2169 مشاهدة
0
0
تأملات رائعة في سورة إبراهيم من أروع ما يكون، هي سورة الخروج من الظلمات إلى النور ويمكن تسميتها أيضاً سورة المجتمع المستقر الآمن
سورة إبراهيم هي سورة "الخروج من الظلمات إلى النور"..أو ربما يمكن تسميتها أيضا سورة المجتمع المستقر الآمن...افتتاحية السورة تقول كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ...
وبعد آيات يأتي ذكر سيدنا موسى..أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
إذن قوم موسى كانوا في الظلمات...كيف هي الظلمات تحديدا؟
إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ
إذن الظلمات هي العيش في مجتمع فيه ظلم وقهر واستعباد. مجتمع مستبد بمختلف أنواع الاستبداد واشكاله...إنها " ظلمات" وليست ظلمة واحدة...لأن أشكال الاستبداد والاستعباد تتعدد وتختلف ( وقد تكون لها مسميات لطيفة جدا ووواجهات مزينة بشعارات توحي بعكس ذلك)...
تلك كانت الظلمات، فأين النور الذي يفترض أن نخرج إليه عبر " الكتاب"...
السورة تأخذنا إلى من سميت على اسمه، سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام..هناك سنتعرف إلى " المضاد الموضوعي" لمجتمع الظلمات..إلى المجتمع المعاكس...إلى النور..
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ....رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ..
هذا الدعاء للبلد " الجديد" أن يكون آمنا...حرا بلا قيود ( بلا أصنام)...عادلا مستقرا مزدهرا..هذا هو " النور" في الدنيا...هذا هو " الهدف" الدنيوي الذي يقود بنائه إلى نور الآخرة...
إيراهيم لم يبن ذلك المجتمع لنفسه، بل كان " مصير ذريته" في نصب عينيه في الدعاء...
اجنبني وبني...أسكنت من ذريتي....
كان يريد لأولاده أن يعيشوا في مجتمع مستقر آمن حر..بكل معاني الاستقرار والأمان والحرية..
بالضبط كما نريد لأولادنا أن يعيشوا في مجتمع آمن..
وكانت تلك هي اللحظة الأعلى في رحلته عليه السلام...كانت تلك قمته بعد رحلة وعرة...
ربما لذلك أخذت هذه السورة تحديدا اسمه...توزعت قصته على سور كثيرة في القرآن..وكان له محطات ومواقف مهمة للغاية...لكن هنا..وصل للهدف ( الدنيوي) - على الأقل- هنا تأخذنا السورة إلى نهاية الرحلة...لذلك تأخذ اسمه..كما لو أنها تريد أن تربط سيدنا إبراهيم دوما بنهاية رحلته...بالمجتمع الذي سعى لتحقيقه..,المجتمع الذي نريده جميعا...
*****
أولئك الذين يقررون - في خيار صعب- أن يتركوا أوطانهم نحو بلاد الهجرة واللجوء...كانوا بطريقة ما أيضا بيحثون عن الخروج من ظلمات مجتمعاتهم إلى نور المجتمعات أخرى ..أو على الأقل إلى مجتمعات أخرى تبدو ظلماتها أقل ظلمة...أو يبدو أن فيها من النور أكثر...
أولئك الذين يتركون كل شيء خلف ظهورهم، كل ما خلفه لهم آباؤهم ، من أجل مستقبل أفضل لأولادهم..
بعضهم يدفع حياته - حرفيا - خلال ذلك..
وبعضهم يدفع حياة أولاده...ليس من خلال موتهم المباشر أثناء محاولة الهجرة...بل لاحقا...بموت من نوع آخر..مع استمرار بالتنفس وبقية الوظائف الحيوية..
نعم، مجتمعاتنا " ظلمات" ...فيها ظلمات كثيرة...
وبعض من " يدعي التمسك بالكتاب" يزيد ظلمة هذه المجتمعات بظلمة إضافية منسوبة هذه المرة إلى القرآن الذي يفترض أن يأخذنا إلى النور...
كل من يفكر في الخروج من الظلمات محق..لا يمكن لومه ولا قليلا...
المهم أن يتحرى النور في المكان الذي يتوجه له..
أو على الأقل يسعى لتأسيسه....
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
نشر في 27 أيّار 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع