Facebook Pixel
1277 مشاهدة
1
0
Whatsapp
Facebook Share

عندما سئلت السيدة عائشة عن الرسول كيف كان خلقه ؟ سؤال يخيل لنا أن جوابه سيكون طويلاً ومفصلاً, لكن أم المؤمنين تعرف كيف تجيب جواباً كافياً, في كلمة واحدة

كان سعد بن هشام بن عامر أنصاريا ، لكنه لم يعرف الرسول عليه الصلاة والسلام بما فيه الكفاية ، كان صغيرا يوم توفى عليه الصلاة والسلام.
لم يعرف سعد أباه ايضا. فقد استشهد يوم أحد.
كبر سعد وشارك في الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب ، عندما اتسعت الدولة وبلغت فارس والروم...
لكن سعد الذي خبر الحرب والجهاد ، وشاهد الأمصار وهي تبني..أحس أنه بحاجة لمعرفة المزيد عنه عليه الصلاة والسلام ..
كل ما كان فيه سعد ، كان نتاجا لتلك الرسالة التي حملها عليه الصلاة والسلام..
لكنه لم يعرفه كما يجب ، ..
كان يشعر بأن بحاجة لمعرفته ، كان يشعر بأن ما فاته كان كثيرا..ربما كان يشعر بأن عدم معرفته الشخصية بالرسول عليه الصلاة والسلام كانت مثل يتما آخر...
كان يتمه مزدوجا..
مرة مع أبيه الذي لم يعرفه..
ومرة مع الرسول عليه الصلاة والسلام..
وربما كان هذا اليتم المزدوج أكثر مما يتحمله سعد...
لذلك ترك البصرة وجاء المدينة ليسأل عن الرسول عليه الصلاة أكثر ، ممن عرفوه عن قرب ..
ذهب إلى ابن عباس أولا ، وهو الفقيه وصاحب القرابة والمكانة.
سأله بضعة أسئلة ، وأجابه ابن عباس على ما يعرف.
لكن ابن عباس في مرحلة ما من هذه الأسئلة ، اكتشف أن سعد يريد قربا أكثر مما لدى ابن عباس أصلا...
ابن عباس أيضا كان صغيرا عندما توفى الرسول عليه الصلاة والسلام ، لكنه كان أقرب الفتيان إليه عليه الصلاة والسلام بحكم القرابة..
أشار ابن عباس إلى أم المؤمنين عائشة..هي التي لديها الإجابة عن اسئلتك يا سعد ، أمك عائشة ، كانت الأقرب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأجوبة أسئلتك عندها ..
يذهب للسيدة عائشة ، ويعرف عن نفسه ، اسمه واسم أبيه..فيرجعها الاسم إلى الماضي ، ربما أربع عقود إلى الوراء...وتسأله فورا : شهيد يوم أحد؟ ، فيقول أن نعم ...فتقول ونعم الرجل..
ثم يسألها عن الرسول عليه الصلاة والسلام..
كيف كان خلقه ؟
سؤال يخيل لنا أن جوابه سيكون طويلا ، مفصلا ...
لكن أم المؤمنين تعرف كيف تجيب جوابلا كافيا ، في كلمة واحدة.
" كان خلقه القرآن"..
نقطة انتهى.
دون شرح أكثر.
تريد أن تعرف كيف كان عليه الصلاة والسلام؟ عليك بالقرآن ، هناك ستتعرف عليه ، ليس لأن القرآن يروي سيرته أو يحكي عنه ، أبدا ، بل لأن الرسول تشكل عبر القرآن ، كان لديه مؤهلات أخلاقية عظيمة بالتأكيد قبل الوحي ، فقد كان الصادق الأمين قبل أن ينزل الوحي ، وقد وصفه القرآن في فترة مبكرة من نزول الوحي ب ( وأنك لعلى خلق عظيم)..
لكن شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام ، كانت تتفاعل مع كل آية تنزل من القرآن ، كانت تتكامل مع كل سورة وكل آية..
جانب من جوانب فهم العصمة التي حازها الرسول عليه الصلاة والسلام ، هو هذا التفاعل الذي كان الرسول يتفاعله مع القرآن ، كان التفاعل يمر بأشكال متعددة ، منها ما كان عند النزول الفوري للوحي ، مثل صلصلة الجرس أحيانا ، أو التفصد عرقا من ثقل وشدة التفاعل الذي كان يحدث في نفس الرسول عند تلقيه كلمات الوحي لأول مرة..
وكان يتخذ أشكالا أخرى ، لا تظهر على السطح كالصلصلة أو التفصد عرقا ، لكنها تحدث في داخله ، ربما كان التعرق ليس عملية واعية إرادية ، بل ناتج غير إرادي لحدث هائل ، لكن التغيرات الداخلية كانت تحدث بمشاركة وعيه وإرادته ، وعن سبق قصد وتصميم..
كان الرسول عليه الصلاة يتكامل بالقرآن ، كان يبلغ أعلى درجة من درجات الإنسانية عبر القرآن ، كان يصل إلى الكمال عبر مرحلة تتفوق على الالتزام بالقرآن ، هي المرحلة التي يتماهي فيها الرسول بشخصه مع القرآن..لا يعود هناك فرق تقريبا بينهما..
هذا ما قصدته السيدة عائشة عندما قالت : كان خلقه القرآن..
وهذا ما عنته الآية الكريمة التي خاطبت يحيى : يا يحيى خذ الكتاب بقوة .
خذه إلى أين ؟ إلى الرف لكي يتراكم عليه الغبار ، ويزاح عنه بين رمضان وآخر ؟ إلى دورات الحفط ومسابقاته ؟ إلى السيارة ليحفظها وراكبيها ؟ إلى القبور لكي يقرأ على الأموات؟
لا بالتأكيد.
بل خذه إلى أعماقك ، خذه إلى تلافيف مخك . خذه ليسري في عروقك ، في تنفسك ، في شهيقك وزفيرك....
خذه لكي يكون الكتالوج في حياتك ، كتاب ( التعليمات) الذي يرشدك كيف تستعمل نفسك..
فهذا هو الطريق الأكثر دقة للوصول إلى أن تكون النسخة الأفضل منك.
النسخة الأفضل منك..
*********
أسئلة كهذا السؤال عندما طرحها سعد بن هشام بن عامر كانت تعبر عن سؤال جيل التابعين الذين يرغبون في اتباع حقيقي..لم يكون سعد ، ولا جيله ، يرغبون في أن يكون تعريفهم بأنهم الجيل الذي رآى الصحابة..كانوا يرغبون أن يكونوا أكثر من هذا ، كانوا يريدون أن يعرفوا كل ما يمكنهم أن يعرفوه عنه عليه الصلاة والسلام ، لكي يكونوا أفضل ما يمكن أن يكون.
دلتهم السيدة عائشة أم المؤمنين ، على الطريق : القرآن.
هذا هو الطريق الذي ينبغي أن تسلكوه لو أردتم أن تعرفوا كيف كان الرسول.
هذا هو الطريق الذي ينبغي أن تسلكوه لو أردتم الوصول إلى أفضل نسخة لكم...
الجواب لم يكن للتابعين فقط..كان لنا أيضا..
جيل التابعين وعوا الجواب ، وتركوا أثرا عظيما...
بقية القصة ، عند كل منا...

( من شيء لم يكتمل ، وتوقف )
د.أحمد خيري العمري
نشر في 24 شباط 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع