3140 مشاهدة
1
0
تأملات في سورة التوبة من أروع ما يكون، هي سورة تعني امنحوا السلام فرصة تلو الأخرى قبل أن تحاربوا
سورة التوبة قد توحي للوهلة الأولى أنها " سورة الحرب".لكن التدقيق فيها سيجعلنا ندرك أنها " سورة الحرب والسلام".
الآيات المجتزئة من السورة تجعلها " سورة الحرب" بلا منازع، وغالبا كل الذين يتهمون القرآن بالعنف والإرهاب يقتبسون الآيات من هذه السورة...بالأحرى: يقتطعون الآيات منها..لكي تبرهن لهم على ما يريدون..
لكن قراءة للسياق ككل ستجعلنا نرى أنها سورة الحرب فعلا، ولكن سورة السلام أيضا.
بالضبط هي سورة " امنحوا السلام فرصة تلو الأخرى، قبل أن تحاربوا"...
الاقتباسات مثلا تركز على : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ
ولكنها تتجاهل تماما ما قبلها وما بعدها..
قبلها هناك: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ - أي أن أمر القتال مرتبط بهدنة تستمر لأشهر، ويمكن لهؤلاء خلال هذه الأشهر أن يعقدوا الصلح ..القتال ليس حتميا هنا...
وما بعدها: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
أي أن " التوبة" - وكان هؤلاء قد نقضوا عهدهم مع المسلمين- كفيلة بإلغاء سبب القتال..
وبعدها هناك مرة أخرى ما هو أكثر...إن طلب هؤلاء " الذين سيقاتلونهم" الحماية " الجوار" فقدموا لهم الحماية!
نعم، هي سورة الحرب، لكنها حرب مشروطة بمحاولة السلام حتى آخر فرصة، فعلا هي سورة الحرب، لكنها الحرب كخيار أخير، بعد استنفاذ كل الخيارات الأخرى..
تأخذنا سورة التوبة بعدها، من ساحة الحرب المشروطة هذه إلى ما قد يبدو بعيدا جدا عنها..
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ...
قد تبدو الإشارة غير مرتبطة بما قبلها..لكن الحقيقة أن " الأحبار" - أو رجال الدين عموما- كانوا دوما قادرين على اجتزاء الآيات من سياقها وجعل الحرب المشروطة تبدو حربا مقدسة غير مشروطة ..وقد حدث للأسف...
بعد هذا تأخذنا سورة التوبة إلى مواجهة من نوع مختلف، مواجهة الحرب والسلام فيها لا يقل أهمية، بل قد يزيد، عن ساحات القتال المعتادة..
إنها المواجهة مع النفس...
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ
مواجهة النفس، والحرب معها، ستحتل من الآيات في سورة التوبة أكثر بكثير من الآيات التي تحدثت عن المواجهة مع المشركين...كما لو أن السورة تقول لنا أن الحرب الأهم هي الحرب مع الذات، والنصر الحقيقي هو النصر على الذات، والهزيمة الأصعب والأكثر تكبيدا للخسائر هي الخسارة مع الذات، والسلام الذي يتحقق معها هو السلام الحقيقي..
كل من واجه نفسه يعرف هذا، كل من حاول التوبة عن معصية ما، إدمان ما، كبيرة ما، يعرف أي حرب قذرة وصعبة هي الحرب مع الذات، ويمكنه أن يقرأ آيات قتال المشركين كما لو كانت تتحدث عن حربه مع معاصيه وشهواته..وسيجد تشابها رهيبا...بل سيجد أن حرب الذات أكثر مخادعة وزئبقية وغدرا من حرب المشركين...
سورة التوبة عن الحرب فعلا، لكنها أيضا عن الحرب والسلام..
الحرب والسلام، مع الأعداء..
وأيضا مع الذات...
********
وفي سورة التوبة أيضا تلك الآية التي تنقلنا إلى ذلك الغار..
إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
..لا يمكن لمسلم إلا أن يرتجف قلبه من المشهد..
لا يمكن لإنسان، مر بأزمة، بشدة، وأحتاج فيها إلى صديق، إلا أن يقول...أعرف هذا ...لقد مررت هنا من قبل...
البعض منا وجدوا من يقف معهم في غارهم...آخرون كانوا أقل حظا..
ربما كنا نحن أحيانا من وقف مع صاحبه...وربما كنا أحيانا من تخلى وتركه وحيدا في الغار...
رحلة حياتنا ليست عرضا قريبا..ولا سفرا قاصدا...وأصدقاء الشدة قلبلون..وإن لم تجد واحدا منهم معك..فهذا أمر محزن...لكن يمكنك أن تهمسها لنفسك..
لا تحزن...إن الله معنا...
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
نشر في 25 أيّار 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع