الشيطان فى حياتنا، وكان عميق الشوق إلى إحياء العقل الإسلامى والعودة به إلى نقاء السلف الأول.
والذى أراه أن مدرسة المنار هى المهاد الأوحد للصحوة الإسلامية الحاضرة، وعلى الذين يرفعون القواعد من هذا المهاد أن يتجنبوا بعض الهنات التى فات فيها الصواب إمامنا الكبير، فما نزعم عصمة له أو لغيره.
قال لى الأستاذ حسن البنا عليه الرضوان: إنه تناقش مع الشيخ رشيد فى إحدى القضايا الفقهية، واتسعت مسافة الخلف بينهما، ولم يصلا إلى وفاق. ثم رأيت الأستاذ البنا يصدر صحيفة الشهاب، ويبدأ فيها باب التفسير، فإذا هو يستفتح بسورة الرعد!
قلت له: لم هذا البدء؟ قال: من حيث انتهى الشيخ الكبير محمد رشيد رضا. قلت فى نفسى: لا يعرف الرجال إلا الرجال. ثم جاء فى هذه الأيام غلمان فى ميدان المعرفة يريدون الاستطالة فى أعراض الأئمة.
ويستحيل أن يهدى إلى الحق من يحرم أخلاق الإيمان، أعنى من همته البحث عن العيوب ورجم الناس بها.
إن رب العالمين تبارك وتعالى جعل فى حسابه كفتين، واحدة للحسنات وأخرى للسيئات! وهؤلاء لا يعرفون إلا كفة واحدة تجسم فيها الشرور، صحيحة أو منحولة. وهل قتل الخلفاء الراشدون إلا بهذا المنطق الكفور؟ وهل جأر الأبرياء من قديم بالشكاة إلا من أناس..
أن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا .. عنى. وما سمعوا من صالح دفنوا!
جهلا علينا، وجبنا عن عدوهمو .. لبئست الخلتان الجهل والجبن!
والمتدينون المصابون بهذه الآفات لا تنجح لهم حركة، ولا تتنزل عليهم رحمة، لأنه لا كرامة إلا لمن أتى الله بقلب سليم.
وسمعت من هؤلاء أن الشيخ محمد عبده اتصل بالإنجليز وتعاون معهم، فقلت: إن كانت علاقته بالقوم من محبة لهم وولاء فقد ارتد عن دينه وحبط عمله، فهل كان ماضى الرجل ومستقبله يرشحانه لهذه التهمة؟
إن الشيخ محمد عبده سهر فى الرد على وزير الخارجية الفرنسية (مسيو هانوتو) عندما هاجم الإسلام، فأتم كتابه (الإسلام والعلم) فى ليلة واحدة، حرمه الحماس الرقاد، فلم يسترح إلا بعدما جلا الحق.
أين كان الشيوخ الحاقدون على الشيخ يومئذ؟ كانوا بين عاجز وجبان.
وعاد الرجل إلى القاهرة بعد فشل الثورة العرابية واحتلال الإنجليز لمصر. وكان الخديوى قد أصدر أحكاما بإعدام وتشريد قادة الثورة، بيد أن الإنجليز خففوا هذه الأحكام، واستبدلوا بها النفى لمدد متفاوتة. فلما رجع محمد عبده وجد واقعا مرا، القصر الخائن والمحتل الكافر.
ومن أيسر الأمور على رجل مهزوم أن يفر إلى بيته وينسحب من الحياة العامة، ولكن البطولة ليست فى هذا الفرار السهل، لقد آثر الطريق الطويل طريق التربية ورفع المستويات النفسية والفكرية. ويفرض عليه ذلك السعى لإصلاح الأزهر، وترقية اللغة والأدب والتدريس المتصل لعرض حقائق الدين وإنارة الطريق أمام التائهين، لقد فشلت الثورة العسكرية فليتخذ أسلوبا آخر. وهو أمام خيارين أحدهما مر، كيف يتقى الإنجليز، وكيف يتقى القصر؟
وكان محمد عبده شديد الاحتقار للعائلة الملكية، ويرى أنها أسرة وضيعة باعت دينها وعرضها فى سبيل الجاه الزائل.. وقد وصف كبيرها محمد على باشا فقال من حديث طويل: أخذ يقرب الأسافل كأنما يحن إلى عرق فيه.
ولما اتجه إلى إصلاح الأزهر وجد مقاومة هائلة من شيوخه الذين يرون إدخال العلوم الحديثة كفرا! ويرون استبقاء الحصر القديمة، لأن أقدام الشيوخ المباركين وقفت عليها.
وقد ذكرت فى حديث سابق أن عدة جماعات كانت تقام للصلاة الواحدة بأعداد المذاهب الفقهية، وكان الفكر الإسلامى فى غيبوبة لا تشبهها إلا غيبوبة الأدب العربى.
لقد استمات الشيخ المصلح فى عمل شىء للإسلام فتحايل على سطوة الإنجليز، وعلى جمود الشيوخ، وعلى خصومة القصر، وعندما مرض مرضه الأخير ترجم عن آلامه النفسية بقوله:
ولست أبالى أن يقال محمد .. أبل، أم التفت عليه المآتم!
ولكن دينا قد أردت صلاحه .. أحاذر أن تقضى عليه العمائم!
ولم يكن غريبا أن يتهم محمد عبده بالكفر، وإنكار كرامات الأولياء، والخروج على آراء الفقهاء، بل لقد اتهم بترك الصلاة، وأحسبه كان سيتهم بأمور أخرى لو كان فى ريعان الشباب.
ومع ذلك، فقد مضى الرجل فى طريقه بقوة، ونشأ عن حركته ازدهار علمى وأدبى وسياسى نقل الأمة الإسلامية إلى طور آخر من أطوار الحياة والكفاح لم تشهده من ألف عام.
وما أحسب أن مدرسة المنار، ثم مدرسة محمد فريد وجدى، والعقاد، والخضرى، وأبى زهرة، ومحمود شلتوت، والمدنى، وغيرهم من الإسلاميين والمد الأدبى العظيم فى الشعر والنثر الذى تدافع سيله فى الأيام الماضية وارتقت به اللغة العربية ارتقاء باهرا ما أحسب أن ذلك كان سيتم لولا حركة محمد عبده وأستاذه جمال الدين.
أكان الاستعمار الصليبى أو الشيوعى يترك هذا السيل إلى مداه؟ إن شتم جمال الدين، ومحمد عبده، ورشيد رضا، لا يعنينا لو كان تجريحا شخصيا، إنه محاولة للقضاء على نهضة أمة ورسالة دين؟
ماذا قلت؟ لماذا لا يعنينى تجريح رجالنا والنيل من مكانتهم؟ هذا خطأ كبير.
إن الجهود المجنونة التى تستبيح قادتنا وكبراءنا فى ميدان العلم والأدب والسياسة لها غاية يجب فضحها، والتحذير من مغبتها، إنها تريد القضاء على تاريخ أمة، وعندما تكون أمتنا بلا تاريخ، فلن تكون أمة، ما قيمة أمة ليس لها رجال؟ وما قيمة دين لم يصنع رجالا على تراخى العصور؟
إنه لابد من استنقاذ تراثنا من أيدى المسعورين والهدامين، والواقفين على مبعدة ينبحون القوافل المارة.
----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى #علل_وأدوية
نشر في 09 تموز 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع