Facebook Pixel
1402 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

تأملات في سورة الأنبياء، سورة الأنبياء هي واحدة من ثلاث سور في القرآن تذكرنا بحقيقة نادرة من حقائق الحياة التي لا يجادل فيها أحد...الموت

حمل فأسه معه..وتحين الفرصة المناسبة...
تسلل إلى المعبد..
لم يكن هناك أحد..
ونفذ خطته...
انهال ضربا على التماثيل التي كان يعبدها قومه...
حطمها جميعا..إلا كبيرهم...تركه عامدا..حسب الخطة...
******
ذلك هو المشهد المركزي - الذي لا ينسى - في سورة الأنبياء..
سيدنا إبراهيم - أبو الأنبياء- هو الذي فعل ذلك....
ومن تفاصيل ما تذكرة السورة...نفهم إن إبراهيم كان صغير السن وقتها.."سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ"...
ونتعرف على مواجهته لقومه عندما استجوبوه وحول الاستجواب هو إلى كبير الأصنام...عامدا أن يواجههم بلامنطقية ما يؤمنون به...
وانتهى ألأمر بقرارهم عقوبته بالحرق..ثم كانت النار بردا وسلاما عليه...
*****
هذا المشهد هو المشهد المركزي في سورة الأنبياء...
لكنه مشهد " هدم"..وهو لا يختصر مسيرة الأنبياء على الإطلاق...
نعم سنبدأ بالهدم، فهو مهم بالتأكيد..
لكنه هدم من أجل البناء...ليس هدما من أجل الهدم الهدم ليس هدفا...ليس الهدم إلا وسيلة للوصول إلى مكان مناسب للبناء..
سنرى هناك في قصص الأنبياء الذين سيذكرون في السورة مواقف هدم ودمار للأقوام التي كذبت بدعوة الرسل ( مثل لوط ونوح عليهما السلام)...
وسيكون هناك ذكر لأنبياء لم نعرف في قصتهم دمارا لأقوامهم ( إسماعيل و إدريس وذا الكفل وأيوب وزكريا عليهم السلام أجمعين)..
وسيكون هناك من نعرف أنهم نجحوا في نجاة قومهم ( مثل سيدنا يونس عليه السلام)..
وسيكون هناك تركيز على داود وسليمان عليهما السلام وقد حققا أعلى معاني البناء...
العدل ( كما في مثال حكمهما على صاحب الغنم والحرث) و السنن ( المعرفة بالصنائع والتحكم بالموارد الطبيعية)..
إذن مقابل مشهد الهدم، المركزي في السورة، نقطة الإنطلاق، هناك ايضا التتمة الضرورية، مشاهد البناء التي تكمل الصورة ...
ولو قمنا بحساباتنا، فأن نماذج البناء ستكون أكثر من نماذج الهدم...
لماذا؟
للهدم جاذبيته ...خاصة عندما تكون شابا ومتمردا وتريد أن تثبت نفسك مقابل تراث الأجداد..هذه الجاذبية قد تنتج هدما لا ينوي البناء...هدما من أجل الهدم فحسب...
الهدم سهل ( اسألوني أنا عنه!)...التحدي الحقيقي هو في أن تقدم بديلا عما تهدمه...أن تهدم فكرة سلبية وتنتقدها وتكشف مغالطاتها أمر ليس بالصعب،...لكن الصعب حقا هو أن تقدم الفكرة البديلة التي تزرعها بدلا من تلك التي هدمتها..الشيء ذاته مع كل ما يستهدف بالهدم..أي منظومة قيم..أو أي مؤسسة....إن كنت تريد أن تهدم وليس في ذهنك أي خطة للبناء، فغالبا طريقك قصير، والهدم سيكون على رأسك أنت، والنتيجة بالمجمل ستكون لصالح ما حاولت هدمه..حيث أن فشلك سيقدم أدلة للبعض على صلاحيته...
لم تنته رحلة إبراهيم في المعبد تلك الليلة...بل قادته إلى طريق رأيناه فيه وهو يرفع القواعد من البيت، ويؤسس البلد الآمن..
كان المشهد مشهد هدم فعلا..لكنه هدم من أجل البناء..ولو في مكان آخر...
فلننتبه هنا إلى أن مشهد الهدم هذا لم يؤد إلى أن يؤمن قومه..رغم أنه ضرب معتقداتهم في الصميم...
كما لو أن الرسالة هنا هي أنه لكي تجعل الناس يؤمنون بك ، عليك أن لا تكتفي بهدم " إيمانهم"..
بل أن تقدم البديل بوضوح...
وهذا ما فعله الأنبياء...
هذا ما قدمته السورة...
******
تقول لنا السورة أيضا أن مواجهة الهدم والبناء فيها مخاطر...مخاطر تطلبت أحيانا
أن ينجيهم عز وجل من كيد الكافرين أو من الدمار الذي لحق بأقوامهم.."ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ" ..واستخدمت الكلمة " نجيناه" مع كل من إبراهيم ولوط ونوح ويونس في هذه السورة...مع إبراهيم كانت النجاة من النار، مع لوط كانت النجاة من الحجارة التي دمرت قريتهم، مع نوح من الغرق، ومع يونس كانت من الغم...
مع أيوب كانت بكشف الضر عنه...
مع زكريا كانت بالاستجابة لدعائه بالذرية...
فلننتبه هنا إلى الأمر تغير مع تقدم الخط النبوي..
بعبارة أخرى، الأنبياء والرسل الأبكر تاريخيا " نوح، إبراهيم، لوط" كانت " نجاتهم" من دمار حتمي بالظروف الاعتيادية...النار، الغرق، الحجارة..
مع الأنبياء اللاحقين الذين تذكرهم السورة تغير الأمر...
لم يعد هناك " عقوبة جماعية" تتطلب التدخل...كما لا تذكر السورة "شيئا مباشرا" كالذي حدث مع إبراهيم..
كلما اقتربنا من ختم النبوة أكثر، منه عليه الصلاة والسلام، يقل الأمر..( مع استثناء ما حدث لسيدنا عيسى عليه السلام ولكن رفعه لم يذكر في هذه السورة)...
كما لو كان الأمر لتدريبنا على أن نعتمد على أنفسنا أكثر فأكثر...أن لا نتوقع المعجزات..فهي خاصة بالرسل والأنبياء...
كما لو أنها لتدريبنا على أن لا نتوقع أن تتحول النار بردا وسلاما لمجرد أننا دعونا الله أن يفعل ذلك كما فعل مع إبراهيم...تجنب أن تقودك طرقك إلى النار، أو حاول محاربتها وتخفيف آثارها بالطرق التقليدية،..
لكن النار لن تتحول بردا وسلاما عليك كما تحولت مع أبي الأنبياء...لن يحدث..
الأنبياء قدوتك، لكنك لن تحصل على ما حصلوه من استثناءات معجزة...
بل هم قدوتك مع التركيز على " وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ "
********
سورة الأنبياء هي واحدة من ثلاث سور في القرآن تذكرنا بحقيقة نادرة من حقائق الحياة التي لا يجادل فيها أحد...الموت..
"كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً"..
وما دام الأمر كذلك، وبحسم، ما دام الموت ينتظرنا عند منعطف ما..
فلتكن لحياتنا معنى..
******
وسورة الأنبياء هي السورة التي تذكرنا بحقيقة أخرى...
"وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ"..
العباد الصالحون؟..
لعلهم أولئك الذين وازنوا بين حسابات الهدم والبناء..
لعلهم اولئك الذين لم يكونوا عن هذه الحسابات غافلين..
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
د.أحمد خيري العمري
نشر في 01 حزيران 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع