2704 مشاهدة
2
0
تأملات في سورة الحجر من أروع ما يكون، هي سورة الصورة الكاملة فتعلمنا كيف ننظر إلى كل شيء بشمولية وبتكامل، دون أن ننظر إلى بعض الأجزاء بعدسة مكبرة
سورة الحجر هي سورة " الصورة الكاملة"...هي السورة التي تعلمنا كيف ننظر إلى كل شيء بشمولية وبتكامل، دون أن نجتزء، دون أن ننظر إلى بعض الأجزاء بعدسة مكبرة ونتجاهل أخرى تماما أو نغض عنها النظر...تقول لنا السورة منذ مطلعها شيئا غير متوقع...رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ...كيف؟ كيف يودون ذلك وهم على ما هم عليه من كفر وصدود؟
سنعرف الجواب لاحقا عبر السورة، وسندرك أن جزء كبير من الرفض والصدود الذي يمكن أن يحدث للإيمان ( أو لأي فكرة) إنما يعود إلى النظر عبر نصف عين..النظر إلى جزء من الصورة...لكن لو أتيحت لهم أن يروا الصورة كاملة، الصورة بكل تفاصيلها وأجزائها..فأن موقفهم هذا قد يتغير..وربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين...
في سبيل ذلك تأخذنا السورة أولا إلى جولة شاملة في الكون، السماء والأرض وظواهر الطبيعة من رياح وأمطار...فهم الترابط الموجود بين كل عنصر من عناصر الصورة مهم في تكوين حاسة " الصورة الكاملة"..بعدها تأخذنا إلى أصل الحكاية..إلى قسم إبليس ...إبليس رفض أن يسجد لآدم لأنه نظر إلى جزء من الصورة، إلى خلق آدم من صلصال، ولم ينظر إلى ما أودعه الله فيه من إمكانات، لذا فقد رفض الأمر بالسجود ولم ينظر إلى أن هذا الأمر ما كان يمكن أن يكون من دون حكمة له عز وجل...
نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ...الكثيرون يتعاملون مع الله وصفاته بتجزئة، غالبا كما يريدون أو يتمنون...يركزون على صفة واحدة، ويتركون أخرى، هو غفور رحيم بالفعل...لكن أيضا عذابه هو العذاب الأليم..البعض يركز على العذاب ويستخدمه في الدعوة لله وينسى الغفور الرحيم...كما ينسى بعض آخر صفات المغفرة والرحمة..
تتجاور الرحمة والعذاب ايضا في القصة التي ستأخذنا إليها السورة..قصة ضيف إبراهيم المكرمين...حملوا له البشرى بالغلام، وأيضا حملوا له نبأ العذاب النازل بقوم لوط...حتى مع قوم لوط كانت هناك فرصة لتحقيق الرحمة لولا إصرارهم على فحشهم العلني...وحتى مع إمرأة لوط كانت هناك فرصة للرحمة..لكنها خالفت الأمر الإلهي بعدم الالتفات بعد أن تركوا القرية التي سينزل بها العذاب...
تحذر السورة في أواخرها من التعامل " التجزيئي" مع القرآن...كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ.الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ..وعضين تعني أنهم جعلوه أعضاء..أجزاء...آمنوا ببعض وكفروا ببعض...إنما هو جملة واحدة لا يمكن تجزئتها عن سياقها وعن تمامها..كلما تمسكت بالصورة الكاملة، بالفهم الكامل، كلما ابتعدت عن أخذ القرآن كعضين...وما أكثر من يفعل ذلك اليوم...من كل الاتجاهات...بالضبط مثل " الغفور الرحيم..وعذابي هو العذاب الأليم"..وبالضبط مثل التركيز على الصلصال وتجاهل نفخة الروح....
******
...رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ...في عصرنا اليوم، من النادر جدا أن يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين..ليس بالضرورة لأنهم عجزوا عن رؤية الصورة الكاملة بل لأننا نحن قدمنا صورة مسيئة للإسلام...قدمنا إنعكاسا بالغ السوء لأغلب قيم الإسلام...بدلا من أن نكون مركزا للجذب، يجعلهم يتحرون "الصورة الكاملة"...أصبحنا مركز طرد...يجعلهم يتصورون أن الصورة الكاملة سيئة جدا...
إلا من رحم ربي منا...ومنهم...
*******
وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ...
كانت تلك هي الوصية لآل لوط..عندما غادروا قريتهم...
كم نحتاج إلى ذلك...كاشخاص وأحيانا كمجتمعات..نحتاج أن لا نلتفت إلى الوراء أحيانا..أن نقلب الصفحة..أن نبدأ من جديد دون أن نبقى اسرى لما يشدنا إلى الخلف...
نحتاج أن نتعلم ذلك..أن نتخلص من التفاتنا المزمن لأشخاص أو أماكن أو تجارب تركت جروحا غائرة فينا...
نحتاج أن نسير إلى الصبح...دون أن نلتفت إلى الليل...
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
نشر في 28 أيّار 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع