1119 مشاهدة
0
0
لأنيس منصور كتاب شائق اسمه (وكانت الصحة هي الثمن)، يحكي عن أمراض العظماء وآلامهم، وقد أردت الاستعانة به في هذا المقال لكنني فشلت في العثور عليه في مكتبتي
نُشر في 3/8/2016لأنيس منصور كتاب شائق اسمه (وكانت الصحة هي الثمن)، يحكي عن أمراض العظماء وآلامهم، وقد أردت الاستعانة به في هذا المقال لكنني فشلت في العثور عليه في مكتبتي. لا أذكر تفاصيله سوى أن فيه فصلاً عن عبد الناصر، ونصف الكتاب مخصص لبونابرت وقرحته، مع بعض العبارات التي يستحيل التحقق منها، مثل أن بونابرت قال إنه يمنح فرنسا كلها لمن يعالج معدته !
خطر لي أن الطب لو كان في الماضي على درجة التقدم التي نراها اليوم، فلربما أمكن إنقاذ كثيرين من هؤلاء. الأعمار بيد الله طبعًا وقد كان مقدورًا لهؤلاء أن يمرضوا في طفولة الطب ويرحلوا، لكنك لا تتمالك إلا أن تلعب لعبة (ماذا إذا) في مخيلتك.
هناك الكثير من أمراض المشاهير التي يمكننا أن نذكرها بلا تحفظ، وبالطبع يغدو الأمر شفافًا في الغرب حيث معرفة الحالة الصحية للزعماء متاحة، بينما في الشرق لا يصاب الزعماء بأي شيء من أي نوع. روميل في العلمين عاني بعنف من الدوسنتاريا الأميبية هو وجيشه، لكنه لم يمت به طبعًا. روزفلت مات بشلل الأطفال . القيصر بطرس الأكبر مات بالزهري .. الحقيقة أن عددًا هائلاً من مشاهير الماضي ماتوا بالزهري فمن الواضح أنهم كانوا يعبثون بذيولهم كثيرًا. إميلي برونتي صاحبة مرتفعات وذرنج ماتت بالدرن المنتشر، ويبدو أن الأسرة كلها أصيبت بالعدوى .. الدرن مرض آخر كان القدماء يهوون الإصابة له. يقولون إن الكاتبة جورج صاند كانت متحيرة بين أن تصاب بالدرن مع شوبان وبين الزهري مع الفريد دي موسيه .. في النهاية فضلت الدرن ..
جورج ملك بريطانيا كان يعاني من البورفيريا المتقطعة وهو ما جعله يتصرف بجنون شبيه بالسكيزوفرنيا. أبراهام لنكولن الرئيس الأمريكي كان يعاني متلازمة مارفان، وهي تتكون من قامة فارعة وارتجاع في صمام الأورطى وعدسة عين في غير موضعها ومرونة مدهشة في المفاصل. يعرف الأطباء (علامة لنكولن) من صورة فوتوغرافية شهيرة يجلس فيها لنكولن وقد وضع ساقًا على ساق ..في ذلك الزمن كان لابد من جلوس الشخص ثابتًا أمام الكاميرا لمدة ربع ساعة على الأقل. لاحظ المصور بعد تحميض الصورة أن الركبة بدت مهتزة ولم يفهم السبب. السبب هو أن ركبة لنكولن كانت تهتز بلا توقف نتيجة ارتجاع الأورطى. لكن مارفان لم يقتل لنكولن .. قتلته رصاصة من ممثل متعصب موتور أمضته هزيمة الجنوب. وقد أدى ثقب الرصاصة في المخ إلى تلوث بكتيري قاتل.
مبتكر عرض الموبيت شو الشهير جيمي هنسون مات بالتهاب رئوي بالبكتريا السبحية A ..
أما عن بيتهوفن فقد أصيب بالصمم نتيجة مرض باجيه في العظام.. هذا المرض يجعل الجمجمة متضخمة والجذع صغيرًا والعظام هشة، وهذا يذكرنا بصورة بيتهوفن الشهيرة. هناك من يتهمون التهاب الأذن الوسطى الناجم عن الزهري كذلك. داروين مات بمرض شاجا الغريب الذي ينتقل في أمريكا الجنوبية عن طريق لدغة بقة الترياتوما .. هذا المرض يؤدي لتضخم كل شيء: المعدة .. القلب .. القولون ... هكذا قتلت أمريكا الجنوبية العالم الذي استمد مجده من أسرارها البيولوجية..
واشنطن كان عنده خراج حول اللوزتين .. بنيامين فرانكلين أصيب بخراج رئة ..
الشاعر البريطاني العظيم لورد بايرون كان مصابًا بالملاريا.. الكاتبة جين أوستين أصيبت بدرن دمر غدتها فوق الكلوية فأصيبت بمرض أديسون، وهو نفس ما حدث للرئيس جون كنيدي لكنه مات بالاغتيال طبعًا .. أوسكار وايلد مات بحمى شوكية .. وبالطبع يعرف الجميع مرض عالم الفيزياء العبقري ستيفن هوكنج الذي جعله حبيس مقعد متحرك للأبد.
بالنسبة للقادة العرب فبصراحة لا يحضرني سوى مرض السكري الذي أصاب الزعيم عبد الناصر، ومعه النوبات القلبية الصامتة – بلا ألم – التي قضت إحداها عليه. ثمة معلومة كلاسية قديمة لم أستطع التأكد منها قط؛ هي أنه كان مصابًا بالسكر البرونزي الذي يؤدي لتراكم الحديد في الانسجة وعضلة القلب. هذه معلومة تقليدية لكن لم أقرأ ما يؤيدها. في الاتحاد السوفيتي حاولوا علاجه بالمياه المعدنية، وأدخلوه غرفة رواد الفضاء حيث نسبة الأكسجين 100%، ويقول هيكل إنه شعر بتحسن وقتي ملحوظ.
أعرف كذلك ان السادات اصيب بنوبة قلبية في منتصف العمر، وقد جعله هذا يلتزم بنظام صحي ورياضي صارم. من يستطيع تخمين مرض حسني مبارك الذي جعله يستقدم واحدًا من أبرع جراحي المجاري الصفراوية الألمان ؟ وماذا عن فقدان وعيه في مجلس الشعب الذي برره صفوت الشريف بأنه (عنده انفلونزا وبياخد مضاد حيوي جامد) ؟.
عندما تراجع أمراض المشاهير، تكتشف أنهم لو عاشوا في عصرنا لأمكن علاجهم ببساطة. كانت تلك إرادة الله بالطبع، لكن هذه الفكرة تبين للمرء مدى تقدم الطب المعاصر. مثلاً: عبد الحليم حافظ. لو جاء في عصر البلتريسيد لابتلع أربعة أقراص لعلاج البلهارسيا وانتهي الأمر، ثم عندما تليف كبده وراح يقيء دمًا، كان أي طبيب يجيد مناظير الجهاز الهضمي قادرًا على حقن الدوالي أو ربطها، بينما هم أجروا له جراحة معقدة لعينة تقوم على نزع احتقان الدوالي ... بل كان من الممكن جدًا أن يجري جراحة زرع كبد على حسابه أو نفقة الدولة.
أي طبيب عيون مبتدئ كان بوسعه خلال يومين أن يعالج الرمد البثري الذي أصاب عيني طه حسين، بدلاً من حلاق الصحة الذي كان يسكب صبغة اليود في عينيه حتى أضاع نورهما للأبد. أما عن قرحة معدة بونابرت فكان بوسع مضادات ضخ البروتون أن تعالجها خلال أيام.
يمكنك أن ترى المرضى في أي وحدة لقسطرة القلب، فتشعر ان الأمر صار أقرب لعيادة أسنان مثلاً. زرع الدعامات كان قادرًا ببساطة على أن ينقذ قلب الشاعر صلاح عبد الصبور ومئات غيره ممن فتك بهم ضيق الشريان التاجي.
أما عن الآلاف الذين كان بوسع البنسللين أن ينقذهم من الزهري، فحدث بلا حرج عن دي موسيه وبيتهوفن وسواهما.. كثيرون ماتوا بالالتهاب الرئوي أو تسمم الدم وكان يمكن إنقاذهم. تذكر أن تاريخ الحرب العالمية الثانية كاد يتغير لولا البنسللين الذي جربوه مع ونستون تشرتشل الذي أصيب بالتهاب رئوي في ذروة الحرب مع ألمانيا.
جيش من ماتوا بالدرن كان بوسع أي مستشفى صدر متهدم أن يعالجهم بالريفامبيسن وأ.ن. هـ والستربتومايسن .. الخ .. أنت تعرف لحظة اكتشاف بطلة الأفلام العربية أنها مصابة بـ (مرض صدري) – لم يكونوا يجسرون على لفظ الاسم – فتكتب وصيتها وتودع حبيبها وينتهي الأمر.
بالطبع تقدم الجراحة كان قادرًا على استئصال الورم السرطاني الذي اصاب أمل دنقل في مرحلة متقدمة. في الأفلام العربية القديمة كنا نرى خطورة جراحة الزائدة الدودية، وكيف يقطب الجراحون وجوههم طيلة الوقت وينظرون في الساعة، وتجفف الممرضات عرقهم. اليوم يستطيع أي طبيب امتياز بعد تدريب بسيط أن يستأصل الزائدة في عشر دقائق.
منذ عامين كان كثيرون يرحلون لأنهم لم يشفوا من علاج التهاب الكبد ب وج . وكنا لا نملك لهم سوى أدوية غير فعالة، لكن ثورة مضادات الفيروسات ذات العمل المباشر فتحت أبوابًا واسعة من الأمل.
ترى ماذا سوف يأتي به الطب غدًا ؟ هل نقول هذا الكلام يومًا ما عن الذين يموتون اليوم بالسرطان والايدز ؟ لربما صار بوسع مريض السرطان بعد عشرين عامًا أن يبتلع قرصين من (أونكوستات) أو (ساركوكيور) فيصحو من النوم وقد زال الورم الخبيث. ولكن لهذا الخيال الجامح حدوده أيضًا ...
منذ أسبوعين كنت أبحث عن أمبولات أتروبين لعلاج مريض تناول مبيدًا حشريًا بالخطأ، والأتروبين هو العلاج الوحيد لحالة كهذه، فاكتشفت أنه لا يوجد أمبول أتروبين واحد في المدينة كلها. خطر لي أنه لو عاد عبد الحليم حافظ فلربما لا يجد أقراص علاج البلهارسيا، ويرحل بالضبط كما رحل قبل أن يوجد العلاج. وهذا يجعل المقال كله غير ذي معنى.
___
لقراءة المقال الأصلي:
http://www.elyomnew.com/articles/57294
نشر في 03 آب 2016