Facebook Pixel
5998 مشاهدة
6
0
Whatsapp
Facebook Share

تأملات في سورة لقمان من أروع ما يكون، كل سور القرآن التي حملت أسماء لأشخاص في عناوينها كانت لأنبياء ورسل وتحوي لمعناها من قصصهم إلا سورة لقمان

كل سور القرآن التي حملت " أسماء لأشخاص" في عناوينها كانت لأنبياء ورسل.. نوح..هود..يونس..يوسف...إبراهيم...عليهم السلام أجمعين..
وهناك استثناءان إثنان..
الأول هو استثناء معروف لاسم السيدة التي مثلت كل تضحيات ومعاناة النساء عبر العصور..مريم..
والثاني هو لقمان...
وجود اسم مريم مفهوم تماما...لكل السياقات " الإعجازية" التي عاشتها وقربها من النبوة ..
لكن " لقمان" شيء آخر، شيء مختلف تماما، يجبرنا على التوقف طويلا.
إذ ليس من السهل أبدا أن تكون في هذه المقارنة..أن يوضع اسمك في موضع لم يكن إلا للأنبياء...
*****
لم يكن لقمان فاتحا عظيما. أو قائدا عادلا مصلحا..
لم يحصل على مكانته التي حصل عليها لأنه " عابدا" ..أو "زاهدا"...أو بسبب فعل الخير...
ربما كان كل هذه الأشياء بالمناسبة، لكننا لا نعرف ذلك، لأن القرآن لم يذكرها عنه..بل ذكر شيئا مختلفا..
ماذا كان لقمان؟ مالذي نقله القرآن الكريم عنه؟
كان " مربيا" .
او على الأقل هذا ما أظهره القرآن منه، هذا هو الجزء الذي جعله يستحق مكانته..
****
مربي؟
هذا فقط؟
نعم. كان مربيا. قد ننظر إلى الأمر على أنه مجرد عمل تكميلي أو تحصيل حاصل..
لكن هذا العمل كان مهما لدرجة جعلت من لقمان في مكانته تلك..
قد ينظر البعض أيضا إلى هذا العمل على أنه " مجرد تنظير " .. وهي الكلمة التي صارت تعامل كما لو كانت سبة أو منقصة حاليا رغم أنها عالية المقام في حقيقتها لأنها تعبر عن أرقى ما يمكن أن للإنسان أن يمارسه: التفكير ..
بكل الأحوال، سواء كانت التربية تنظيرا او تفكيرا فقد كانت أساسية لدرجة جعلت من لقمان في الموضع الذي هو فيه..
****
لكنه لم يكن أي مربي بالتأكيد.
كان " حكيما".
*****
و"الحكمة" أمر ظاهر في هذه السورة..
الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2)
خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
الحكمة إذن مرة وصف للكتاب ...ومرتان وصف لله عز وجل..
ومرة وصف لما أتى الله لقمان..
وهذا حضور "مكثف" للحكمة في سورة عدد آياتها 34 فقط..
الحكمة إذن مصدرها الله، صفة منه، وهي صفة لكتابه، وهو يمنحها لمن شاء ...
****
الإحسان أيضا له حضور مكثف في سورة لقمان..
هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(22)
****
الآية الأخيرة في السورة ربما تشير ايضا إلى أمر يرتبط بالحكمة..
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
فالله وصف نفسه - وكتابه - بالحكمة ، ثم انتهت السورة بوصفه بالعلم والخبرة..
وهل الحكمة - عندما تؤتى للبشر- ليست إلا هذا الناتج من العلم، والخبرة، والإحسان؟
وهل يمكن أن يكون هناك حكمة بعلم فقط، او بخبرة فقط، أو بإحسان فقط..
بل هو المزيج من هذه الصفات الثلاثةـ الذي يؤتى ثماره في الحكمة؟
علم دون خبرة محض معرفة بلا جذور تطبيق عملي...
العلم مع الخبرة ، قدرة وتمكن..
لكن بدون بوصلة لاستخدام هذه القدرة وتوجيهها في الاتجاه الصواب..
إنما الإحسان هو هذا العنصر الثالث الذي يجعل من المزيج ينتج " الحكمة"..
****
أمر آخر يجب أن ننتبه له هنا هو حضور " الأبوة" ..أو العلاقة بين الأبناء ووالديهم في سورة لقمان..
هناك وصية لقمان بالوالدين، وهناك أيضا الإشارة إلى "وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا" وأيضا " وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ "..هذا بالإضافة إلى أن حوار لقمان كان مع ابنه..
هل يشير هذا إلى أن عمق الحكمة وجوهرها هو هذا التواصل الذي يمرر عصارتها وخلاصتها إلى الجيل التالي، وهذا هو الاستمرار الحقيقي..مهما أنجزت وحققت من مآثر، فأن عدم محافظتك على الجيل التالي يعني ضياع كل ما حققته..
والسورة تشير أيضا إلى أن ليس كل الآباء ينبغي اتباعهم بالضرورة قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)
لكن ليس كل الآباء ينبغي تجاهل ما يقولون أيضا ..
*******
بينما نقرأ وصايا لقمان وحكمته تستوقفنا هذه الآية..
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
هذه الأبحر السبعة الي يمكن أن تنفد لو أصبحت مدادا لكلمات الله...هل تشمل كلمات الحكمة التي تعكس قدرة الله وتقرب له عز وجل؟
هذه الكلمات التي على ألسنة البشر ولكنها تقرب كلمة الله لهم، هل هي ضمن هذا المداد؟
ربما...
********
"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا "
عادة يتبادر إلى أذهاننا أن لهو الحديث هو الحديث التافه العادي..
لكن لو دققنا في الآية لوجدناها تحدد " ليضل عن سبيل الله"..
ونحن نعرف أن الآيات القرآنية تستخدم أحيانا لهذا..ليس الحديث التافه وحده...بل أحيانا حديث مليء بالآيات وبالأحاديث..ولكنها توظف بعيدا عن مسارها تماما - بقصد أو بغير قصد- فتضل عن سبيل الله ومقاصده...
كم من سنن في الهيئة او اللباس استخدمت للتغطية والإلهاء عن سبيل الله...عن مقاصده...
المحك دوما في ذلك الناتج الذي ينبثق من تفاعل العلم والخبرة والإحسان...
بعبارة أخرى : في الحكمة..

#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
د.أحمد خيري العمري
نشر في 10 حزيران 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع