كيف واجه مشركين قريش فترة نزول الوحي؟

في مرحلة لاحقة من نزول الوحي، بدأت المواجهة مع مشركي قريش تتخذ طابعاً مختلفاً، فلا تزال النبرة تحمل السخرية والإستهزاء الشيء الكثير، ولكن ثمة شيء يتغير!!

في مرحلة لاحقة من نزول الوحي، بدأت المواجهة مع مشركي قريش تتخذ طابعا مختلفا..
بدأت الأسئلة...بدأ النقاش ، بدأ الجدال..
صحيح أن النبرة ربما كانت لا تزال تحمل من السخرية والاستهزاء الشيء الكثير..
إلا أن ذلك كان ربما يتضمن شيئا خلفه..
ولعل كان هناك منهم من ينصت حقا للنقاش..
او لعل النقاش كان يتسرب شيئا فشيئا في عقولهم ، حتى لو كانت أصواتهم وحناجرهم تقول شيئا آخر..
ربما لا نعتقد أن التطور كان كبيرا وقتها..
لكن الانتقال من مرحلة ( مجنون ! يقول أنه نبي !) و مرحلة ( أصبوت ؟ أتترك دين الآباء؟) إلى مرحلة ( ما دليلك على كونك نبي؟ ) هو بالتأكيد تطور كبير...
حتى لو كانت الطريقة التي تقال فيها الجملة فيها سخرية واستهزاء..
ثمة شيء يتغير..
بالضبط مثل الفرق في أن ترفض السماع لشخص ما أصلا ، من ناحية المبدأ ، وبين أن تسمعه وتسمع ما يقول حتى لو كنت قد قد قررت مسبقا أن ترفض..
لكنك ضمنيا ، مجرد سماعك للأمر ، فأنت تقر أن ما يقوله قابل للأخذ والرد والنقاش..
بينما في البداية كنت لا ترى ذلك..
ربما لم يكن الأمر سواء مع كل المشركين..وربما كان بعضهم يظهر السخرية أمام القوم ، ولكن ثمة شيء في داخله يتغير بالتدريج ،...ربما كان يشارك في الجدال مع القوم وهو يظهر أنه في صفهم ، يريد ان يحرج محمدا عليه الصلاة والسلام..
لكن ربما كان في داخله يريد حقا أن يعرف ماذا سيكون جوابه عليه الصلاة والسلام..
ليس الإيمان دوما صاعقة تأتي فجأة..
ليس الإيمان دوما حب يحدث من اول نظرة...
هو أحيانا يكون كنبتة تنمو بالتدريج ، يبدأ بذرة صغيرة ربما ألقيت على غفلة من الأرض التي تحويها ، تنمو البذرة بالتدريج ، تتحدى الظروف الصعبة ، وتنبت كشيء صغير لا يكاد يرى ..ولكنها فجأة ستشق الأرض وتكبر...
أحيانا يكون الإيمان هكذا ..هناك كلمة تسمعها وأنت في قمة رفضك وتحديك له ، الكلمة تقع في أعماقك ، ربما لا تهتم كثيرا ، وربما سطحك لا يزال يظهر نفس الرفض ، ولسانك لا يزال يقول كلمات الرفض ويكررها...ولكن تلك الكلمة التي سقطت في أعماقك بدأت تسقط اشياء أخرى..بدأت تعمل كالمحفار في أعماقك دون أن تعي ذلك في البداية..
ويتفاعل ذلك مع كلمات أخرى ، مع نقاش مستمر ، مع أشياء ربما قيلت من قبل وسمعتها ألف مرة ، لكن الآن ، كل شيء يبدو مختلفا ، وحتى ما سمعته من قبل تسمعه الآن من جديد وتفهمه على نحو مختلف...
وعندما يحدث الإيمان..ويظهر على سطحك ولسانك..
قد يبدو للبعض على أنه مفاجئا..
لكن الحقيقة هي أن بذرته كانت تنمو بهدوء تحت السطح..

من " السيرة مستمرة"