1866 مشاهدة
1
0
رغم أن إسمها سورة النساء، إلا أنها ليست فقط عن النساء بل عن الإنسان ككل, الإنسان المظلوم والإنسان الظالم والإنسان الظالم باستسلامه للظلم
ورغم أن اسمها سورة النساء، إلا أنها ليست فقط عن النساء..بل هي عن كل المستضعفين في الأرض..النساء واليتامى والمساكين ..كل من يمكن أن يكون عرضة للاستغلال ..لكن هذه السورة ليست لذرف الدموع على هؤلاء ولا حتى للحث على التعاطف معهم...هي ببساطة لتغيير وضعهم..وتغيير وضعهم لا يحدث بالمواعظ ولا بالنوايا الحسنة فقط...بل بالقوانين..بتغيير الأوضاع التي قادت إلى استغلال ضعف هؤلاء..ولأن الاستغلال الأكبر كان يأتي عن طريق جعل هؤلاء في حالة حاجة " مادية" فإن أول خطوة كانت في كسر هذا الوضع وتغييره..وبعد أن كانت المرأة عند أغلب العرب تورث كما يورث المتاع عندما يتوفى عنها زوجها، أصبحت شريكا في الإرث كما الآخرين...وسيتغير بذلك حساب إرث الجميع...أول دروس إزالة الاستضعاف تأتي هنا تحديدا..توفير الاستقلال الاقتصادي..الكفاية الاقتصادية على الأقل...وسيتجاوز ذلك الأمر الزوجة إلى البنت والأخت أيضا...وحتى صغار الذكور كانوا لا يرثون سابقا...الآن الأمر اختلف...لقد أعيد رسم كل شيء..وضمن ما رسم كانت تلك الحدود التي تفصل بين الضعف والاستضعاف...حدود الله...لم يعد من السهل استغلال وضع المرأة أو اليتيم ما دام قد أصبح شريكا...سماها القرآن حدود الله...
لماذا الحديث عن المرأة يكاد يهيمن على سورة تتحدث عن المستضعفين في الأرض؟ لأنها ببساطة مظلومة المظلومين...هناك طبقات أو فئات كثيرة تتعرض للظلم...رجالا ونساء...لكن النساء في هذه الطبقات تتعرض لظلم مركب ..ظلم يعم فئتها ككل...وظلم يخصها يضاف إلى الظلم الأول..
السورة تقول لنا أن الإنسان خلق ضعيفا...لكنها تفرق بين هذا..وبين استغلال هذا الضعف..بين الاستضعاف...والأمر لا يخص النساء فقط..ولا اليتامى والمساكين فقط...كل منا مرشح لأن يكون مستضعفا في مرحلة ما..في منعطف ما من حياته...قد يتعرض لظلم...لمن يأخذ حقه...لظلم من شخص أشد قوة يستغل قوته...دوما الاستضعاف مرتبط بظلم ظالم يستغل ضعفا ما...وبعض هذا الظلم يكون من قبل مؤمنين...لكنهم مؤمنين بنصيب من الكتاب...ويؤمنون معه بالطاغوت...وهذا يجعل ظلمهم ...
ستقول لنا السورة أن تغيير وضع هؤلاء يستحق أن يكون في مصاف القتال في سبيل الله...ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان.إنها سورة كل المستضعفين وليس النساء فقط...إنها السورة التي تقول أن من عمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن يدخل الجنة بلا ظلم ولا مفاضلة بسبب جنسه أو لونه...إنها السورة التي تقول للذين آمنوا أن يكونوا قوامين بالقسط - ولو على أنفسهم-...فالعدل والقيام بالعدل وحده هو الذي يمكن أن يزيل الاستضعاف في الأرض...
وعندما تنتهي السورة فهي تنتهي بحكم آخر من أحكام الميراث، في آية الكلالة، كما لو أنها تقول أن كل الحديث عن القسط والعدل يجب أن يقيد بقانون...يجب أن يقنن...يجب أن يجد ما يحميه ويحققه...
******
تفاجئك السورة في منتصفها بأن المظلوم قد يكون ظالما أيضا...
تسمعك حوارا بين الملائكة وبين فئة " ظالمي أنفسهم"...هؤلاء لم يظلموا سواهم..بل ظلموا أنفسهم...تقول لهم الملائكة: فيم كنتم؟! ظلم الآخرين مفهوم لأنه غالبا ينبع من الطمع والجشع...لكن أن تظلم نفسك...حقا...فيم كنتم؟!
فيرد عليهم هؤلاء بالقول أنهم كانوا مستضعفين في الأرض...كانوا مظلومين....
فيأتي رد الملائكة المنطقي صادما: ألم تكن أرض الله واسعة؟!
يصدمنا الرد. نعم، أرض الله كانت واسعة...لكن عقولنا في أحيان كثيرة تكون أضيق من أن تستوعب هذا، فتتمسك بما يجعل الأرض ضيقة...ويجعل خياراتك قليلة...لقد كنت ظالما لنفسك عندما استسلمت لظلمهم لك...الظلم أنواع..والبقاء في مكان تكون فيه مظلوما ظلم...
الأمر صادم..مظلوميتك التي ربما كانت " عذرا" تبرر به أمورا كثيرة قد تكون دليلا ضدك...
..ثم تأتي آية بعدها تخفف الأمر قليلا..فهناك من لم يستطع فعلا الخروج إلى أرض الله الواسعة..فهذا أيضا يتطلب قدرا من القوة...
*****
سورة النساء ليست عن النساء فقط..بل عن الإنسان ككل..الإنسان المظلوم..والإنسان الظالم..والإنسان الظالم باستسلامه للظلم....
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
نشر في 21 أيّار 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع