1528 مشاهدة
0
0
من تجارب المربينيتكلم فيها الكاتب عن التعب الضائع واستعجال الشهرة والتسليم لله ومن خداع الشيطان من كتاب الجانب العاطفي من الإسلام
كتاب : الجانب العاطفي من الإسلام - تأليف : الشيخ محمد الغزاليالحلقة [ 19 ] من تجارب المربين (1 من 7) : ( التعب الضائع – استعجال الشهرة – تسليم لله – من خداع الشيطان )
فى تراثنا الثقافى القديم دراسات جيدة للنفس الإنسانية، وكيف تخلص من أدوائها، وكيف تمضى فى طريقها إلى الله منفاة مشرقة. وعيب هذه الدراسات أنها كعروق الذهب فى باطن الصخور، لا تحصل عليها إلا بعد عناء، وتدبير، وإعمال حيلة!
وقد تراكم عليها فى عصور الضعف العلمى والسياسى ما جعل أمرها يزداد تعقيدا، حتى ليخيل للبعض أن النتائج التى يعود بها الباحث أقل قيمة من مخاطر الطلب، بل إن هذه النتائج نفسها قد تفهم على غير طبيعتها، ومن ثم فالزهد فيها أولى.
ونحن لا نريد إطراح ثقافتنا التقليدية، أو جزء منها للمتاعب والظنون المتوقعة.
ومن أجل ذلك رأينا أن ننظر فى كتب التصوف، وأن ننتقى من كلمات القوم ما نظنه مصدر نفع كريم.
وفى هذا الفصل نضع بين يدى القارئ كلمات لابن عطاء الله السكندرى مجردة من الشروح التى أحاطت بها، إذ أن هذه الشروح للأسف فيها باطل كثير.
وسأتولى شرحها بإيجاز، فى حدود ما توحى به الكلمات، وعلى ضوء المعروف من تعاليم الإسلام.
راجيا أن تكون هذه الكلمات الحكيمة إيناسا لمن يأخذون أنفسهم بضروب التربية، ووصفا لمعالم الطريق من أناس خبراء بها مهرة فيها.
• التعب الضائع:
قال ابن عطاء الله : " اجتهادك فيما ضمن لك، وتقصيرك فيما طلب منك، دليل على انطماس البصيرة".
أقول : لك حقوق وعليك واجبات، وكثير من الناس يطلب بإلحاح ما له من حقوق، بل يطلب بإلحاح ما يرى أنه حق له.
أما الواجبات التى عليه يقينا فهو يمارى فيها حينا، ويؤديها بكسل واسترخاء وبخس حينا آخر، وربما جحدها...
وهذا الطراز من الناس ـ وما أكثره بيننا ـ أدنى إلى الدواب التى لا تحس إلا ما تحتاج إليه، فأما ما تكلف به فهى لا تعرفه إلا من لذع السياط...
فإذا تجاوزت ما يتعامل به الناس من حقوق وواجبات إلى العلاقة بين الناس ورب الناس وجدت الأمر أنكى.
الناس وراء لقمة الخبز يكاد يصيبهم مس؟ مع أن الله لو وكل رزق الخلائق إلى قواها لبادت.
إنه ضمن الأرزاق لعباده، وأجرى مصادرها بين أيديهم رخاء.
ومع هذا فهم مكروبون فى طلب العيش الذى كفل لهم، أما إحسان الصلة بالله وتوجيه الفكرة إليه، والتعاون مع الآخرين على إقامة دينه والتزام حدوده فهو ما يقصرون فيه، أو ينصرفون عنه.
إن الله أراحهم من هموم الرزق، وكلفهم بشئون العبادة، فتكلفوا هم هموم الرزق واستراحوا من شئون العبادة.
الله يقول : (و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى).
وهؤلاء يصيحون، وأهلوهم معهم الخبز، الخبز...!!، ناسين الله وناسين وعده بالإغناء والتيسير، لا شغل لهم إلا طلب الدنيا.
وهذه الدنيا نفسها لا تجئ إلا من لدن الله الذى تركوه...!!
ما تقول فى امرئ يتقاعس عندما يحتاج الأمر إلى همة ونشاط، ويهتم وينشط عندما يكون الأمر قريبا من أصابعه؟.
إن هذا المسلك مع الله دليل انطماس فى البصيرة.
• استعجال الشهرة:
قال ابن عطاء الله : " ادفن وجودك فى أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه ".
أقول : هذه الكلمة أفضل توجيه لمن يريدون الظهور على عجل، ومن يتوهمون أن نصيبا قليلا من المعرفة والخبرة كاف فى الترشيح لقيادة الجماهير، والصدارة بين الناس، وهؤلاء فى الحياة لا حصر لهم.
إن منصب الإمامة فى آفاق الدنيا أو فى آفاق الدين يتطلب صبر السنين، وتغضين الجبين.
فليصنع المرء نفسه أولا فى عزلة وفى صمت وفى تؤدة، كالشجرة التى يختفى أصلها فى ظلمة التراب أمدا تتكون فيه التكون الصحيح، ثم تبدأ تشق طريقها إلى الهواء والضوء.
ما ضر الشباب أن يتواروا قليلا أو كثيرا فلا يطلعوا على الناس إلا بعد أن تكتمل ملكاتهم؟.
إنك ترى الواحد يكتب عدة مقالات فيحسب نفسه من قادة الفكر، أو يحسن بضعة أعمال فيزعم نفسه من ساسة العالم، ولو آثر " الخمول " فترة ينضج فيها لكان خيرا له.
ثم من الإيمان ـ إذا استويت ـ أن تقوم بما عليك لله ـ لا للظهور، فإن الذى يطلب وجوه الناس يسقط من عين الله.
فاحذر على نفسك أمرين: أن تنزع إلى البروز قبل استكمال المؤهلات المطلوبة، وأن تستكمل هذه المؤهلات لتلفت بها أنظار الناس إليك.
• تسليم لله:
قال ابن عطاء الله : "ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يحدث فى الوقت غير ما أظهره الله فيه".
أقول : لا تحسبن القدر يجرى وفق هواك: إن وراء الواقع الذى نهش له أو نضيق به حكما عليا تجعل الحوادث تسير، وهى لا صلة لها برضانا أو سخطنا...
فمن أراد تغيير قدر غالب، وأحب تقديم شئ أخره الله، أو تأخير شئ قدمه الله، فهو ينطح الصخر، ولن يستفيد من ذلك إلا تصديع رأسه.
والعاقل يرسم خطته على أن ما حدث حقيقة لا مناص من الاعتراف بها ثم يبنى سلوكه بعد ذلك وفق ما يشير به الحزم، ويوحى به السداد...
وخير للمرء أن يتهم هواه من أن يسخط على الزمن.
وأستطيع ـ على ضوء تجاربى ـ أن أؤكد لغيرى هذه الخلاصة، وهى أن أكثر ما نفعنى كان مما ضقت به بادى الرأى، وأن الآلام المزعجة والشدائد الباهظة هى التى فتقت العقل ونمت المواهب وأماطت النقاب عما نجهل من شئون وشجون وصدق الله العظيم ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
• من خداع الشيطان:
قال ابن عطاء الله : " إحالتك لتلك الأعمال على وجود الفراغ من رعونات النفس ".
أقول : التسويف خدعة النفس العاجزة والهمة القاعدة. ومن عجز عن امتلاك يومه فهو عن امتلاك غده أعجز.
والتسويف يجىء غالبا من امتداد الأفكار البالية التى يجب الفكاك منها على عجل، ومن طغيان الشهوات التى لا يجوز لمسلم أن يستسلم لها، ويتراخى معها.
إن إرجاء المعركة مع الهوى الغالب، اعتراف بالعجز عن مقاومته.
ومن الرجولة أن يبدأ المرء ـ اليوم قبل الغد، والصباح قبل الأصيل ـ هجومه على المثبطات والعوائق، وأن يكتسحها من طريقه اكتساحا، دون إبطاء أو تهيب، وكل تسويف لا نتيجة له إلا إطالة عمر الشر وتقصير عمر الخير فى حياة الإنسان، فانظر المصير مع قول الله : (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا و يحذركم الله نفسه و الله رؤوف بالعباد).
(ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر)
وفى الحديث: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ".
----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#الجانب_العاطفي_من_الإسلام
نشر في 18 تموز 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع