Facebook Pixel
1419 مشاهدة
1
0
Whatsapp
Facebook Share

سورة الأنعام هي عن أهم علاقة لك في حياتك ليست بعلاقة مع المخلوقات البشرية, إن أهم علاقة يمكن أن تحصل عليها في حياتك هي علاقتك به عز وجل

سورة " الأنعام" هي عن أهم علاقة لك في حياتك.
ليست عن علاقتك بشريكك أو شريكتك أو أمك أو أبيك أو أولادك.
ولا حتى عن علاقتك بنفسك.
لكنها عن علاقتك بالله، خالقك.
السورة هي أول سورة مكية من طوال السور. لذا فهي بلا حديث عن تشريع أو عقد..ولا وجود للمنافقين فيها...ولا شيء عن اليهود..وهي أمور لمسناها في السور السابقة..
السورة نزلت في مكة، وهي تأخذك عمليا إلى النبع الأول...إلى مرحلة الإنشاء..
هكذا تسلسل الأمر: في البقرة كنت في خضم الصراع المرير مع الواقع، في آل عمران كان جبر الخواطر..في النساء : كانت هناك القوانين التي تزيل الاستضعاف عن المستضعفين في الأرض..في المائدة: جلست وجها لوجه مع الطبيعة البشرية وتعرفت على مخاطر أن لا يكون هناك ما يلجمها..
الآن، بعد أن اجتزت كل هذا، تصل إلى العلاقة الأهم في حياتك.
لماذا ليس قبل هذا؟ ألا يفترض أن تركز على هذه العلاقة قبل كل شيء.
ليس بالضرورة. فكل ما سبق يمكن له أن يشوش عليك في علاقتك تلك. صراعك المرير مع الواقع من حولك ومع الكسر الذي فيك ومع الاستضعاف ومع طبيعتك البشرية يمكن له أن يؤثر سلبيا على كل علاقاتك...حتى العلاقة الأهم...لذا فتسلسل سور القرآن يجعلك " تحل" قضاياك العالقة أولا، أو على الأقل تصبح أكثر وعيا بها، قبل أن يدخلك إلى السورة التي تأخذك إلى العلاقة الأهم في حياتك...طبعا هذا لا يعني أن ما سبق كان خاليا من هذه العلاقة...لا بالتأكيد...فكل ما في سور القرآن يرتبط بهذه العلاقة بطريقة أو بأخرى...لكن الحديث هو عن أهم وأبرز ما داخل "السور" في كل سورة..
تبدأ هذه السورة بما بدأ به القرآن كله: بالحمد. هذه العلاقة الأهم في حياتك ستبدأ دوما من ناحيتك بالحمد. مهما كان ومهما حدث. الحمد. لكنك تمر أحيانا بما يجعل هذا صعبا...
ستأخذك السورة في رحلة تتفحص فيها كل شيء، وفي نهايتها سيكون الحمد نتيجة طبيعية...
ستخرجك السورة من عالمك الضيق الذي قد يستثقل الحمد إلى عالم أكبر بكثير...إلى الكون والخليقة بأسرها..السموات والأرض ..الظلمات والنور...مهما كانت "الأنا" عندك متضخمة بورم من أورام الذات، فتذكيرك بحجم الكون سيجعل الأنا تنكمش ولو قليلا...تذكيرك بطينك الأرضي ليس للتقليل من شأنك..بل لأنها الحقيقة التي ننساها أحيانا..بل ننساها دائما بينما ننساق إلى التكذيب والجدال بحق وبغيره..
تأخذك سورة الأنعام إلى الأرض..تسير بك لتتجول فيها عبر مقطع عرضي يدرس تاريخا وينظر في مصائر أممها...وتأخذك إلى هذا الكون المصنوع بدقة..كم تبدو صغيرا عندما تقارن نفسك فيه... لكن السورة لا تدعك تقلل من شأنك وتنساق في ذلك...بل هي تقول لك أيضا أن خالق هذا الكون قد أمرك أن تكون أول من أسلم له...أول المسلمين...الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام الذي تنزل عليه الوحي.. لكنه بطريقة ما موجه لك أيضا...يمكنك أن تكون الأول في شيء ما..وهذا أمر من خالقك..تأخذك السورة في مسيرة في صفاته عز وجل...هو الذي يكشف عنك الضر..وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير..عنده مفاتح الغيب ويعلم كل شيء..ليس بينك وبينه إلا أن تزيح الأكنة على قلبك والوقر عن أذنيك..ستأخذك سورة الأنعام بينما ثمة مواساة للرسول - ولك لاحقا- عن كل ما يقوله المكذبون....ولكن هذه طبيعة الأشياء,,,لا بد من مكذبين وجاحدين..ستقول لك السورة أن كل دواب الأرض " أمم أمثالكم" وعليك أن تتذكر هذا فربما تحتاجه لاحقا...
ثم تأخذك السورة إلى حوار إبراهيم وأبيه..وتلك الليلة التي جن فيها الليل على إبراهيم وقرر أن يواجه معبودات قومه...الكوكب؟ أهو هو ؟ هل هذا هو الإله الخالق؟ لكنه قد أفل. وإبراهيم لا يحب الآفلين..ثم جاء القمر..وهو يبدو أكبر...وكرر إبراهيم أسئلته...لكن القمر أفل ايضا...وإبراهيم لا يحب الآفلين...ثم ها هي الشمس..أكبر...هل تكون هي....لكنها أفلت أيضا..وإبراهيم يعي أن الإله الحق لا يأفل قط..ولا يدخل أصلا في مقاييس الكبر...الله أكبر لأنه أكبر من هذه المقاييس...ووجه إبراهيم وجهه لفاطر السموات والأرض...اكتشف بداهة الخالق ووحدانيته بعقله قبل أن يتنزل عليه الوحي...وفتح لنا الدرب كي نوفق بين عقلنا وإيماننا...تلك الليلة لا تزال تشع نورا يمكننا أن نتلمسه ونتحسسه كلما حاصرتنا ظلمة الشك والتشكيك وظلمة الجمود والظلاميين...
وكما ساح إبراهيم في ملكوت الله بعقله تأخذنا السورة إلى " فالق الحب والنوى" و " مخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي" " فالق الإصباح" "بديع السموات والأرض" "خالق كل شيء" "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير" "الغني ذو الرحمة"..صفات الله في خلقه وأثرها على خلقه..وكلها تقودك إلى أن تكتشف أن علاقتك به عز وجل هي أهم ما يمكن أن تنشؤه من علاقات في حياتك وبعد حياتك..
لماذا الأنعام؟ ...تشير السورة في أكثر من موضع إلى تلاعب المشركين في علاقتهم بالأنعام وتقسيمها، مرة يقسمونها لتكون محرمة على الإناث ومرة تكون فقط لسدنة الأوثان..مرة يذكر عليها اسم الله ومرة اسماء الأوثان...
لكن هذه الأنعام لم تكن مجرد أنعام، كانت دعامة من دعائم الاقتصاد آنذاك، كانت مثل " رأس المال"...ولو فكرنا قليلا لوجدنا أن هذا التلاعب برأس المال، عبر الدين، وعبر الشعارات الدينية التي تظهر الورع وتبطن الربح في التجارة...
السورة تنبهنا إلى ذلك..وما كان اسمه أنعام يوما ما، يمكن أن يكون اسمه المال ..أو رأس المال اليوم...أو أي صيغة وشكل من صيغه واشكاله...
ليس هذا فقط...فضعف علاقتك به عز وجل لن يقود فحسب إلى أن تتورط في استغلال الدين لتحقيق الربح..
لكنه يمكن أن يقودك إلى أن تكون أنت أيضا جزءا من " عملية التربح" التي يديرها البعض...أن تكون كالأنعام التي يربحون عبر التلاعب بمقدراتها...
علاقتك به عز وجل، هي الفيصل الفارق الحاسم بين أن تكون أنت...وأن تكون من الأنعام...كلها في النهاية " أمم أمثالكم"..لكن الإنسان لديه خيار آخر ...أن لا يكون كالأنعام...
*******
تنتهي السورة بذلك الاكتشاف المضيء الذي جدحه سيدنا إبراهيم أول مرة ..وأكمله سيدنا محمد...قل أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين...لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين...لا يزال هذا الأمر مضيئا..ولا يزال يمكنه أن ينير ليالي شكك وحيرتك..وتكتشف ذلك الأول الكامن فيك..
قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء؟ تتساءل الآيات في خاتمة السورة بعد أن قادتنا من " الحمد" إلى فالق الحب والنوى وخالق السماوات والأرض مرورا بليلة إبراهيم..
يكون الجواب...لا...ليس غير الله...
أهم علاقة يمكن أن تحصل عليها في حياتك...هي علاقتك به عز وجل...
أمر لا يمكن أن يحصل للأنعام...
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
د.أحمد خيري العمري
نشر في 22 أيّار 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع