Facebook Pixel
2146 مشاهدة
2
0
Whatsapp
Facebook Share

سورة البقرة هي سورة الصراع المرير مع الأمر الواقع المر, سورة مواجهة لحقائق الأشياء مهما كانت مريرة ومؤلمة وجارحة

سورة البقرة هي سورة "الصراع المرير مع الأمر الواقع المر"..سورة مواجهة حقائق الأشياء مهما كانت مريرة ومؤلمة وجارحة..موقعها في بداية القرآن الكريم يجعلك شخصيا في مواجهة مع حقائق الأشياء هذه كلما فتحت القرآن لتقرا فيه...لا شيء يزيف صعوبة الواقع ويجمله، ولا شيء يقول لك أن الأمر استثنائي وأنك تعيش في مرحلة سيئة بتفرد ويجعلك تحن لزمان آخر..لا..هذه هي الحياة. بكل روعتها وبشاعتها..وهؤلاء هم البشر بكل سموهم وسقوطهم..وهذا أنت أيضا.. بكل سموك الذي تركز عليه وكل سقوطك الذي تتجاهله. هذه هي الحياة وهذا هو الأمر الواقع. تعامل معه.
في سورة البقرة، ومنذ آياتها الأولى ستتعرف على من هناك ختم على قلبه وسمعه وبصره..وسترى من يحاول أن يخادع الله، وآخر يتصور نفسه مصلحا وهو مفسد، وآخرين يستهزؤون..سترى من يتبع كل ضوء مارق من هنا وهناك دون بوصلة أو خطة ( وستتذكر انك رأيت هذا في حياتك كثيرا...ولعلك شاركت به أحيانا)...سترى من ينقض عهده ومن يحافظ عليه..سترى آدم وهو يتسلم منصب الاستخلاف والملائكة تتساءل عن أهليته للمنصب..وستتذكر أن الحياة الإنسانية في أحيان كثيرة قدمت معطيات قد تبدو أنها لصالح الملائكة في تساؤلهم هذا..سترى آدم يزل، ومن ثم يتوب، ويهبط إلى الأمر الواقع، وبنيه بعضهم لبعض عدو حتى الساعة..وسترى في سورة البقرة أشخاص يبيعون كلام الله بثمن بخس ( تراهم كثيرا للأسف في الواقع)..سترى ظلما واستبدادا، والمظلومين ظالمين أيضا...والظلم أنواع..سترى الشراهة والطمع وكفر النعمة..وسترى القلوب القاسية أشد قسوة من الحجارة..وسترى قلوبا أشربت بالعجل..(وأشربت بأشياء أخرى كثيرة حولنا)....وسترى من يقول لن يدخل الجنة سوانا..وتستغرب من تشابه المنطق مع من تراهم حولك ...أو بطريقة تفكيرك شخصيا..سترى الرسول عليه الصلاة والسلام ووجهه يتقلب في السماء.وسترى الآيات تنزل لترشده إلى قبلة جديدة ستؤلب السفهاء عليه...سترى إبراهيم وابنه وهما يبنيان البيت، وستنتبه إلى أن صيغة الحديث في الآيات كانت بالفعل المضارع وليست بالفعل الماضي..كما لو أنها تقول لك أن عملية البناء مستمرة وأن عليك أن تشمر ساعديك للمشاركة..سترى إقامة الصلاة والأمر بالصيام وتعليماته وأيضا شعائر الحج...وسيكون هناك آيات تذكرك بمن كان يدقق في تفاصيل الأمر الشرعي تدقيقا يكاد يقتل هذه الأمر الشرعي..إنها الآيات التي جعلت اسما للسورة كلها..وستتذكر أن الأمر تكرر مع كل أمر شرعي نزل في هذه السورة أو غيرها..سيكون هناك قصاص ..لأن الحياة ليست نزهة في بستان..وسيكون هناك وصية تترك لحفظ الحقوق..,سيكون هناك من يظلم في الوصية..وسيكون هناك من عليه أن يتدخل لمنع الظلم...وسيكون هناك ديون بين الناس..وكاتب بالعدل ينظم ذلك...فالمدينة الفاضلة مجرد وهم لا وجود له..والطبيعة البشرية تتطلب توثيقا كهذا..سيكون هناك قتال أيضا...رغم أنه "كره لكم" لكنها الحياة بواقعيتها...ليست نزهة..وتتطلب المواجهات مهما كرهنا ذلك..سيكون هناك زواج وخلافات تقود إلى الطلاق...أمر مؤسف ولكنه يجب أن ينظم ويقنن..سترى الطبيعة البشرية وهي تجادل في كل شيء..وسترى دفع الله الناس بعضهم ببعض..الدفع أحيانا يكون مؤلما لكن مسيرة الحياة تتطلب ذلك..سترى أنه " لا إكراه في الدين" وتتذكر كم من إكراه يرتكب باسم الدين..سترى إبراهيم وهو يسأل ربه عن إحياء الموتى لكي يطمئن قلبه ...وستتذكر كم قلوب كتمت حاجتها إلى الطمـأنينة كي لا توصم بالكفر والابتداع والجحود..
وفي آخر كل هذه الملحمة من الصراع مع الأمر الواقع...سـاتي كلمات الخاتمة في السورة لتربت عليك..لا يكلف الله نفسا إلا وسعها...افعل ما في وسعك...ولكن كن على بصيرة بهذا الواقع المحيط بك...
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
د.أحمد خيري العمري
نشر في 19 أيّار 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع