1645 مشاهدة
0
4
سواء كنا نحب أن نقرأها- أو نسمعها ..أو نشاهدها، فنحن نحب القصص. منذ فجر التاريخ عندما كان البشر يتجمعون حول النيران، إلى عصر النتفلكس، نحن نحب القصص.. قد يبدو الأمر مجرد تسلية وتزجية للوقت، لكن أي شيء منتشر إنسانيا لهذه الدرجة، وعبر التاريخ، لا بد أن يرتبط بشيء أكثر جوهرية من مجرد التسلية
لماذا نحب القصص؟سواء كنا نحب أن نقرأها- أو نسمعها ..أو نشاهدها، فنحن نحب القصص. منذ فجر التاريخ عندما كان البشر يتجمعون حول النيران، إلى عصر النتفلكس، نحن نحب القصص..
قد يبدو الأمر مجرد تسلية وتزجية للوقت، لكن أي شيء منتشر إنسانيا لهذه الدرجة، وعبر التاريخ، لا بد أن يرتبط بشيء أكثر جوهرية من مجرد التسلية.
الـتأثير المباشر للقصص واضح، ويمكن ملاحظته بسهولة في أي محاضرة، عندما تكون هناك قصة شخصية متضمنة، فأن التفاعل والنشاط من قبل الجمهور يكون أكبر بكثير مما يكون عندما يخلو الحديث من القصة..
الدراسات البيولوجية تقدم تفسيرا مدهشا للأمر: عندما نسمع قصة ما فأننا نتخيل ما يحدث، نشعر بشعور البطل، نتقمصه بدرجة ما...وهذا كله ينشط مناطق متعددة ومختلفة في الدماغ ، ويفرز سيالات عصبية مختلفة عن تلك التي تفرز في حالة الحديث العادي الخالي من القصة..هذا النشاط الدماغي عند سماع أو قراءة القصص هو الذي يفسر لماذا تعلق تفاصيل القصة في أذهاننا أكثر بكثير مما يحدث عند سماع الحديث العادي مهما كان متقنا وعلميا ومنطقيا.
هناك ما هو أكثر من ذلك أيضا...يشير بعض الباحثين إلى أن قص/ سماع القصص كانت أداة مهمة في نجاة البشرية في بداية تاريخها، وأن ذلك لم يكن أقل أهمية من بعض الأعضاء البشرية المهمة..
كيف؟ يشير هؤلاء إلى أن القصص كانت الوسيلة الوحيدة لتمرير قوانين المجتمع والأعراف والتقاليد ضمن المجتمعات البدائية الأولى، كما أنها كانت الوسيلة الوحيدة للتحذير من مخاطر محتملة لم يواجهها " المتلقي " بعد لكن القصة ستجعله يفهمها ويتوقع خطرها ويأخذ احتياطاته منها...وكذلك فأن طبيعة هذه المجتمعات كانت تحتم وجود قيم للتعاون والإيثار بين أفراد القبيلة أو القرية ، وكانت هذه القيم تمرر عبر القصص، حيث يمجد الشخص الذي يضحي من أجل الآخرين وتسبغ عليه صفات معينة، مما يجعل آخرين يرغبون في أن يحذوا حذوه..
في إحدى الدراسات المهمة التي حاولت التحقق من هذه المعلومات، تمت دراسة مجتمعين بدائيين في الفلبين، حيث لا يزال السكان يعيشون في نمط حياة بدائية، في المجتمع الأول كان هناك عدد أكبر من " القصاصين" وكان ينظر لهم باحترام كبير، وفي المجتمع الثاني كان عدد القصاصين أقل والنظرة لهم أقل أيضا...
80% من القصص المتداولة كانت تعني بالقيم ( الصواب والخطأ والموقف منهما) وليس كما قد يتوقع المرء من أن تكون ضد أخطار الطبيعة.
الشيء المهم الآخر: أن معيار التعاون والكرم عند المجتمع الأول كان أعلى مما هو عند المجتمع الثاني، وهذا يقوي فكرة أن القصص ساهمت في نجاة البشرية عبر بث قيم معينة تحث البشر على سلوك معين يساهم في النجاة.
أي مجتمع بشري آخر في تلك الفترة، لم يكن مسلحا بالقصص، كان معرضا للدمار والانقراض أكثر بكثير من المجتمعات التي تلم أفرادها على قيم معينة عبر القصص...
بعبارة أخرى مبسطة: الذين لا يقصون القصص ولا يسمعونها..انقرضوا...
أما الذين يفعلون فقد نجوا..
وكل البشر الحاليين، هم أحفاد النوع الثاني...
وبعبارة أخرى، من الآخر: أدمغتنا مبرمجة على التفاعل مع القصص. هذا جزء من طبيعتنا البشرية.
*******
ليست القصص أو الروايات ترفا أو اكسسوارا أو وسيلة لتمضية الوقت...هي ببساطة جزء من نشاطنا الدماغي ومتطلباته..
وإن كنا نرغب فعلا بتمرير أي قيمة، أي رسالة، أي مبدأ...فأن ذلك لا يمكن أن يكون أفضل مما يحدث مع " القصص"...
نشر في 10 آب 2019