Facebook Pixel
عندما يكون الإلحاد أذكى
2143 مشاهدة
2
0
Whatsapp
Facebook Share

من كتاب علل وأدوية للكاتب محمد الغزالي يتحدث فيه عن دراسة أمراض الأمة عندما يكون الإلحاد أذكى

كتاب : علل وأدوية - بقلم : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 9 ] عندما يكون الإلحاد أذكى

قرأت للدكتور طه حسين، واستمعت له، ودار بينى وبينه حوار قصير مرة أو مرتين فصد عنى وصددت عنه! أسلوب الرجل منساب رائق! وأداؤه جيد معجب، وهو بين أقرانه قد يدانيهم أو يساويهم ويستحيل أن يتقدم عليهم..

بل عندما أوازن بينه وبين العقاد من الناحية العلمية أجد العقاد أعمق فكرا وأغزر مادة وأقوم قيلا، وأكاد أقول: إن الموازنة المجردة تخدش قدر العقاد..

وأسلوب زكى مبارك أرشق عبارة وأنصع بيانا من أسلوب الدكتور طه حسين، ولولا أن الرجل قتله الإدمان لكان له شأن أفضل.

ودون غمط لمكانة الدكتور الأدبية نقول: إنه واحد من الأدباء المشهورين فى القرن الحالى، له وعليه... وحسبه هذا.

بيد أننى لاحظت أن هناك إصرارا على جعل الرجل عميد الأدب العربى، وإمام الفكر الجديد، وأنه زعيم النهضة الأدبية الحديثة.

ولم أبذل جهدا مذكورا لأدرك السبب، إن السبب لا يعود إلى الوزن الفنى أو التقدير الشخصى، السبب يعود إلى دعم المبادئ التى حملها الرجل، وكلف بخدمتها طوال عمره، إنه مات بيد أن ما قاله يجب أن يبقى، وأن يدرس، وأن يكون معيار التقدم.

تدبر هذه العبارة للدكتور (العميد) : (إن الدين الإسلامى يجب أن يعلم فقط كجزء من التاريخ القومى لا كدين إلهى نزل يبين الشرائع للبشر، فالقوانين الدينية لم تعد تصلح فى الحضارة الحديثة كأساس للأخلاق والأحكام، ولذلك لا يجوز أن يبقى الإسلام فى صميم الحياة السياسية! أو يتخذ كمنطلق لتجديد الأمة (!) فالأمة تتجدد بمعزل عن الدين)

• الإسلام وحده يجب أن يبعد:

ويمكن الرجوع لمثل كتابه (مستقبل الثقافة فى مصر) لتجد أشباها لهذه العبارات السامة. ويشاء القدر أن تقع عينى على هذه العبارة وقد قررت (إسرائيل) وقف الطيران فى شركة العال يوم السبت احتراما لتعاليم اليهودية!

إن الإسلام وحده هو الذى يجب إبعاده عن الحياة العامة، أما الأديان الأخرى فلتقم باسمها دول، ولترسم على هداها سياسات.

وظاهر أن الدكتور طه حسين كان ترجمانا أمينا لأهداف لم تعد خافية على أحد عندما طالب بإقصاء الإسلام وأخلاقه وأحكامه، وعدم قبوله أساسا تنطلق الأمة منه وتحيا وفق شرائعه وشعائره.

قائل هذا الكلام يجب أن يكون عميد الأدب العربى فى حياته وبعد مماته، وأن تشتغل الصحافة والمسارح بحديث طويل عن عبقريته، وليكون علما فى رأسه نار كما يقول العرب قديما.

أما العقاد وإسلامياته الكثيرة فيجب دفنه ودفنها معه، ومع أن الرجل حارب الشيوعية والنازية وسائر النظم المستبدة، وساند (الديمقراطية) مساندة مخلصة جبارة، فإن العالم (الحر) ينبغى أن يهيل على ذكراه التراب، ليكون عبرة لكل من يتحدث فى الإسلام، ولو بالقلم! فكيف إذا كان حديثا بالفكر والشعور، والدعوة والسلوك، والمخاصمة والكفاح؟ هذا هو الخصم الجدير بالفناء والازدراء.

• ضرورة هتك الأستار:

والقوى التى تعمل دائبة على تخليد الدكتور طه حسين، وتجديد فكره، وإعلاء شأنه معروفة لدينا، ونريد أن نكشف عنها، إذ لا معنى لبقائها فى جحورها تلدغ ثم تستخفى، وتنال منا باسم الحرية والعلم، وهى لا تعرف الحرية إلا لونا وحيدا: كيف تضرب الإسلام وتطفئ جذوته وتميت صحوته؟

ذلك، إلى أن الريح تعصف اليوم ضدنا أكثر مما كانت تعصف يوم ألف الدكتور طه ضد ديننا وتراثنا، لقد أقامت اليهودية على أنقاضنا دولة تريد اجتياح حاضرنا ومستقبلنا، وهى تربى النساء والأطفال لتحقيق هذه الغاية، وتعتبر المدرسة ثكنة عسكرية، والثكنة معبدا دينيا، والتوراة دينا ودولة. ص

أما الصليبية العالمية فإنى أكتفى بنقل العبارات للشيخ (عبد الله كنون) سجلها فى إحدى زياراته لأوروبا.

قال: (أذكر للاعتبار أنى كنت فى أسبانيا ذات يوم، وصادف وجودى فى غرناطة يوم الاثنين، وهو يوم تعطل فيه الصحف الأسبانية ولا تصدر إلا صحيفة واحدة تسمى صحيفة الاثنين، وأخذت هذه الجريدة لأنظر فيها أنباء اليوم.. فإذا داخلها ملحق صغير للأطفال يكاد يستغرقه كله مقال رئيسى بعنوان (محمد النبى المزيف) يكتب بلغة سهلة مبسطة، ولكنها مليئة بالهزء والسخرية.

وقد بنى المقال على فكرة أن القرآن مقتبس من التوراة والإنجيل اقتباسا مشوها، لأن صاحبه ـ على حد تعبير الكاتب ـ كان أميا لا يعرف قراءة ولا كتابة، وإنما تلقف ما ضمنه كتابه من أفواه اليهود الذين كانوا يسكنون جزيرة العرب، ومن بعض الرهبان الذين لقيهم فى أثناء رحلته إلى الشام.

وهكذا يعمل النصارى على تنشئة أبنائهم منذ الصغر على احترام عقيدتهم ـ وحدها ـ ويرابط الكاثوليك فى حصن غرناطة، مستأنفين إلى اليوم مطاردة الإسلام حتى فى نشرات الأطفال بعد أن أجلوا أتباعه من هذا الحصن قبل بضعة قرون).

هذا ما سجله الشيخ الأديب فى كتابه اللطيف (جولات فى الفكر الإسلامى) ومن حق القارئ أن يتساءل إذا كانوا يربون أولادهم على هذا الغرار فكيف نربى نحن أولادنا؟

وما هى المناهج التى اختارها عميد الأدب العربى عندما كان وزيرا للتربية والتعليم، أو اختارها أمثاله لتخريج أجيال تعرف دينها ونبيها وتاريخها وتراثها؟

ويعلم أولو النهى وذوو الإنصاف أن الإسلام مخترع الحريات الدينية منذ العصور الوسطى، وصانع المجتمعات البعيدة عن التعصب الأعمى.. وأنه قدم للعالم حضارة فريدة، تجاور فيها أهل الكتاب مع علماء الإسلام، فكانت الحضارة الإسلامية نتاج جهود مشتركة وتعاون صالح بين الكثرة المسلمة والقلة اليهودية أو النصرانية..

* * *

• الطائفية زرع الاستعمار:

حتى جاء الاستعمار الحديث فشرع يشحن أفئدة الطوائف الدينية فى العالم الإسلامى بالحقد والغش على إخوانهم الطيبين، ويختلق حكايات مفتراة عن ظلم الأكثرية للأقليات الدينية، ويغرى نفرا من الغلاة بمطالب مجنونة لا حصيلة لها إلا زرع الفتن..

ويقول الشيخ عبد الله كنون فى هذا المجال: (أحب أن أوضح هذه النقطة التى أصاب العالم الإسلامى منها خطر كبير، ذلك أن هذه الأقليات وإن كانت تتمتع بجميع الحقوق، ويتوفر لها ما ليس لأقلية أخرى فى بلد غير إسلامى، إلا أنها لا تقنع إلا بالهيمنة على أجهزة الحكم والقوانين الدستورية، واستطاعت بذلك إحكام سيطرتها على الدول التى تنتمى إليها.

إن بعض هذه الدول كان فى دستورها أن دين الدولة هو الإسلام، فحذف هذا البند من الدستور إرضاء لأقلية متحكمة، وهذا أمر لا نظير له فى العالم أن تنقاد الأكثرية لحكم الأقلية).

قال: (ولا نذكر هنا الأقليات الإسلامية الكبيرة فى الهند والصين والاتحاد السوفيتى، وإنما نذكر الأقلية الكاثوليكية فى المملكة المتحدة البريطانية، وهى أقلية تبلغ أربعة ملايين ـ تزيد إنجلترا قليلا عن خمسين مليونا من البروتستانت ـ ونسأل : هل دار بخلد هذه الأقلية أن تتحكم فى الكثرة المخالفة لها فى المذهب؟ هل فكرت فى معارضة الملكة عندما تؤدى القسم التقليدى على حماية الكنيسة الإنجيلية، والإخلاص لها عندما ترتقى العرش؟

ويطرد هذا التساؤل عند الكلام عن الأقليات الدينية فى ألمانيا وهولندا وسويسرا وغيرها).

ولا نريد أن نقتبس أكثر من ذلك، وإنما نريد المضى فيما بدأنا به وإشعار الذاهلين بخطورة الثقافات المؤذية بل القاتلة التى روجها يوما ما أدباء ضعاف الخلق مرضى الإيمان..

فلما قضوا وتراجع مدهم أتى من يحاول استحياء فكرهم وتلميع أسمائهم حتى يقع الأغرار فى شركهم ويستقر الأمر للاستعمارين الصهيونى والصليبى على سواء.. على حساب الإسلام الذاهب.

• قصور معيب:

ويحزننى أن أقول: إن الدكتور طه حسين انتصر فى معارك كثيرة لأن خصومه لم يكونوا على شىء! فمن نيف وأربعين سنة أمر الدكتور ـ وكان عميدا لكلية الآداب بالقاهرة ـ بقبول طالبات فى الكلية لأول مرة فى تاريخ التعليم الجامعى. وانفجرت مراجل الغضب عند الأزهريين، وزلزلت الأرض زلزالها فقد كان إلحاق النساء بالتعليم العالى شيئا إدا.

والواقع أن جماهير من المتدينين كانت تستنكر تعليم المرأة فى أى مرحلة، وتعد تجهيلها من الإيمان. ولو أنها غضبت لأن التعليم مختلط، وينبغى تخصيص كليات للبنات لكانت على حق.

وفتحت بعد ذلك بعشرين سنة كليات للفتيات فى الأزهر.. لقد استيقظ بعدما فاته القطار ..

إن التدين القاصر ينيل أعداءه مكاسب كبيرة دون جهد يبذلونه.

والغريب أن هذا القصور المعيب لا يزال سمة غالبة على المتكلمين باسم الإسلام فى أماكن شتى! وفى قضايا سياسية واجتماعية بعيدة الآثار.

ألا فلنعلم أن الموقف السلبى لا يهزم العمل الخاطئ، إنما يهزمه بديل منصف نفاع للناس، حام لحقوقهم ومصالحهم.

قد تكون ( للديمقراطيات) الغربية هنات تنال منها، لكن هذه الأنظمة لا تهزمها قصيدة هجاء، أو خطبة رنانة، إنما يهزمها نظام ينفى الاستبداد، ويعز الشعوب، ويصون الفطرة، ويحترم البرهان، ويطارد الأوهام.

لم تكن الجبهة الإسلامية قادرة على تقديم هذا البديل، فنجح سماسرة الاستشراق والتنصير فى اجتياح مواقع كثيرة..

على أن الدكتور توقف عندما واجهه عاملون جدد فى حقل التراث، كان يبشر بعظمة اليونان وعراقة تاريخهم وحضارتهم، حتى كتب العقاد يثبت عكس ذلك، وكان يريد تغيير الكتابة العربية، ونشر مقالا أدخل فيه حروف العلة فى بنية الكلمة للدلالة على الحركات، ولكن الدعوة سرعان ما انهارت لأن حماة أشداء ـ من غير البيئة الدينية ـ بصقوا على الفتنة فانطفأت.

ولست بصدد التأريخ لما كان، وإنما بصدد التوجس مما هو كائن فإن العراك مازال محتدما بين الإسلام ورسالته من ناحية، وبين الاستعمار العالمى وأحقاده التاريخية من ناحية أخرى، والمستقبل مقلق إذا بقيت شئون المدافعين على ما هى عليه الآن.

• مقابلة.. ومقارنة:

تسألنى كيف؟ والجواب: إن الهاجمين متفاهمون على الغاية المنشودة، ومتعاونون فى الطريق الطويل، ويقيم بعضهم بعضا إذا كبا، ويغطيه إذا تعرى، ومع أن للكثير منهم أخطاء مذلة فقلما تجد من يتتبعها، وقد وزعوا الأدوار بينهم ومشوا إلى هدفهم متساندين.

أما نحن فما بيننا متقطع، وإذا تصالح ندامى الحان، وتشاكس إخوان المسجد، فستنكسر المئذنة ويستولى السكارى على المحراب.

اطلعت أمس على مجلة أحبها فقرأت فيها لمزا للأديب الحر المصلح عبد الرحمن الكواكبى وتفسيقا لرجلين من بناة النهضة الإسلامية الحديثة..

وأنا أحد تلامذة (المنار) وشيخها محمد رشيد، وأستاذه الشيخ محمد عبده. وأنا أعرف أن المتنبى غفر الله له كان يحب المال إلى حد البخل ويحب الإمارة إلى حد الجنون. ومع ذلك أطرب لشعره، وأستجيده وأستزيده، وإذا لم يكن أميرا لشعراء العرب فهو من قممهم.

إننى لا أجعل عيبا ما يغطى مواهب العبقرى، ثم لحساب من أهدم تاريخنا الأدبى والدينى؟ ولمصلحة من أشتم اليوم علماء لهم فى خدمة الإسلام وكبت أعدائه كفاح مقدور؟

ومن يبقى من رجالنا إذا أخذت تاريخ الشيخين أبى بكر وعمر من أفواه غلاة الشيعة، وتاريخ على بن أبى طالب من أفواه الخوارج، وتاريخ أبى حنيفة من أفواه الإخباريين، وتاريخ ابن تيميه من ابن بطوطة وابن فلان، وتاريخ محمد بن عبد الوهاب من أفواه الترك.. الخ!

وددت لو أعنت على محاكاة أبى حامد الغزالى مؤلف (إلجام العوام عن علم الكلام) فألفت كتابا عنوانه (إلجام الرعاع والأغمار عن دقائق الفقه ومشكل الآثار) لأمنع الصغار عن مناوشة الكبار وأشغلهم بما يصلحون له من أعمال تناسب مستوياتهم، وتنفع أممهم بهم.

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى #علل_وأدوية
كلمة حرة
نشر في 09 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع