1068 مشاهدة
0
1
إيمانك بالله، إقامتك للصلاة، زكاتك، كلها ترفع من سقفك، من سقف طموحاتك وقدراتك ورؤاك لا يمكن لسقفك أن يرتفع دون الكتاب، لا يمكن لسقفك أن يرتفع ليلتحم بالسماء دون هذا الكتاب الذي يصل بينك وبين السماء
وَالطُّورِ. وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ. وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ. وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ. وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ" (الطور: 1-6)الطور جبل مرتفع، لكنه مخلوق مثلنا.. خلقه الله عز وجل وجعل السنن سببا في شموخه وارتفاعه.
أما البيت المعمور، فهو بيت تعمره يد الإنسان.. قد يصبح شامخا مثل الجبل، لكن الإنسان هنا يصير جزءا من السنن، يساهم فيها ويكون شريكا في سنن التغيير..
الطور جبل نزل فيه الوحي.. نزل فيه (الكتاب).
أما البيت المعمور فهو (مشروع بناء)، مشروع بناء ينطلق من (الوحي).. (الكتاب)..
(البيت المعمور) هو رمز للمشروع العمراني المرتكز على الكتاب.. قواعده ومنطلقاته وخطة بنائه ومواد بنائه من الكتاب..
البيت المعمور هو هذا العمران الذي قد يشابه في بعض جوانبه (التطاول) الذي تملكه بعض المشروعات الحضارية الأخرى، لكنه مجرد تشابه عابر غالبا، فالقواعد مختلفة، والمنطلقات مختلفة، ومواد البناء مختلفة.. ونمط البناء مختلف.. ربما الارتفاع متشابه، وربما بعض المواد في البناء تكون متشابهة، لكن نسب المكونات مختلفة حتما..
البيت الذي نطوف حوله في الحج، والذي نتجه إليه في صلاتنا أينما كنا، يحمل رمزية (العمران) المستمرة، العمران الذي هو مسؤوليتنا جميعا.. العمران المستند على الكتاب المسطور في رق منشور..
كل المناسك المرتبطة بهذا البيت، حجاً، طوافاً وصلاة، هي في جوهرها مناسك للبناء، مناسك للعمران، مناسك تجعلك تتحفز للبناء، تهيئك للبناء والعمران فتخرج من مناسكك وقد زودتك بهمة البناء.. زودتك بخريطة البناء..
وربما جعلت منك، أنت شخصيا، مادة للبناء، وأداة لها..
مناسك العمران - عندما تفهمها حقا - تجعلك كل ذلك، تجعلك تساهم في عملية البناء المستمرة منذ أن قام إبراهيم وابنه عليهما السلام برفع القواعد..
مناسك العمران تجعلك فاعلا، في ذلك الفعل المضارع المستمر، الممتد من الماضي العميق إلى المستقبل الأكثر عمقاً ما دام يرتبط بذلك الماضي..
مناسك العمران تعمرك أولا، فتصبح بعدها مؤهلا لتكون (الفاعل)..
مناسك العمران لا تجعلك تفهم العمران فقط على نحو مختلف، بل تجعلك تفهم إيمانك أيضا على نحو مختلف.. على نحو (إعماري)، على نحو هو النحو الذي فهمه وطبقه من رفع القواعد ومن أكمل البناء وكل من سار على طريقهم..
"إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ" (التوبة: 18)
هذا هو الإعمار حقا، إيمان وصلاة وزكاة كأجزاء أساسية من مكونات البناء مع الحجر والرخام والطابوق والإسمنت والحديد.. جزء أساسي من خلطة البناء..
يمكن لبناء أن يعلو دون هذا النوع من المكونات، وبالمكونات المادية فقط..
لكن العلو ليس من ضمن الأهداف القرآنية.. بل الإعمار، قد يشبه العلو في بعض النواحي، لكنه شيء مختلف تماما في نهاية المطاف.. قيم مختلفة تؤدي إلى نسب مختلفة من المكونات، ومكونات مختلفة أيضا..
*******************
هذه المكونات المختلفة في خلطة الإعمار، تجعل من (سقفك مرفوعا)..
إيمانك بالله، إقامتك للصلاة، زكاتك، كلها ترفع من سقفك، من سقف طموحاتك وقدراتك ورؤاك..
لا يمكن لسقفك أن يرتفع دون (الكتاب)، لا يمكن لسقفك أن يرتفع ليلتحم بالسماء دون هذا الكتاب الذي يصل بينك وبين السماء..
لا يمكنك أن تعانق الذرى، إن كنت تعيش في سقف طموحات وقدرات منخفضة.. في سقف (أدنى) حيث يعيش أقزام النفوس..
السقف المرفوع، الذي جاء في هذا السياق القرآني، هو النتاج الطبيعي لإيمان بطبيعة عمرانية، أي لإيمان إسلامي حقا..
هذا السقف المرفوع يصير جزءا منك.. يصير سقفك..
وعندما يصبح ذلك، عندما يرتفع سقفك، فإن مشاركتك في إعمار البيت، ستكون تحصيلَ حاصلٍ..
#طوفان_محمد
#أحمد_خيري_العمري
نشر في 27 تشرين الأول 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع