3615 مشاهدة
5
1
تأملات في سورة النمل من أروع ما يكون، حيث كثيراً ما نستعجل النتائج على نحو يجعلنا لا نصل لها أبداً
كثيرا ما نستعجل النتائج على نحو يجعلنا لا نصل لها أبدا...نحاول الوصول بأقصر الطرق وأقلها تكلفة، وتكون النتيجة باهظة الثمن على كل النواحي...يكاد هذا النزق يكون طبيعة بشرية، يكاد يكون هو الأصل في السلوك البشري...
لكن البشر يتعلمون من تجاربهم، أو هذا ما يفترض أن يحدث على الأقل...لذا فقد تم ترويض هذه الطبيعة البشرية وتقليل مخاطرها...عند البعض..
ولا يزال كثيرون، يتركون هذه الطبيعة البشرية تحتجزهم في متاهة من التجارب والأخطاء المكررة..يكررون دوما نفس تجربة الاستعجال بحذافيرها، على أمل أن " تضبط" معهم هذه المرة..
ولا تضبط أبدا..
******
سورة النمل تقول لنا شيئا ساطعا عن هذا كله..
تقدم لنا أولا نبي الله موسى عليه السلام وهو يستلم الوحي أول مرة..
كان مع أهله في الصحراء، مجرد رجل فقير ومطلوب للعدالة مع أهله، يسيرون في الصحراء...على هامش الهامش..لو أن قطاع الطرق هاجموهم وقتلوهم لربما لم ينتبه لفقدانهم أحد..وربما ما تغير شيء من حياة أحد..
لكن ما حدث بعدها أحدث تغييرات في العالم كله..
رأى موسى نارا ، فذهب يطلب من أصحابها خبرا عن الطريق أو ربما قليلا من النار يستخدمها لأهله..
عاد بخبر عن الطريق بالفعل..لكن ليس أي طريق...عاد بالوحي الذي يشق الطريق الصواب للجميع..
وما حدث بعد ذلك، أصبح تاريخا يعرفه الجميع...
*******
تنتقل بنا السورة بعدها من موسى إلى سليمان وداود عليهما السلام...
سليمان لديه معارف كثيرة من ضمنها منطق الطير وحتى النمل..وبسبب فمملكته مزدهرة وقوية..
سنراه وهو يخاطب ملكة سبأ ويعرض عليها الدخول في دينه...
وسنرى ما يحدث في كواليس القصر عندها ونقاشها مع حاشيتها..
ثم ما استخدمه سليمان من " العلم" لكي يبهرها بقوة وتقدم مملكته...
ثم إسلامها...
****
مالعلاقة بين المشهدين، الأول والثاني؟
يمكن أن نلاحظ مثلا كيف تغير موقف " الملك " من نفس الدعوة إلى الله..
موسى وفرعون...سليمان وملكة سبأ...
فرعون لم يقتنع رغم كل ما قدمه موسى من براهين..
مع ملكة سبأ كان الأمر أكثر يسرا بفارق كبير...
هل يتعلق الأمر ببصيرة ملكة سبأ مثلا - بما يبدو أنه بعد عن الإنفراد بالرأي بكل ما يمثل ذلك من صفات؟
أم أنه يتعلق أيضا بالفارق الكبير بين أن يأتي موسى كفرد ( مهما كان مؤيدا بمعجزات) وبين أن يأتي رسول سليمان ممثلا لدولة قوية مزدهرة ومتقدمة بمقاييس عصرها...
يمكن أن تدلنا آيات سورة النمل نفسها على بعض الفروق والروابط..
مع فرعون..
وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ...ظلما وعلوا...كانوا " عالين"..وأستعلوا أكثر...
أما في رسالة سليمان لملكة سبأ..
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
الآن الطرف المؤمن صار أعلى..وهو يطلب من الطرف الآخر أن لا يكون أعلى منه...
هل لعلو الطرف المؤمن أثر في تجاوب ملكة سبأ معه؟
بلا شك...
******
لكن العلاقة الأهم بين المشهدين برأيي تتعلق بشيء آخر ...
العلاقة بين موسى تقريبا لوحده ومطلوب للعدالة وهو يستلم الوحي، وبين سليمان وهو يوجه رسالة إلى ملكة سبأ هو " عامل الوقت"..
أجيال كثيرة فصلت بين بني إسرائيل في عهد موسى، وبينهم في عهد سليمان..أجيال خاضت الكثير من التجارب وحصلت على الكثير من الخبرات إلى أن وصلت إلى المرحلة العليا في عهد سليمان..
أخذت الثمرة وقتها...الكثير من الصراع مع النفس وسنوات في التيه وتجارب دفعت فيها تضحيات كبيرة..
لكن الثمرة في النهاية أثبتت أنها تستحق...
عدا الثمرة الآخروية التي تستحق أكثر...في النهاية جدا..
*****
ومقابل هذا النجاح الذي تطلب وقتا كبيرا، تأخذنا سورة النمل إلى الدمار العاجل الذي أصاب قريتي صالح ولوط..
قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
وكانت النتيجة سريعة بعد تكذيبهم..
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
وكذلك كان الأمر مع قوم لوط...تكذيب ودمار سريع
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ
********
بينما تعرض سورة النمل أنعم الله على عباده،..تأتي آية قد تستوقفنا..
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ
هذه الآية هي ضمن سياق الحديث عن أنعم الله ..خلق السموات والأرض..نزول الماء وإنبات الشجر..استقرار الأرض والأنهار إلخ...
وفجأة تأتي هذه الآية...أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض...
في آية واحدة انتقلنا من وضع " المضطر" إلى " خلفاء الأرض"..
لكن السياق يخبرنا أن الأمر يستغرق وقتا طويلاـ وأن العلاقة بين الإثنين كالعلاقة بين قطرة المطر وعلو الشجر في الآيات السابقة..
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)
********
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ
كأفراد، ليس أمامنا سوى أن نفعل ما ينبغي فعله، نحن جزء صغير جدا، بحجم نملة، من مشهد كبير جدا لن نتمكن من رؤيته كاملا..
علينا أن نفعل ما يجب أن نفعله...من أهتدى فلنفسه..
نعم نحن صغار في النهاية بحجم النملة..
لكن دأب النملة هو الذي يحقق ذلك التراكم الكبير في النهاية..
داب نملة...وتحليق هدهد..
وقلب وعقل مؤمنين...
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
نشر في 06 حزيران 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع