Facebook Pixel
6912 مشاهدة
5
2
Whatsapp
Facebook Share

ثلاث سور متتالية في المصحف وقد نزلت بنفس هذا الترتيب على الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، أمر نادر أن يتوافق ترتيب المصحف مع تسلسل النزول، ما الحكمة من ذلك؟

" يونس، هود، ويوسف"..
ثلاث سور متتالية في المصحف.
وقد نزلت بنفس هذا الترتيب على الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في الفترة المكية.
أمر نادر، أن يتوافق ترتيب المصحف مع تسلسل النزول، ولا يمكن أن يكون هذا التوافق اعتباطيا، حاشا لله.
يونس، هود، يوسف...ثلاث سور إذن، متتالية، لا بد أن في هذا الترتيب رسالة ما..
******
مبدئيا ، سورة يونس تتحدث عن " الضر" وعن "كشف الضر"..إزالته...الضر عندما يصيب " الأفراد" كما في وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ
أو عندما يصيب المجتمعات : وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا
في السورة نموذجين لضر أصاب " المجتمعات" لأنها كذبت الرسل، قوم نوح وقوم فرعون...والضر الذي أصاب قوم نوح يعرض له بشكل سريع ( الآيات 71 -73)..
هذا عن الضر ..فماذا عن كشفه بالنسبة للمجتمعات؟
هناك مثال واحد..مثل ومضة أمل مضيئة...
فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ
إنه الإيمان النافع...الإيمان الذي نفع القرية...قرية يونس..الإيمان الذي كشف عنها الضر...
****
سورة هود، تأخذ نفس الخط..
ولكن التركيز على الضر فيها أكثر من كشف الضر..
نرى فيها قصص أقوام نالوا العذاب لتكذيبهم رسلهم..نرى مرة أخرى قوم نوح، قوم هود، قوم صالح، قوم لوط، قوم شعيب.
كلها قرى أصابها الدمار ...
ليس هذا فقط..لكن السورة تقدم بعدا شخصيا شديد الألم لما حدث مع سيدنا نوح..إذ أنها تقدم مشهد غرق ابنه...وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ . قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ .
هنا لم يعد تكذيب " القوم" يخص الآخرين..يخص المجتمع...بل أصبح شخصيا داخل بيت النبي..الأمر دوما هكذا...لكنه عندما يتجسد في شخص نحبه ونعرفه يكون مؤلما أكثر...
...هنا في هذه السورة خمس إشارات لأقوام قضت بالعذاب..لا إشارة لقوم نجوا كما في سورة يونس.. لكن لا ظلم في الأمر...وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ
ليس هذا فقط...بل أن السورة هي السورة الوحيدة التي اشتملت على الدعاء بهلاك القرى الظالمة...أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ...أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ...أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ
نزلت تلك السورة بعد عشر سنوات تقريبا في مكة، بعد عشر سنوات من الصدود والتكذيب...كل شيء كان يشير إلى أن مكة كانت تسير في درب أمثلة القرى التي سيصيبها الدمار..ولا شيء يشير إلى ما يقربها من قرية يونس...
وكان عليه الصلاة والسلام بالتأكيد لا يريد لمكة أن يصيبها ما اصاب عاد وثمود..لم يكن يريد أن تكون هناك " ألا بعدا لمكة"..
ورغم ذلك...كان ذلك واردا جدا...وقبل نهاية السورة يأتي أمر الانتظار: وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ..
ينتظرون؟ ماذا؟ العذاب يصيب مكة؟
*****
بدلا من " إلا بعدا لمكة"...نزلت سورة " يوسف"...
سورة مختلفة تماما...بنسق مختلف، هي السورة الوحيدة التي تروي قصة نبي من بدايتها إلى نهايتها...
وهي سورة بلا عذاب للقوم...بل تنتهي بنجاح " النبي" وتحقيقه لغاياته...صحيح أنه يحقق ذلك بعيدا عن قومه أولا ..لكن هذا بحد ذاته قد يشير إلى أهمية " التجربة" في مكان يوفر بيئة حاضنة أفضل...
كما لو أن السورة تقول للنبي: النجاح ممكن...ومكة قد تتغير..لكن ليس بالضرورة يكون التغيير فيها أولا...
*****
ثمة شيء شخصي في سورة يوسف....شخصي جدا..وحميم للغاية..
من منا لم يتعرض لغدر في حياته من قريب..أو ممن توهم قربه؟ من لم يتعرض لظلم؟ لفتنة وغواية؟
ثمة شيء في سورة يوسف يمسنا جميعا...
صحيح أن الطريق من بئر الغدر لا ينتهي دوما إلى العرش كما حدث مع سيدنا يوسف..
لكن من المهم أن لا نبقى أسرى المظلومية والتباكي...
*****

في البئر ألقوا بك يا يوسف..
كان مظلما...وكنت وحيدا..
وكانوا أخوتك!..
في البئر ألقوا بك با يوسف..
لعلك توهمتها مزحة..
لعلك توقعت أن صمتهم مجرد خدعة.
لعلك قلت أنهم سيعودون..
وأن حبالهم ستطل بين لحظة وأخرى..
لكن أصواتهم تلاشت يا يوسف..
وحبالهم لم تات قط..
في الظلمة بقيت وحيدا يا يوسف..
...أرادوا أن يكسروك..
أن يجعلوك تضعف..
أن تتوسل..
أن تنكسر ولو أمام نفسك..
لو يعلمون!..
...لو يعلمون أن كل تلك الليلة في البئر ، جعلتك تكتشف قوتك الحقيقية..
من لحظة البئر ،انت لم تعد أنت الذي كنت..
صرت شخصا جديدا..ولدت -مخاضا صعبا مريرا- في البئر وجدك..
اكتشفت معنى أن يتدفق النور من داخلك ، لا من فتحة في السقف ..
اكتشفت معنى أن تجد في الله أنيسا ورفيقا..فزادك ذلك قوة على قوة..ونورا على نور......
في البئر اكتشفت قواك التي لم تعرفها..اكتشفت أنه يمكنك أن تستغني عنهم..وأن الأمر ليس صعبا كما توهمت..اكتشفت أن علاقتك بهم تكون أغنى عندما تتعرف على الاستغناء عنهم..
في البئر عرفت معنى الجماعة ،أن تكون على الحق ، ولو كنت وحدك..
كل ذلك قبلها كان يشبه نظريات من البرج العاجي..
وفي البئر ، تعانقت النظرية والتطبيق....
******************
في داخل كل منا بئر..
وفي كل بئر يوسف..
..وأصوات تلاشت..وحبال لم تأت..
..يمكننا أن نجعل من ذلك مخاضا ، بحيث ستبدو كنوز العالم بأسره ثمنا بخسا أمامه..
ويمكننا أن نرخص..حتى يصير سعرنا الحقيقي دراهم معدودة...
دوما ثمة يوسف..ثمة بئر..
وثمة أخوة ليوسف..
..نختار دوما "نهاياتنا"....

#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
د.أحمد خيري العمري
نشر في 26 أيّار 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع