تأملات رائعة في سورة الرعد

تأملات في سورة الرعد من أروع ما يكون، سورة الرعد هي سورة التغيير لكنه التغيير كما يجب أن يكون، وليس كما نتوهمه أن يكون

سورة الرعد هي " سورة التغيير".
لكنه التغيير كما يجب أن يكون، وليس كما نتوهمه أن يكون.
لدينا غالبا فكرة ساذجة عن التغيير..فكرة عن كون التغيير يأتي بضربة سحرية تغير الواقع - أو الأشخاص- بلمح البصر...وهذه الفكرة تكون "معوقة" لأي تغيير حقيقي لأنها ببساطة ترفع سقف التوقعات "السريعة" على نحو يجهض آلية التغيير البطيئة لصالح " عمليات تجميل" سطحية سريعة النتائج - كارثية العواقب...
سورة الرعد تزيح هذا الوهم من أذهاننا، تعلمنا أن نتعامل مع التغيير على حقيقته..بطيء وتراكمي ويستغرق وقتا طويلا...لا سحر ولا ضربات عصا ولا معجزات خارقة..
السورة تنبهنا منذ بدايتها إلى أن هذا الكون مبني على قوانين، السماء مرفوعة بعمد - قوانين غير مرئية..وكل تغيير منشود لابد أن يكون مبنيا على قوانين من باب أولى..
التغيير هو جوهر السورة، تأخذنا إلى الظواهر الطبيعية في مد الأرض وخصوبة الأرض ونزول الأمطار، وكل ذلك يقود إلى ماذا؟ إلى الثمار..الثمار لا تأتي " بضربة عصا" أو بمعجزة...كذلك التغيير...هو الثمرة المنشودة التي تتطلب كل ما تتطلبه الثمرة من جهد ووقت وتداخل عوامل وظروف...
يضرب الله المثل بالحمل...اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ..وكل حمل يستغرق وقنا أطوارا متتالية ليصل إلى نهايته..وكذلك التغيير...لا بد له أن يمر بمراحل تنقله من البذرة إلى الجنين إلى الطفل المكتمل..وسيبقى بحاجة إلى الرعاية والحماية حتى بعد ولادته...
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...التغيير لا يأتي كهدية من السماء...ولا حتى كلعنة منها..هو يأتي من داخلنا..." ما بأنفسنا"...يمكن أن نفهم " ما بأنفسهم" على أنها " الذي بأنفسهم" - أو نفهمها على أنها " يقوموا بالتغيير بأنفسهم" - والأمران متطابقان من عدة جوانب..وحتى " بأنفسهم" يمكن أن تفهم على أنها "نفوسهم".." أخلاقهم" .." قيمهم"..ويمكن أيضا أن تفهم " وعيهم".." أفكارهم"...ولا أرى مرة أخرى فارقا كبيرا بين الأمرين..
المهم أن التغيير لا ينزل بالمظلة من أعلى...بل يشق الأرض كنبتة تأخذ وقتها في النمو...
السورة تبنهنا أيضا إلى أن التغيير لا يشترط أن يكون إيجابيا بالضرورة..وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ ..كم من تغيير منشود هللنا له ثم صار يعد أسوأ ما مر بنا..لكن التغيير حاصل..إن لم نوجهه إلى أن يكون إيجابيا..سيكون سلبيا...مجرد البقاء في "نفس الوضع" هو تغيير سلبي...لأن الواقع يستمر بالتغير والتحرك..وعدم " تغيرك" لتواجه هذه التغييرات يعني أنك تتغير سلبيا..
تأخذنا السورة أيضا إلى صورة شاملة كبيرة للتغيير كما يحدث في الواقع..
أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
المشهد يأخذ وقتا طويلا...الماء ينزل ..الأودية تسيل..الزبد يطفو...الحق والباطل يتواجهان في المحك الحقيقي: ما ينفع الناس....
وهذا يتطلب وقتا بالتأكيد، لأن النفع والضر قد لا يتبين على المدى القصير...الآثار الآجلة هي التي ستحدد ما سيمكث في الأرض وما سيذهب جفاء...
هل يريدون أن يكون التغيير سريعا مثل وجبة جاهزة؟ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا
لكن القرآن لن يفعل ذلك...ليس مطلوبا هذا منه...بل يفعل فعل المطر في الأرض..تغيير حقيقي يأخذ وقته لكي يحدث...وتدخل فيه كل السنن والقوانين والعوامل اللازمة...
********
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ...
برق ورعد إذن..
البرق يضيء الليلة المظلمة..والرعد، صوته مهيب...يهز القلب...
لكن ما يحدث بعدهما هو الذي يحدث التغيير الحقيقي الذي أشارت له السورة كمثال..
المطر...
الرعد والبرق دون مطر لن يحدثا تغييرا في الأرض...
" الصوت والضوء" مجرد إشارة لك لكي تنتبه إلى ما سيحدث لاحقا - لو حدث- ..المطر....كي تساهم فيه..كي تكون شريكا..
" ما بأنفسهم"...
****
الرعد والبرق الحقيقي في الداخل..
صوت وضوء في أعماقك ..
المهم أن لا تكتفي بذلك..
المهم أن تمطر أيضا..
" ما بأنفسهم"..
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري