1067 مشاهدة
0
0
لكل منا رادار الحدس تجاه الآخرين فمنهم من يكون ماهرا في الخدع ومنهم أقل حنكة يدخل في كتاب المزيفين فنحن في محض بين من لديه جهاز إنذار المزيفين وبين المهارة في الخدع
يمتلك بعض الأشخاص حدسا معينا تجاه الأشخاص المزيفين أو المخادعين.هذا الحدس ليس أمرا يولدون به بالضبط.... وأنما هو مزيج من الملاحظات الشخصية على سلوك الناس والخبرات المكتسبة مع الأشخاص والانتباه إلى تجارب الآخرين وملاحظاتهم عن الأشخاص المخادعين..
يمكن أن نقول أن هؤلاء الأشخاص يقومون بـ " ربط " الملاحظات والخبرات السابقة والانتباه إلى وجود نسبة كبيرة من صفات معينة في شخص ما...وهذا سيجعله في " رادارهم" أو جهاز إذنارهم المبكر...
بعبارة أخرى: ثمة نمط متكرر من السلوكيات عند الأشخاص المزيفين مما يجعل سلوكهم النهائي متوقعا عند من ينتبه لهذا النمط..
كلما كان الشخص بارعا في الزيف والخداع، حرص على الظهور بمظهر بعيد عن النمط المتكرر للمخادعين، لكي يتهرب من رادار المنتبهين..
وكلما كان أقل حنكة، امتلك كل الصفات في كتاب المزيفين على نحو يجعل كشفه سهل لأقل الرادارات خبرة.
فلننتبه هنا إلى أمرين: كل ما يكشفه الرادار هو مجرد حدس لا يمكن الحكم عليه، تقول مع نفسك عن فلان أنك لا ترتاح له فحسب، تتجنبه، تأخذ احتياطاتك منه وربما تقول هذا للمقربين منك، لكن لا يمكنك الجزم بشيء، وقد تثبت لك التجارب لاحقا أن رادارك لم يكن مصيبا...
الأمر الثاني: هناك نوع من التربية الدينية ( خاصة المرتبطة بالإسلام السياسي ولكن عند تيارات أخرى أيضا) تعطل نشوء الرادار عبر آليات "تقديم حسن الظن"، بحيث لا يتم ربط الخبرات والمعارف السابقة ببعضها البعض ولا يتم ملاحظة وجود سلوك مشابه عند آخرين...وهذا الأمر ملاحظ جدا وقد يكون سببا من أسباب فشل الكثير من تجارب هذه التيارات وعجزها عن تحقيق إدارات ناجحة..بالتأكيد هناك مقولات " لست بالخب ولا الخب يخدعني" ولكن أي ملاحظة للتنبيه على ( الخب) - خاصة عندما يكون محسوبا عليهم ويصلي ويظهر التدين- ستقمع بشدة تحت شعارات حسن الظن والتمس لأخيك سبعمائة ألف عذر ( وهذا ليس حديثا بالمناسبة)...
عندما يثبت الرادار صحة ما قدم من تحذيرات ( مثلا أن يقوم الشخص المزيف بخداع رئيسه في العمل والهرب بالخزينة أو الزبائن) فأن صاحب الرادار سيمتلك الدليل على مصداقية حدسه، وإذا كان تحدث بالأمر سابقا سيلتفت ليقول منتشيا: ألم أقل لكم؟!
لكن حفلات البطش الجماعي- حيث يجتمع أصحاب الرادارات على تفكيك السيرة المهنية للمخادع والتدقيق فيها حرفا حرفا- لا تكون إلا عندما يكون ثمة استغباء مبالغ فيه للآخرين، بأن يكون الأمر مكشوفا جدا ومليئا بالثغرات دون اي تصور بوجود ذرة ذكاء عند الناس....هذا سيكون مستفزا جدا لكثيرين: تريد ان تخدعنا لتحقيق مصالحك مفهوم، لكن على الأقل ابذل جهدا أكبر ولا تعتبرنا أغبياء لهذه الدرجة...هذا ايضا قد يتفاعل مع وجود استفزاز مسبق متراكم نتيجة حرص المخادعين على إبهار ضحاياهم عبر تقديم حياتهم كما لو كانت نموذجا صالحا للاقتداء رغم أن التظاهر والتصنع فيها واضحان تماما...
بعض المنتمين لتيار حسن الظن سيأخذ موقفا عند انكشاف الأمر وينسحب أو يصمت او يعبر عن اعتذاره إن كان قد بالغ في الدفاع أو هاجم من انتقد..
لكن هناك من سيصر على موقفه على نحو جدير بالدراسة ..الموقف سيتغير من تقديم حسن الظن إلى الحديث عن "مؤامرة"... "الإسلام مستهدف".. "منا وفينا".. "كلنا خطاؤون"... "وأنتم ماذا فعلتم؟"...وصولا إلى كارثة " الحرب خدعة" حيث يتم توظيف النصوص الدينية لتبرير عملية الكذب والخداع في نموذج مثالي لما يمكن أن يفعله التحريف بالنص الدبني دون تغيير حرف واحد منه...( حرب على من؟ مع من؟ لصالح من؟)..
الأمر كله جدير بالدراسة والتأمل، هناك تفسيرات كثيرة مطروحة لما حدث من ناحية الجماهير في مثال معروف، وربما لكل منها وجهة نظر في سياق ما ( حالة الإحباط العامة، التصيد للمشاهير، التصيد للمحسوبين على تيار التدين المشيخي..إلخ) وكلها برأيي يمكن أن تفسر جزءا مما حدث فعلا - لكن بعضها قد يفسر ما حدث من دفاع ايضا ( المدافعون هم من نفس تيار التدين المشيخي...إلخ) ولكن هذا كله لا يمكن إغفاله عند دراسة وتفسير الأمر سوسيولوجيا...
*****
كلنا خطاؤون بالمناسبة، كلنا...
لكن فلنفرق بين أن يكون الخطأ بينك وبين ربك ( في حياتك الشخصية وضمن حدود علاقاتك الشخصية)..
وبين أن يكون الأمر مرتبطا بعملك العام...
نشر في 31 تشرين الأول 2017
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع