5229 مشاهدة
0
1
إن مقياس المجتمعات الإنسانية عند الله عز وجل ليس تطورها التقني والعمراني بل بصلاح مجتمعاتها وخلوها من الظلم والفساد
الطابق الأول ..(ألم تر كيف فعل ربك بعاد* إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد* وثمود الذين جابوا الصخر بالواد* وفرعون ذي الأوتاد* الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد* فصب عليهم ربك سوط عذاب* إن ربك لبالمرصاد) ..
أنصت جيدا.. هل تسمع تلاطم حرف الدال؟ هل تسمع هذا الهدير الغاضب وكأنها حجارة ترتطم بعضها خلف بعض؟؟ هل تحس الغضب الكامن في الكلمات..؟؟ هذا مهم.. لكن الشاهد الأهم أن رب العالمين هنا اختص بذكر الأقوام الأقوياء فقط.. الذين كانت لهم حضارات عظيمة.. ولم يذكر ضعاف الناس الذين كفروا مثل قوم نوح.. أو قوم إبراهيم مثلا.. أو حتى قوم لوط... الذكر هنا فقط للجبابرة.. عاد أصحاب مدينة إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها.. ويروى في التفاسير أنه إرم هذه كانت مدينة عملاقة رائعة بناها قوم عاد العمالقة.. ثم ثمود الذين نحتوا الجبال بيوتا لقوتهم.. ثم فرعون صاحب الأوتاد .. ماذا فعل هؤلاء؟ "الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد" .. ما هي النهاية؟ (صب عليهم ربك سوط عذاب) صب.. كصب الماء.. قوي هادر مستمر..
مقياس المجتمعات الإنسانية عند الله عز وجل ليس تطورها التقني والعمراني.. بل بصلاح مجتمعاتها وخلوها من الظلم والفساد.. فجميع الأقوام الذين ذكروا في هذه السورة كانوا متفوقين حضاريا ومدنيا.. ومع ذلك دمرهم الله شر تدمير بدون أسف على منجزاتهم .. فالأحجار لا تعني لله أي شيء.. وفي آيات أخرى امتدح مجتمع النبي (ﷺ) وهو مجتمع متخلف عمرانيا.. بدوي موغل في البداوة.. لا ماء ولا كهرباء ولا صرف صحي ولا وسائل نقل ولا أي شيء.. ومع ذلك قال عنهم "رضي الله عنهم ورضوا عنه" .. بل وإمتدح أصحاب الكهف ونحن نعلم ما كانوا فيه من ضعف وفقر ..
أولوية أي حكومة لا يجب أن تكون التطور العمراني والمادي على حساب آدمية الإنسان.. بل إن الأولوية تكون لبناء مجتمع نزيه صادق متحلي بفضائل الأخلاق.. خالي من الظلم والنفاق والمحسوبية والإستبداد والفساد.. قائم على العدل والمساواة (طبعا بدون فرض معايير شاملة) هذه هي الغاية.. وما التطور التقني والحضاري إلا وسائل لتحقيق غايات هذا المجتمع.. إفتتاح المدارس أهم من إفتتاح الجسور.. علاج المرضى أهم من شراء الطائرات.. رفع المظالم أهم من رفع الأعلام ..
وهذه ليست دعوة للتقشف ولا للتخلف الحضاري وإهمال العلم.. لكن ترتيب أولويات.. فالدول في النهاية ليست أبراجا وإستعراضات وجيوش ودخول قومية.. الدول أنظمة وعدالة وحقوق.. ولنا في تجارب دول جنوب المتوسط عظة وعبرة.. دول بدأت على طريق نهضة إقتصادية.. ووصلت لمراحل من الإكتفاء الذاتي.. ثم سقطت وإنهارت بسبب الظلم والفساد.. لأن اللبنة الأولى للبناء كانت ضعيفة.. الطابق الأول كان منهارا.. الأسئلة الأساسية كانت بدون أجوبة.. أو بأجوبة مفروضة على الناس.. لكن بدون إقتناع.. بينما دول شمال المتوسط قد أجابت على أسئلتها الأساسية إجابة مقبولة من العقل الجمعي..فبني الطابق الأول للحضارة.. وسهل بعدها بناء الطوابق الأخرى..
هل في ذلك قسم لذي حجر؟
#كتابات_ديك_الجن
#من_وحي_سورة_الفجر
نشر في 29 آب 2015
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع