5895 مشاهدة
6
1
تأملات في سورة اللأعراف من أروع ما يكون، سورة الأعراف هي عن علاقة المجتمعات بالله سبحانه وتعالى
إذا كانت سورة الأنعام هي عن علاقتك الشخصية بالله عز وجل، فأن السورة التي تليها، "سورة الأعر اف" هي عن علاقة المجتمعات به سبحانه وتعالى.هكذا انتقلنا من " وجهت وجهي" و" صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي" و " أول المسلمين" و " جئتمونا فرادى" إلى " يا بني آدم" و" أهل القرى" و" لكل أمة أجل"و " كلما دخلت أمة لعنت أختها"..
والعلاقة بين الأمرين مهمة ومتشابكة ومعقدة، الصلاح الفردي مهم، وهو محور سورة الأنعام، ولكن هل الصلاح الفردي ممكن إذا كان المجتمع يسير باتجاه آخر؟ هل النجاة الفردية ممكنة إذا كان المجتمع سفينة هائلة الحجم تغرق ببطء في عرض المحيط؟
ننتقل هنا من سورة الأنعام التي قدمت لنا سيدنا إبراهيم " منفردا" في تلك الليلة التي أعلن فيها أنه لا يحب الآفلين، إلى سورة الأعراف التي قدمت لنا الأنبياء ( نوح وهود وصالح ولوط وشعيب) ومن معهم من المؤمنين وهم يحاولون إصلاح مجتمعاتهم...
هذه السورة بالمناسبة هي أول سورة تعرض هذه القصص في القرآن حسب ترتيب القراءة ( التوقيفي والمختلف عن تسلسل النزول)..ورد ذكر بعض هؤلاء الأنبياء كأسماء في سور سابقة من التي مررنا عليها، مثل سورة النساء "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ "..لكن قصص الأنبياء هؤلاء وردت أول مرة" حسب الترتيب" في سورة الأعراف..أي أننا لو لم نكن نعرف عنهم شيئا إلا من القرآن، لكانت سورة الأعراف هي أول مرة نتعرف فيها على " قصص هؤلاء الأنبياء"..
لكن هذه ليست قصص أنبياء فحسب...هذه قصص معاناتهم مع أقوامهم ومجتمعاتهم في سبيل إصلاحها...كل القصص التي ذكرت هنا في الأعراف هي قصص دعوتهم لأقوامهم..وكلها قصص انتهت بخروج الأنبياء والمؤمنين من مجتمعاتهم، وتعرض هذه المجتمعات للدمار...
هذا باختصار هو ما حدث في كل القصص التي ذكرت لأول مرة في سورة الأعراف...الرسالة هنا واضحة، لا نجاة فردية..لا يمكنك أن تنجو بمفردك بينما يذهب مجتمعك إلى القاع..عليك أن تحاول كل ما في وسعك، وهذا وحده يمكنه أن يعطيك تذكرة نجاة..قارب نجاة تقفز به ومن معك من السفينة الغارقة...
الأمر ثقيل وصعب حتما..الأمر هنا ليس أن تؤمن شخصيا فقط، بل أن تمد يدك لتساعد الآخرين في إيمانهم..وكثير منهم لا يرغبون بذلك أصلا..هل هذا يفسر ما ابتدأت به السورة؟
كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ...
فلنتذكر هنا أنك عندما تدخل قصص الأنبياء وهلاك أقوامهم في سورة الأعراف، ثم تأخذك السورة بعدها إلى ما مر معك سابقا من قصة فرعون وموسى، فأنك لا تعود تنظر إلى القصة كما في السابق..الآن أصبحت تعي أن موسى خرج بكل قومه ..استطاع أن يأخذهم جميعا في قارب النجاة...لم يكن الأمر كما حدث في قصص الأنبياء الآخرين الذين تعرض أقوامهم للهلاك إلا من معهم من المؤمنين..هنا استطاع موسى أن يأخذ كل قومه معه..كما لو أنك ستعيد فهم قصة سيدنا موسى من جديد على ضوء التجارب النبوية الأخرى وبالمقارنة بها...
****
ستأخذك بعض الآيات إلى منطقة شخصية وعامة في الوقت نفسه، إلى حيث تتجاور الأنا والنحن ويتداخل البيت والمجتمع..وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ .... أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ...أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ
تشعر بطريقة ما أنك المقصود بذلك..تشعر أنك عندما فكرت بالهجرة كنت تشعر بهذه الآيات..تشعر أنك عندما هاجرت كنت تريد أن تهرب من هذا...شيء ما في أعماقك يقول لك أنك كنت شريكا في المسؤولية..
ولكن شيء آخر - في أعماقك أيضا - يرد عليك ويقول: لقد دفعت ثمنا باهظا...
*******
هل أولئك الرجال على الأعراف، أولئك الذين في الوسط، بين الجنة والنار، الذين سميت السورة على المكان الذي يقفون عليه، هل أولئك كانوا من الذين لم يحققوا المعادلة؟ نجوا شخصيا وفرديا، ولكن لم يحاولوا بما فيه الكفاية مع أقوامهم؟ وبقوا في الوسط بين الأنا والنحن..بين السفينة الغارقة وقارب النجاة..بين الجنة والنار؟
مجرد سؤال....لا نعرف جوابه...وإن كنا نعرف أنهم أفضل من الذين دخلوا النار...وأنهم لم يدخلوا الجنة...لكنهم "يطمعون"...لديهم أمل..
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
نشر في 23 أيّار 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع