1313 مشاهدة
0
0
حياتنا في النهاية، سلسلة امتحانات متتالية، امتحانات حاسمة مصيرية تغير المسار ويعتمد عليها ما بعده.. حتى مصيرنا الآخروي
حياتنا في النهاية، سلسلة امتحانات متتالية.في كل مفترق طرق، هناك خيار، هناك اختبار، هناك امتحان.
لكن، كما في الحياة الدراسية هناك امتحانات حاسمة، مصيرية، تغير المسار ويعتمد عليها ما بعده..هناك ايضا امتحانات كهذه في حياتنا الواقعية..امتحانات تحدد مصيرنا ( ربما حتى مصيرنا الآخروي).....
امتحانات كبيرة كهذه تتعلق عادة بقدرتنا على الثبات على مبادئنا، أن نكون على قدر ما مؤمن به...أن نثبت أهليتنا لما نعتنقه من أفكار..
عندما تكون الأمور يسيرة، لطيفة، لن تكون هناك مشكلة في أن تعتنق أفكارك ومبادئك وأن تتحدث عن ذلك بل وأن تحكم على الناس بها..
لكن الامتحان هو أن تتمسك بها عندما تأتي ساعة الجد والاختبار..أن تبقى عليها بينما الإعصار يضربك من الداخل ومن الخارج ومن كل الجهات...
امتحان كهذا لا يحدث في كل خطوة..لا يحدث دوما..لكن عندما يحدث، فقد تكون نتائجه..دائمة..
*******
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ
سورة العنكبوت تتحدث عن هذا النوع من الامتحانات...الامتحانات الكبرى..الأهم حتى من امتحانات الثانوية العامة...
تتحدث عن الامتحان- الفتنة..
*****
مالذي يمكن أن يكون هذا الامتحان الذي تعرض له الذين آمنوا في تلك الفترة؟
الامتحانات كثيرة ومتداخلة ومتعددة، لكن لا بد أن يكون هناك " امتحان كبير" ..جديد من نوعه..تعرض له المؤمنون...بحيث كان فتنة...
مالذي يمكن أن يكون..وقد تعرضوا فعلا للكثير من الامتحانات والفتن منذ أن آمنوا...بل أن خيار الإيمان - وإظهاره- كان ايضا فتنة...
ما هي هذه الفتنة الجديدة؟
سنعرف بمجرد أن نعلم متى نزلت هذه السورة...
*****
سورة العنكبوت من أواخر ما نزل في مكة..قبل هجرته عليه الصلاة والسلام..
في الحقيقة، وفي تسلسل الترتيب الأكثر انتشارا، السورة كانت قبل الأخيرة بالنسبة للفترة المكية..وبعض الأقوال تجعل آياتها نزلت بين مكة والمدينة..
ونحن نعرف طبعا أن المسلمين كانوا قد سبقوا الرسول عليه الصلاة والسلام في الهجرة إلى المدينة..
أي أن سورة العنكبوت نزلت في الوقت الذي كان فيه بعض المسلمين يهاجرون، سرا أو جهرا إلى المدينة...
الامتحان الكبير هو هذا..هو قرار مغادرة مكة...الأمر ليس سهلا على الجميع..مهما كان الأذى الذي تعرضوا له...لكن في النهاية كانوا قد صمدوا لسنوات طويلة..مالذي يمكن أن يحدث أسوأ...
لقد مروا بالكثير فعلا ولكنهم، بعد 13 سنة بالنسبة للبعض منهم، كانوا قد تعايشوا مع الواقع الصعب..
لكن هذا القرار الجديد...أن يتركوا مكة...الأهل والأقارب ممن بقوا مشركين ولكن أيضا لا يزالون أقرباء.....العشيرة..العمل والمال...البيوت...
وأن يذهبوا إلى وضع جديد لا يزال مجهولا..ومن المؤكد أن العودة عنه لن تكون سهلة..
لم يكن القرار سهلا..
كثيرا ما تتعبنا أوطاننا..في الحقيقة كثيرا ما تفعل بنا أكثر بكثير من مجرد التعب..لكن قرار مغادرتها ليس سهلا بالمرة..على الأقل بالنسبة لكثيرين...قد يستغرق منهم سنوات من التفكير والأرق والقلق..وقد لا يصلون له أبدا...وقد يكون أسهل لآخرين...لكنه في العموم، قرار مصيري...فتنة..
هكذا هو الأمر اليوم...وقد كان كذلك وأكثر وقتها..الهجرة اليوم مألوفة، والناس يتبادلون التهاني عندما يحصلون عليها...لكنها لم تكن كذلك آنذاك..وهذا التنقل لم يكن مقبولا بالنسبة للعربي الحضري...من يولد في مدينة يموت فيها غالبا...
لكن...
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
*********
لو قرأنا السورة من هذا المنظور...لوجدنا لكل شيء معنى مختلفا...
وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ
الجهاد؟ السورة مكية...قبل أي معركة...لكن المشكلة هي في فكرتنا التي تقصر الجهاد على الحرب والقتال وتنسى أنه بذل للجهد وأن بعض المواجهات الشخصية الاجتماعية تكون أكثر ضراوة من أي مواجهة عسكرية..
هذا القرار جهاد أيضا...
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
نعم..مفهوم جدا الآن...كان هناك من الآباء والأمهات من يحاول أن يستخدم العاطفة كوسيلة لابتزاز أولادهم على البقاء وعدم الهجرة...
فلننتبه أيضا إلى " جاهداك"...هذا جهاد أيضا، ولكن من الطرف المقابل، يبذل فيه جهده وعواطفه من أجل هدف معين..
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
ابقوا معنا ونحمل عنكم ذلك..يا للإغراء..فليبق الوضع الساكن كما هو بأي ثمن...
ثم تعرض السورة لقصص أنبياء في لحظات خروجهم من مدنهم...كل قصة من هذه القصص عرضت سابقا في سور مختلفة...لكننا الآن نراها على نحو مختلف...هذه المرة نراهم وهم يهاجرون...كما يجب أن يفعل من تنزلت السورة بينهم..
نرى نوح وهو يركب السفينة...وإبراهيم وهو ينجو من النار ويخرج من قريته..
بل اننا سنرى لوطا وهو يعلنها... فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي
لم يستخدم لفظ " مهاجر" في وصف أي نبي في القرآن...هذه هي المرة الوحيدة..وقد جاءت في سورة العنكبوت...السورة التي أنزلت بينما المسلمون يعدون العدة للهجرة من مكة بالتدريج...
صدفة؟ حاشا لله...
********
حتى المثل الذي أخذت السورة اسمها منه..نقرأه الآن على نحو مختلف..
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
...هذه البيوت التي تتمسكون بها..المجتمعات التي لا تريدون الهجرة عنها ...مهما كنتم تحبونها ومتعلقين بها...مهما بدت جميلة مزخرفة أو مريحة..
في حقيقتها، ليست أقوى من بيوت عنكبوت...قد تنهار في أي وقت...
..لو أن بعضنا نظر بصدق وتجرد إلى الكثير من مجتمعاتنا..أوطاننا..
لقلنا دون مواربة..
نعم...نعيش في مجتمعات عناكب..
*******
وفي نفس السورة جاءت أيضا هذه الآية...
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ
إنها تأشيرة هجرة...من نوع مختلف عن الذي نعرفه..
******
وتنتهي السورة مرة أخرى بالجهاد..
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
الجهاد مرة أخرى، في سورة مكية..في خضم الصراع الداخلي لقرار الهجرة..
لأنه أكبر بكثير من أن يختزل بمعركة سيوف أو قنابل...
وسبلنا؟
لعلها تلك الطرق التي ستتيسر لاحقا..بعد تنفيذ القرار...
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
نشر في 08 حزيران 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع