Facebook Pixel
847 مشاهدة
1
1
Whatsapp
Facebook Share

عاد الوحي بعد فتوره مرة أخرى كالفيضان يغمر الأرض العطشى، هبط الوحي كالمطر المفاجئ الذي لم يسبق قدومه غيمة ولم تعلن عن حضوره صرخة رعد أو وميض برق

لا نعرف بالضبط كم استمر هذا الصمت المؤلم، فتور الوحي ، ولكن لنا أن نتخيل كيف عاد الوحي مرة أخرى كالفيضان يغمر الأرض العطشى..
فجأة..ربما في لحظة استسلام تشبه استسلام إبراهيم وابنه لأمر الذبح..تسليم لأمر الله بصمت الوحي أو بنزوله مجددا....
هبط الوحي كالمطر المفاجئ الذي لم يسبق قدومه غيمة ولم تعلن عن حضوره صرخة رعد أو وميض برق...
فجاة دق القلب، بعدما كان الظن أنه لن يدق.
عادت الحياة كما لو أنها لم تتوقف أصلا...
تركه الوحي في سورة الفجر - آخر ما نزل قبل الفتور-، الفجر الذي جاء بعد ليال عشر...
وجاءه في الضحى! في ارتفاع الشمس.
كما لو ليقول له: نواصل من هنا. الفجر أكثر بيانا من الليل، ومن الليال العشر. الشمس ظهرت وبدا النور... ولكن ثمة ما هو أوضح. ثمة ما تكون الأمور أوضح فيه. الضحى. الشمس ترتفع ويبدو كل شيء بأوضح ما يمكن.
الضحى هو عكس الليل إذا سجى، الليل الثابت، وليس الفجر...رغم أن الفجر قد يكون ألطف وأرق، إلا أنه ليس سوى بداية...الضحى شمسه ثقيلة، وحرها أشد، لكن الأمور فيه أوضح، الحقيقة فيه أكثر بيانا، رغم أنها ليست الألطف بالضرورة...بالضبط مثل هذه التجربة التي مررت بها...فتور الوحي...ليست لطيفة على النفس، لكنك تقويت بها..اصبحت أقوى...لم تكن وداعا من ربك ولا تغيرا منه عليك ولا عقوبة لك. كان الأمر لكي تصل إلى الضحى. إلى عين الحقيقة وشمسها. وسيكون القادم أكثر خيرا من كل ما مضى...إلى درجة الرضى!
وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)
ثم يذكره الوحي بأزمات حياته الكبرى: يتمه، حيرته، حاجته...
والآن يستطيع أن يفهم هذه الأزمات من جديد على نحو مختلف...أزمة فتور الوحي كانت أقسى بكثير..ولكن الوحي الإلهي ينبهه إلى نمط العناية الإلهية الذي لازمه دوما...عند اليتم..عند الحيرة...عند الحاجة...
كل مرة كان الله يقدم له البدائل ويكشف له عن الأفضل...كيف يمكن أن يكون انقطاع الوحي استثناءا عن هذا؟
ألَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)
لكن تجربة الداخل هذه عندما تنتهي يجب أن تجلب نتائج إلى الخارج....الألم كان داخليا مريرا...
ولكن نتائجه يجب أن تأتي بثمار إلى الآخرين...إلى الناس خارج دائرة هذه الألم الداخلي...
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
النعمة هنا – في هذه اللحظات - هذا الوحي الذي أنعم به عليه..
والتحديث به...هو التبليغ...أن يخبر الناس كلهم عن كل آية تتنزل عليه...

*******
كالمطر انهمر الوحي على قلب محمد عليه الصلاة والسلام...لعل الوقت كان ضحى...ولعله خر ساجدا شكرا لله على نعمة هذا المطر...ولعل سنة صلاة الضحى بدأت في نعمة هذا المطر...
كان صدره عليه الصلاة والسلام قد ضاق كثيرا قبل أن يعود الوحي من جديد...
ضاق كثيرا بكل ما يحمله...
لكن هذا تغير في لحظة نزول الوحي وعودته من جديد...
هل نستغرب بعدها أن تكون السورة التي نزلت فورا بعد سورة الضحى...هي سورة الشرح...
ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
*****
الآن نفهم أكثر......
نفهم معنى شرح الصدر...
ونفهم ما هو الحمل الذي أثقل ظهره عليه الصلاة والسلام...
ونفهم كيف أن مع العسر يسرا...
الآن نفهم أكثر...

من " السيرة مستمرة"
د.أحمد خيري العمري
نشر في 17 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع