Facebook Pixel
هيمنة الإسلام على الحياة كلها
1389 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

جهود كثيرة تبذل لترضية المسلمين بإسلام آخر غير الذى تلقوه عن نبيهم ، وعرفوه من كتابهم، محدثاً إياها الكاتب محمد الغزالي من كتابه دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين

كتاب : دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 2 ] : هيمنة الإسلام على الحياة كلها

جهود كثيرة تبذل لترضية المسلمين بإسلام آخر غير الذى تلقوه عن نبيهم ، وعرفوه من كتابهم.

إسلام منقوص الحقيقة والأطراف ، منقوص العرى والوشائج ، ينكر عليه المنكرون أن يتدخل فى شئون التشريع ، أو يبت فى قضايا المجتمع ، أو يقدم الولاء له على الولاء للعنصر أو التراب ، أو يضع قواعد التربية مقرونة بشعائره وعبادته ، أو يحذف من السلوك العام ما يخدش قيمه ويمس مثله الرفيعة ، أو يلزم الأفراد بفرائضه اليومية و السنوية..الخ.

إنه إسلام اسمى يستبقى شبحه إلى حين ، ولعله يستبقى بضرورات لا تلبث أن تزول..

وأغلب الأقطار الإسلامية تتمسك بنسب متفاوتة من الإسلام الحق المعروف فى كتاب الله وسنة رسوله ، وقد تقل هذه النسب كما وكيفا ، وقد تزيد ، ولكنا لم نرها إلى الآن مكتملة الصورة والحقيقة على نحو صحيح علميا وعمليا ، فى أى بلد إسلامى.

بل إن المسلمين الهنود لما أسسوا لهم دولة باسم "باكستان " قامت الدولة المنشودة على أساس هذا الإسلام "الشبح "، فلم يعرف للإسلام وجود فى عالم القانون أو الاقتصاد ، بل إنه فى عالم العقيدة والعبادة سمح للقاديانية أن تسهم فى قيادة الدولة الجديدة (!) فلا عجب إذا دها باكستان ما دهاها، ولا عجب إذا أصابتها محن قصمت ظهرها..

ولا تزال الجهود المريبة فى أرجاء العالم الإسلامى لخلق أجيال تقبل هذا الإسلام المشوه وترتضى ما قام فى كنفه من تحليل الحرام ، وقطع ما أمر الله به أن يوصل ، ودفع الأمور كلها بعيدا من هدايات السماء..

ولا ريب أن الاستعمار العالمى وراء هذه الجهود المنكورة ، فهو منذ احتل البلاد الإسلامية حرص على تعطيل الأحكام الشرعية ، وطمس شارات الإسلام فى كل أفق ، وتسميم الكيان الإسلامى كله ببطء وذكاء حتى يلقى حتفه بعد أمد غير بعيد.

ولم يترك الاستعمار بلدا ما يسحب عساكره منه إلا بعد أن يضع مقاليد هذا البلد فى أيد تعمل له , وتضرب بسيفه ، وتفكر بعقله.

بل لعل الذين خلفوه كانوا أشد منه ضراوة وجراءة ، فى الإجهاز على ما بقى من مراسم الإسلام ، وشن حرب استئصال وحشية على الجماعات التى ظلت موالية له متمسكة به.

وكانت النتيجة بعد تلك الغارة الحقود على رسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن قبل العيش فى ظل إسلام مفتعل ، ما فيه من عبث الناس أضعاف ما فيه من وحى الله!! وكاد جمهور كبير من أتباع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يألف استقرار الربا والزنا ، وإهمال الصلاة والصيام ، ومداهنة الملحدين والفسقة ، ثم مطاردة أهل اليقين والجلادة والوفاء لهذا الدين العظيم..

وليس من الحق تحميل الاستعمار الأجنبى أوزار تخلفنا المادى والأدبى. نعم إنه يستديم ضعفنا ولكنه ليس سبب هذا الضعف! إننا نحن المسلمين الذين فرطنا فى ديننا وأسأنا إليه طورا بالإهمال الشنيع وطورا بالتأويل الفاسد وطورا بالتطبيق الغبى.

ومن أعصار مديدة والشقة بيننا وبين الحق تتسع ، بل إن العلاقة بين الإسلام وأمته ظلت تهن وترق حتى انقطعت فى أماكن كثيرة..

وانتهينا فى هذا القرن إلى أوضاع يجب أن نكشف سوءها ونفشى خبرها. فأجهزة الدعوة الإسلامية ميتة أو مشلولة فى أيام تبرجت فيها الدعوات وافتنت فى عرض نفسها.

وأجهزة الشورى المصاحبة لنظم الحكم ميتة أو مشلولة فى أيام دللت فيها الجماهير وتوطدت الحريات السياسية.

وأجهزة الاقتصاد القومى تحيا على هامش الدنيا ، وليس للاقتصاد الإسلامى تفوق حضارى أو صناعى ينظمه بين الدول العشر الأولى أو الثانية ، بل جمهور المسلمين ينتسبون إلى العالم الثالث ، العالم المتخلف الباحث عن الحياة على استحياء أو استخذاء..

إن ذلك المصير الكالح لأمة كانت طليعة عالمية قرابة ألف عام له أسبابه الجديرة بالدراسة.. وما نشك فى أن المسلمين أماتوا أجزاء من دينهم قبل المد الاستعمارى الحديث ـ لا تقل خطرا عن الأجزاء التى أماتها الاستعمار من دينهم بعد ما تمكن منهم واحتل أرضهم وفكرهم..

يقول الله تعالى : أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء فهل نظرنا؟ وما طرق النظر التى سلكناها؟ ولماذا أخذت هذه الطرق عند غيرنا فعرف الكثير عن أسرار الكون وقوانينه ولم نفد نحن شيئا؟

ويقول تعالى فى وصف المفلحين من أهل الإيمان : والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. فماذا صنعنا لنبنى هذه الأخلاق ونؤسس مجتمعا يغالى بالعهود ويصون الأمانات ، ويضبط أقواله وأعماله كلها وراء سياج من هذه الفضائل.

إننا ظننا الأخلاق تنبت وحدها كما تنبت فى الحقول بعض الحشائش الطفيلية ، فلم نبذل المعاناة الواجبة لإنشاء أجيال ذات وفاء لمسئولياتها الخاصة والعامة.
ونقرأ قوله تعالى : وشاورهم في الأمر فإذا مفسرون يتطوعون لخدمة الاستبداد السياسى يقولون دون وعى ، شاور ثم امض على ما رأيت فالشورى غير ملزمة!! لحساب من هذا التفسير؟ وهب مفسرا قديما سقط فيه ، فلحساب من يروج له الرجال الجدد وهم يعلمون المعاطب الهائلة التى أصابت أمتنا من استبداد حكامها عبر تاريخ أغبر؟

ويجىء آخرون فيحشدون جملة من الآثار الصحيحة والواهية ، ثم بعد شرح قاصر معتل يخرجون بهذه القاعدة " الفقير الصابر أفضل من الغنى الشاكر". ولو أنهم قالوها عزاء لفرد مصاب ، أو عصابة من الناس منكوبة لهان الأمر ، ولكنهم أطلقوها كلمة عامة حمقاء ، وحاكموا إليها أغنياء الصحابة فجعلوهم يدخلون الجنة زحفا أو بعد لأى !! لماذا؟ لأن الثراء طعن فى التقوى!!

فكيف يقوم كيان أمة على هذا العجز و التسول؟! كيف يؤخر عن الجنة من جهز جيش العسرة وأعلى راية الإيمان وهد ركن الطغيان ، ليقدم عليه بائس أقعده العدم؟

ويقول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) فماذا فعل العرب لتذويب الفوارق بينهم وبين الترك والعجم والهنود والزنوج وغيرهم من الأجناس التى دخلت فى الإسلام؟
هل اجتهدوا فى تعليمهم اللغة العربية كما اجتهد الإنكليز فى نشر لغتهم بين الأجناس التى خضعت لهم؟

إن السلف الأول بذل فى هذا المضمار جهدا مقدورا ، لكن الذين جاءوا من بعدهم لم يصنعوا شيئا يذكر..

وجل الأمثلة التى ضربناها يقوم على فساد معنى التدين أو فتور عاطفته ، ولكن ينضم إلى ذلك فى أحيان كثيرة خروج غريب على أمر الله ومعالم دينه.

فى عالم الأسرة يتم الزواج وفق مراسم الرياء وتقاليد الكبرياء الاجتماعية المقررة ، وإلى أن تتيسر هذه المراسم لا حرج من اضطراب الغريزة وانسيابها بلا ضوابط من إيمان!

لماذا يحاط الزواج بكل هاتيك الصعوبات ، ولماذا الإغضاء عما يقع؟

وفى المنازعات العائلية لا نستطيع القول بأن نسبة طلاق السنة إلى طلاق البدعة تبلغ واحدا فى المائة.. ولا نستطيع كذلك أن نقول إن واحدا فى الألف من المطلقين يمتعون نسوتهم السابقات.

ذلك فى العلاقات الاجتماعية ، أما فى عالم السياسة فقد افتخر حاكم معاصر بأنه اعتقل ثمانية عشر ألف مسلم فى ليلة واحدة ، وهذا جبروت لا تعرفه الدنيا الآن ولا فى البلاد التى تعبد البقر..

الحق أن المسلمين ابتعدوا عن دينهم مسافات شاسعة ، وأن المكانة الهون التى انحدروا إليها نتيجة لازمة لما فعلوا بأنفسهم ورسالتهم.

ولابد من عودة صادقة إلى الإسلام كله إذا أردنا أن نحيا ونرشد ، عودة علمية وعملية ، نظرية وتطبيقية ، لا نفرط فى ذرة من ديننا ، لا نتنازل عن شعبة من شعب الإيمان ولا عن كلمة من كلم القرآن..

إن الأديان القديمة اضمحلت وتلاشت بسبب هذا التفريط العارض ، ولعله بدأ يسيرا ثم تفاحش مع الزمن حتى أتى على هذه الأديان من القواعد.

ولن نسمح أبدا أن يرِد ديننا هذا المصير ، يترك هذا شيئا وذاك شيئا ، ويتعلل هذا بالتطور ، وذاك بالمصلحة ، ولا تزال الأعذار تتوالى ، والتعاليم تتهاوى حتى يصير الإسلام أثرا بعد عين .

لن نقبل أبدا أن يتعرض الإسلام لهذا المسلك الكفور فى الأخذ والرد ، فأجزاء الدين كعناصر الدواء لا يتم الشفاء إلا بها كلها ، ومن ثم فلا تنازل عن شيء منها.
إن تحريف الكلم عن مواضعه آفة تصيب الأديان على امتداد الزمان . ولهذا التحريف مظاهر ثلاثة :

1ـ التدخل فى الوحى الإلهى بالحذف والزيادة ، اتباعا للهوى أو غلوا فى الدين.
2ـ التأويلات الفاسدة والتفاسير الباطلة لما ورد من نصوص .
3ـ تعطيل العمل بطائفة من الأوامر والنواهى ، وتوارث هذا العطل من جيل إلى جيل حتى نشأ خلوف قاصرة تظن ما أهمل قد نسخ وباد. ومن حسن حظنا ـ نحن المسلمين. كتابنا محفوظ بعناية الله ، فالأصل الذى نحتكم إليه قائم دائم ، ومن حسن حظنا أن الإجماع منعقد على أركان الإسلام والأجهزة الرئيسة التى تتفرع عنها بشعبه وقوانينه هنا وهناك.

وإنه لسهل على المصلحين بعد ذلك أن يقاوموا المعطلين لحدود الله والمنحرفين عن صراطه المستقيم ، وأن يستمسكوا بالدين كله علما وتطبيقا ، دراسة وسلوكا ، نهج حياة خاصة أو عامة. وإلى هذا الشمول والترابط فى تعاليم الإسلام وجه الأستاذ حسن البنا إخوانه بقوله :

" الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا ، فهو دولة ووطن ، أو حكومة وأمة ، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة ، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء وهو مادة وثروة أو كسب وغنى ، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء الكتاب والسُّنَّة معًا"

----------( يُتبع )----------
#محمد_الغزالي
#دستور_الوحدة_الثقافية_بين_المسلمين
كلمة حرة
نشر في 13 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع