1152 مشاهدة
1
1
إن الدعوة تعنى عرض الإسلام كله، وشرح كتاب جعله الله تبيانا لكل شىء، وتقريب نبوة جعلها الله ريادة إلى ميادين الكمال الإنسانى كله، من كتاب علل وأدوية
كتاب : علل وأدوية - بقلم : الشيخ محمد الغزاليالحلقة [ 27 ] هل نواجه هذه الحقائق؟
يخطىء من يحسب الدعوة إلى الله عظة منبر حارة الأنفاس أو باردتها، إن هذه العظات جليلة القدر عندما تذكرنا بالله وتدفعنا إلى مرضاته وتصدنا عن سخطه، ولكنها بعض أساليب التعليم والتربية، ولا تمثل إلا جزءا يسيرا من النشاط الإسلامى الرحب.
إن الدعوة تعنى عرض الإسلام كله، وشرح كتاب جعله الله تبيانا لكل شىء، وتقريب نبوة جعلها الله ريادة إلى ميادين الكمال الإنسانى كله.
ومن هنا فلابد أن يكون الداعى مستكمل الزاد من جميع العلوم الشرعية والإنسانية والأدبية حتى يقدر على تحمل هذا العبء واجتياز الدروب الشاقة به.
والمسلمون فى هذا العصر يواجهون حقيقتين مرتين..
الأولى أن خلافتهم غاربة، ووحدتهم الكبرى معتلة، وشرائعهم معطلة، وأخوتهم العامة منكورة، ومنابعهم الفكرية كدرة، وأخطاءهم القديمة باقية، وأمانيهم فى المستقبل مشوشة، والقوى التى هزمتهم من الخارج لا تزال مكشرة الأنياب، والجراثيم التى هدتهم من الداخل لا تزال تسرح فى كيانهم دون وجل.
ما أشبههم بشركة تجارية أفلست تحت وطأة فوضى إدارية، ومنافسات أجنبية، فلما أرادت تجديد ذاتها واستئناف نشاطها أتت بجهاز يريد استحياء ذات الأساليب الأولى وتجديد نفس الظروف القديمة.
أريد أن أسائل كل غيور: لماذا لا ندرس أخطاءنا ببصيرة وأناة وشجاعة.
لقد وصف الله الحق بخصائصه العظيمة عندما قال: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
إن الحق يرفع أصحابه وينفع الإنسانية كلها، وبالحق ساد سلفنا وأنشئوا حضارة أجدت على العالم واستظل بها الأعداء والخصوم.
فما الذى فقدناه نحن من عناصر هذا الحق الغالى فى مجالات الخلق والحكم والعلم والحضارة والقانون، حتى هبطنا من الأوج إلى القاع؟
ألا ندرس بتواضع وإخلاص ما عرانا حتى نحسن الخلاص من عللنا؟
يؤسفنى القول إننا نتعمد إهمال هذه الدراسة، ونحاول الاستشفاء من أدوائنا بأدواء أخرى، وعندما ألقى نظرة سريعة على رجال الدعوة وما يشغلهم من قضايا أشعر بالأسى.
أما الحقيقة الأخرى التى تواجه المسلمين المعاصرين، فهى فى العالم الكبير الذى يبدأ مباشرة وراء دار الإسلام.
إن هذا العالم أضحى أشد منا قوة وأعز نفرا، حتى عبيد الأصنام فجروا الذرة ومازلنا نحن نفكر ونؤمل! لماذا لا نعرف هذا العالم معرفة دقيقة صحيحة؟
إن هناك نشاطا بشريا موارا يدور فى جوانبه، وأعنى أن نشاطه يتناول الخصائص العليا والغرائز الدنيا فى الإنسان، العقل يفكر بقوة والشهوة تنطلق بحدة، والموازنة بينهما متروكة للفرد والمجتمع.
ويبدو أن التقدمين العلمى والصناعى يتابعان طفراتهما دون عائق كما أن التراتيب الإدارية فى كل أفق يسودها نظام صارم. ومع عرام النزوات الفردية والمظالم العرقية فإن كفة الإنسانية الأرقى لا تزال أرجح.
بيد أن ذلك لا يحمل صفة الدوام، فقد تنتحر هذه الحضارة بسبب التناقضات التى تنشر فيها، أو بسبب تنكرها لله رب العالمين ورفضها الاعتراف به والاستعداد للقائه.
على أن تناحر الأقوياء لا يجدى الضعاف إذا بقوا صرعى عللهم، وعلى المسلمين أن يستشفوا أولا مما نزل بهم، وأن يحسنوا الإفادة من آثار الفطرة السليمة فى كل شبر من أرض الله ليمكن أن يرثوا الأرض.
إن أمامنا ـ نحن الدعاة المسلمين ـ مصدرين للمتاعب يجب التغلب عليهما.
الأول: أسباب الهبوط الموروثة من تقاليد فكرية واجتماعية وسياسية تتبخر عندما تعرض على كتاب الله وسنة رسوله.
والثانى: أمواج الغزو الثقافى التى انتهزت فرصة انحلال الشخصية الإسلامية وحاولت جعل الهزيمة العسكرية ارتدادا عاما عن الإسلام.
الحق أن المقاومة الإسلامية صمدت بنجاح، بل إنها استعادت بعض المراكز التى فقدتها، وهى ماضية إلى غايتها بعزم شديد.
لكن الهجوم متتابع، ودواعى القلق تزيد ولا تنقص، والأمر لا يغنى فيه كفاح فرد، ومنذ أربع سنين انعقد فى المدينة المنورة مؤتمر عالمى لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة تمت فيه مقررات حسنة، والسؤال الآن: هل انتهت مشكلات الدعوة والدعاة، واستغنى المسلمون عن عقد مؤتمر آخر؟
الواقع أن الحال تتطلب مزيدا من الدراسات، ومزيدا من المقررات التى تجد طريقها إلى النور.. والمهم أن نصدق فى تشخيص عللنا، وتتبع جذورها فى الماضى القريب والبعيد.
إن أحدا غيرنا لن يدفع ثمن المغالطة والخداع، إننا وحدنا المسئولون.
----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى #علل_وأدوية
نشر في 10 تموز 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع