Facebook Pixel
1890 مشاهدة
2
0
Whatsapp
Facebook Share

تأملات في سورة الأنفال من أروع ما يكون، سورة الأنفال هي سورة محاسبة المنتصر، ففي القرآن شيء مختلف عن المفاهيم في الحياة التي نعيشها

سورة الأنفال هي سورة " محاسبة المنتصر".
قد نتوقع في مفاهيمنا أن المنتصر يجب أن يتلقى التهنئة بالفوز..بينما يتلقى الخاسر اللوم والتقريع.
القرآن يقوم بشيء مختلف تماما...في "آل عمران" جبر خواطر المكسورين بعد هزيمة أحد.
وهنا، في الأنفال، بعد نصر يوم بدر، اللهجة شديدة القوة، بدلا من أكاليل النصر المتوقعة، هناك المحاسبة ...وبقوة.
لكن هذا لا يحدث إلا لحكمة بالغة.
فالمهزوم قد يحتاج إلى أن يجبر خاطره كي يتمكن من أن يعبر هزيمته نحو الضفة الأخرى دون أن يسقط في فخ المظلومية والمؤامرة، ودون أن يتحول جبر الخاطر إلى إلهائه عن مسؤوليته عن الهزيمة.
لذا فجبر الخاطر في وقت الكسر، هو استراتيجية التئام وشفاء.
فما بال المنتصر؟ لم يحاسب؟
لأن نصره ببساطة يمكن أن يتحول إلى هزيمة أكبر من هزيمة الخاسر، لو سقط في وهم الغرور وتصور أن النصر كان نتيجة حتمية لجهوده. وكثيرا ما يحدث هذا، في الكثير من الانتصارات، حتى على الصعيد الشخصي، بل بالذات على الصعيد الشخصي.
لذا تأتي الأنفال لكي تجعل المنتصر يعيد حساباته ويراجع نفسه كما لو كان قد تلقى هزيمة قاسية توجب عليه المراجعة وإعادة التقييم.
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم...واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة..لا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس...
اتقوا الله واصلحوا ذات بينكم؟ كانوا على وشك الاعتقاد أنهم على قمة جبل التقوى والصلاح، لكن تعالجهم السورة في مطلعها وهي تقول لهم اتقوا الله..
تذكرهم أن منهم من لم يكونوا يريدون الخروج لبدر أصلا ، وأنهم جادلوا في ذلك...جادلوا فيما قاد إلى هذا النصر الذي يمكن للشيطان أن يوسوس لهم أنه كان نتيجة حتمية لجهودهم ...
السورة تسحب منهم " استحقاق النصر"...فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى
هل أصابكم الغرور على هذا الذي تحقق؟ حسنا.خذوا هذه الآن .. أنتم لم تقاتلوا أصلا. وهذا الرمي الموفق لم يكن رميكم....الله رمى...
فلننتبه أن هذا لم يحدث قبل القتال، بل حدث بعده، وبعد تحقق النصر، ولو كان حدث قبل لما قاد إلى النصر، خطاب ما قبل المعركة كان مختلفا جدا ومنسجما مع وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ،... لو اعتقد المؤمنون قبل القتال أنهم لن يقاتلوا ولن يرموا بل الله هو الذي سيفعل فذلك لن يجعلهم حريصين على شيء...بل سيفتر همتهم...
لكن خطاب ما بعد النصر هو الذي ينفي عنهم الفعل..هو الذي يزيل وهم انتفاخ الذات..وهم قد قاتلوا ورموا بالتأكيد...لكن هذا لا يعني أن جملة من الظروف المحيطة بهم وداخلهم وداخل الكافرين لم تكن عوامل فاعلة في تحقيق النصر...إيمانهم بمدد الملائكة مثلا ساهم في رفع معنوياتهم، الكفار فقدوا عزمهم بعد نجاة قافلة قريش ( والله موهن كيد الكافرين)..لو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد..ورؤية عدد المشركين في المنام قليلا...كل هذه جملة من الظروف التي لم يكن للمؤمنين دخل في إنشائها..ولكنها ساهمت في تحقيق النصر..
بل حتى " الظروف الصعبة" التي ننتصر أحيانا " بالرغم عنها"، حتى هذه تساهم في تحقيق الانتصار على نحو غير مباشر..ذلك أن التحدي الذي تشكله الصعوبة يساهم في تحقيق استجابة داخلية تزيد من القوة والعزم..
يحدث هذا دائما...على مستوى المواجهات الشخصية الكبرى كما على مستوى الأمم في طريق نهوضها وانتصاراتها...
****
في كل نصر، هناك طاووس رابض كامن، ينتظر اللحظة..
طاووس مزهو، يتحرك بخيلاء...
طاووس مفترس، يفترس صاحبه ويحيل نصره إلى هزيمة أقسى من هزيمة الخصم...
لكن سورة الأنفال تقترب منك، وتعطيك سكينا..
يمكنك أن تذبح هذا الطاووس...
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
د.أحمد خيري العمري
نشر في 24 أيّار 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع