Facebook Pixel
1350 مشاهدة
1
0
Whatsapp
Facebook Share

في أغلب الأحيان يكون الأشخاص مرهفو الحس، الصادقون، يميلون أحياناً إلى لوم أنفسهم، عندما لا تسير الأمور معهم كما ينبغي لها أن تسير، سنرى ذلك التأمل في سورة الشعراء

الأشخاص مرهفو الحس، الصادقون، يميلون أحيانا إلى لوم أنفسهم، عندما لا تسير الأمور معهم كما ينبغي لها أن تسير..
لعل الخطأ منهم؟ لعله الأسلوب؟ لعلها النية ؟
يميلون بطبعهم الحساس إلى تحمل المسؤولية عن عدم الوصول إلى النتيجة المرجوة..حتى لو كانوا قد بذلوا كل ما يستطيعون...
لكنهم، في غمرة صدقهم مع أنفسهم، لا يجدون تفسيرا آخر..لا بد أننا مسؤولون عن هذا ...
***
مر عليه الصلاة والسلام بشيء مقارب في المرحلة المكية..
كان غالبية قومه لا يزالون على موقفهم الرافض للإيمان..
وكان عدد المؤمنين قد وقف عند حد معين، كل من يريد أن يؤمن آمن بعد إسلام عمر...ووصلت الأمور بعدها إلى حالة ساكنة..لا جديد..
وكان عليه الصلاة والسلام يؤلمه ذلك جدا...يؤلمه أن يرى أقاربه وأقرانه وعشيرته وأهل مدينته وهم يصرون على الذهاب إلى النار..
كلمة " يؤلمه" لا تعبر بالضبط عما كان يعتمل في صدره الشريف عليه الصلاة والسلام...
كان الأمر أكبر وأشد بكثير...
كان الأمر يكاد " يهلكه". حرفيا. هكذا خاطبه القرآن.."لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"
وباخع تعني مهلك نفسه...أو قاتلها من الغم..
كان الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه المرحلة قد وصل إلى هذه الدرجة..
صدق الصادقين مؤذي جدا..فكيف بالصادق الأمين..
لكن الوحي الكريم تنزل على قلبه..ليخفف عنه..
سورة الشعراء...
*******
فلننتبه هنا إلى أن مخاطبة الوحي للرسول عليه الصلاة والسلام بكونه " باخع نفسه" قد جاءت مرتين، مرة في سورة الكهف، والأخرى هنا في الشعراء..
لكن ترتيب نزول سورة الشعراء كان سابق لنزول سورة الكهف، حتى وإن كان الترتيب في المصحف اليوم مختلفا..وهذا يعني أن سورة الشعراء هي تعاملت أولا مع وضعه عليه الصلاة والسلام في هذا الألم من عدم إيمان قومه ...
فماذا فعلت سورة الشعراء؟
أخذته أولا إلى قصة سيدنا موسى عليه السلام...
موسى كان معه رسول آخر، هو هارون، وكان مؤيدا بالمعجزة في يده، وتحقق انتصاره بمعجزته على رؤوس الأشهاد..
لكن كل هذا، لم يغير من موقف من كان مصرا على الكفر...
لا شيء أكثر يمكن أن يفعل معهم، لقد فعل موسى كل شيء...ومع ذلك لم يؤمن فرعون وآله...
إذن الأمر لا يتعلق بما يفعله رسول ما وما لا يفعله..كلهم فعلوا الأقصى حتما...لكن قضية الإيمان أعقد بكثير...
فلا تحمل نفسك أكثر مما تحمله بالأساس...
***
ثم تنقله السورة إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، هذه المرة المواجهة ليست مع الاستبداد الصارخ كما حدث في قصة سيدنا موسى، بل مع مؤسسة استبداد من نوع آخر..استبداد ناعم: العائلة والأبوة... ...نجد حوار إبراهيم مع أبيه وقومه...حوار هاديء في منتهى الرقي والرقة. ...
لكن، لم يؤمنوا أيضا..
تعددت أساليب الرسل مع أقوامهم..
لكن الإيمان والكفر أعقد بكثير من ذلك...
تلك الكلمات التي قالها إبراهيم، تبدو كما لو كانت تربت على قلب محمد، وعلى قلب كل مكلوم من بعده..
كان يتحدث عن رب العالمين.."الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ"..
****
تأخذنا السورة لاحقا إلى قصص أنبياء آخرين...نوح، هود، صالح، لوط، شعيب...عليهم السلام أجمعين..
نمر عليهم واحدا واحدا، كل منهم في عصر ومكان مختلف، لكن السورة تأخذنا إليهم وتجعلنا نرى المتشابه في قصصهم..كما لو أنها تقول لنا أنها كلها قصة واحدة تكررت عدة مرات بنسخ متعددة عبر الأزمنة والأماكن..تنبهنا إلى وجود " نمط " متكرر...
تنبهنا السورة إلى المشتركات في هذه القصص..دعوة الأنبياء كانت واحدة في الدعوة إلى الله ونبذ سواه..لكن هناك كلمات مفتاحية تكررها السورة مع كل نبي منهم
في أربعاء أنبياء من الخمسة، يستخدم القرآن " أخوهم" في وصف علاقته بقومه ويستخدم نفس الحوار...
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ
تكرر الأمر مع هود، صالح، لوط...نفس الحوار بالضبط..إني لكم رسول أمين..فاتقوا الله وأطيعون..وما اسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين..
وتكرر مع شعيب أيضا لكن دون كلمة " أخوهم".. إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُو(179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)
نفس أساسات الحوار عند كل هؤلاء، ثم يتفرق عند كل منهم حسب جريمة قومه أو مشكلتهم الأساسية...

تحلق سورة الشعراء إلى حيث يمكننا أن نرى هذه القصص من أعلى، كما يراها الطائر، ومن إطلالة الطائر تلك، نرى المحكم والمشترك في تلك القصص، نفهم مسارات القصة واتجاهاتها..نرى أن ثمة " نمط متكرر"..
هذا النمط لا يخص وجود نبي يدعو قومه وتنتهي القصة بالعذاب للقوم الكافرين فحسب..
لكن زاوية نظر الطائر من أعلى ستنبهنا إلى ما هو أشمل من هذا التفصيل..سيبقى هناك كفر وإيمان في هذا العالم...سيمد هذا ويجزر ذاك، سيتبادلان الأدوار أحيانا..لكن سيبقيان في هذا الوجود...مهما بذل الأنبياء..مهما كانت هناك براهين..سيبقى هناك من لن يؤمن ... ربما أحيانا نكون مسؤولين عن ذلك فعلا بتقصيرنا أو إهمالنا أو حتى أخطائنا..
لكن ذلك ليس بعد أن نفعل كل ما بوسعنا...
****
السورة أخذته عليه الصلاة والسلام من شعور الألم الشديد على عدم إيمان قومه إلى ما هو أبعد...إلى القضية الأساسية في الإيمان...
ثمة أمور أساسية في الحياة...لا تنتهي ولا تزول..قد تخف، قد تجزر، قد يبدو أن بعض الأمور الأخرى قد غلبتها، لكنها ما تلبت أن تعود من جديد..وتختفى تلك التي جاءت محلها...كما لو أنها لم تكن..
الإيمان بالله من هذه الأمور التي ستبقى موجودة..قد نتخيل أن الإلحاد على وشك الانتصار ونحن نرى زيادة نسبته..لكننا نرى جزءا صغيرا فقط من المشهد الذي طالما تكرر...
*****
للجديد زهوته وجاذبيته..والناس تحب أن تجربه..لكنها تستهلكه أيضا بسرعة..وتبحث عن شيء آخر...
الناس قد تحب ما هو صرعة، موضة...وقد يتخيل المشاهد أن هذه الصرعة شيء سيبقى...وستتغلب وتظهر...لكن..بعد فترة، لا أحد يذكرها أبدا...
هذه الصرعات، تشبه ما كان يفعله الشعراء آنذاك، يقدمون شيئا براقا مبهرا، لكنهم لا يعنون شيئا مما يقولون، يهيمون هنا وهناك دون هدف أو بوصلة..يتكسبون من مدح هذا أو قدح ذاك، ينالون النجاح والرواج لبعض الوقت... ثم ينسى أثرهم...كما لو انهم لم يكونوا...
*****
فرق كبير بين ألم صاحب القضية، الذي يعرف أين قضيته، وبين الذي يهيم في كل واد ويقول ما لا يفعل...
مثل الفرق بين ما يبقى.. ما سيبقى موجودا..وبين ما سيزول بعد أن يأخذ وقته كصرعة...
#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
د.أحمد خيري العمري
نشر في 05 حزيران 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع