Facebook Pixel
قصة نيولوجيزم
2752 مشاهدة
0
1
Whatsapp
Facebook Share

لا أستطيع التحكم فى تلك النوبات كما تعلم. لا ليس حتميًّا أن يقترن الكلام الغريب بالكتابة الغريبة. أحيانًا ينفصلان.. أحيانًا أكتب سطورًا كاملة بهذه اللغة، لكنى أتكلم بلسان عربى فصيح وقد يحدث العكس

نُشر في 24 مارس 2015

بيسكادوس إيلى رواتا إيلى.. نافارك دوهار.. شليش دوهار.. سربنت دوهار.. دوتشيب أراس فيرو شاك ألمى بهستا تارجوك دونا.. أفوساى هانيلوب شلومان بارا.. ناسيب أجوسوب بالاك.. سيسا هاتور.. أجوساك.. غيرلاف ساجا أريل سوهاك ساجا.. هنيلوب لوا..

معذرة.. لا أستطيع التحكم فى تلك النوبات كما تعلم. لا.. ليس حتميًّا أن يقترن الكلام الغريب بالكتابة الغريبة. أحيانًا ينفصلان.. أحيانًا أكتب سطورًا كاملة بهذه اللغة، لكنى أتكلم بلسان عربى فصيح وقد يحدث العكس. منذ أسبوع جلست مع خطيبتى وفتحت فمى، فإذا بى ألقى عبارات طويلة بهذه اللغة العجيبة، وكنت أجدها منطقية جدًّا ولم أفهم سبب حيرتها، ثم تناولت القلم وكتبت على الورق:

- «هل أنا أستعمل لغة غريبة؟».

فهزَّت رأسها فى رعب أنْ نعم، فعدت أكتب:

- «لا أعرف ما دهانى.. يقينى أننى أعبّر عن نفسى بفصاحة لكنك لا تفهمين».

فهزَّت رأسَها من جديد فى رفض وراحت تراقب ما أكتبه.

بدأت هذه الظاهرة تتفاقم مع الوقت. راحت اللحظات التى يتغير فيها كلامى تتزايد مع الوقت، وكانت تسبب قلقًا فعليًّا لمن يتعامل معى..

عرفت من أحد المهتمين بهذه الأمور، أن هناك حالة نفسية غريبة يستخدم فيها المريض لغة أخرى لا يعرفها.. لغة لم يتعلمها لكنه يجيدها فجأة. وقيل إنه مَسّ الجن. حالة اسمها «زينوجلوسيا» وفيها يتكلم الشخص بلغة أجنبية لم يتعلم حرفًا منها من قبل.. فجأة تفاجَأ بابنك يتكلم الألمانية أو البرتغالية بطلاقة.. هناك أمثلة دينية لهذا، والغربيون يطلقون عليها اسم «الكلام بالألسنة».. والهندوس يعتبرونها دليلاً على التناسخ.. ربما كنت أنت من المتكلمين بلغة الزولو فى حياة سابقة.. فجأة تجد نفسك تجيد لغة الزولو..

شعرت بقلق شديد.. جربت أن أستخدم هذه اللغة مع أشخاص آخرين من جنسيات مختلفة.. لم يفهم أحد ما أقول.

رحتُ أحاول كتابة تلك المقاطع التى أتلفظ بها. لربما استطعت التوصل إلى شىء كما يفعلون فى عمليات فك الشفرة.. طريقة فك الشفرة فى الحشرة الذهبية قصة إدجار آلان بو.. أجوساك قد تكون فعلاً شبيهًا بـ«يكون» فى الإنجليزية.. لا وجود لأفعال الكينونة فى الجمل الخبرية فى العربية «أنا أكون رجلا» لا شىء كهذا. نافارك دوهار.. شليش دوهار... سربنت دوهار.. قد يوحى هذا بألوان.. دوهار ثوب قد يكون نافارك.. أو شليش أو سربنت..

أذكر فى طفولتى أننى كنت أمرّ جوار بناية دبلوماسية، وخرج شاب مندفعا وحيَّا الحارس صائحًا بصوت جهورى:

- «سولو كيزم!».

وقد ظل الفضول يخنقنى طيلة حياتى لمعرفة معنى سولو كيزم هذه.. طبعًا هذا يقترب من الاستحالة ما لم تقف فى مدخل بناية الأمم المتحدة مرددًا سولو كيزم. فى فيلم «رجل من الداخل» يستعمل لصوص المصرف لغة غريبة، فيقوم رجال الشرطة بإذاعة التسجيل عبر مكبرات الصوت عسى أن يميز الكلمات أحد المارة، وبالفعل يأتى لهم رجل ليخبرهم أن هذه اللغة هى الألبانية..

قمت بتسجيل فيلم لنفسى وأنا أتكلم كلامًا منطقيًّا.. المشكلة هى أنه بلغة لا يعرفها أحد. فى عصر الإنترنت يسهل أن تعرف بأىِّ لغة يدور الكلام.

هكذا وضعت الفيلم على «يوتيوب» وطلبت ممن يعرف بأىِّ لغة أتكلم أن يبلغنى بها..

أجوساك.. غيرلاف شرايب تال.. هنيلوب سلسيا.. أرفاناس جاريب.. لقد عدت أتكلم تلك اللغة.. أنا آسف..

اسمى شاكر.. مهندس كمبيوتر.. فى السادسة والعشرين من عمرى.. أعيش وحيدًا على قدر ما أذكر. كانت هناك خالة تُعنَى بى ثم توفِّيت منذ أعوام طوال.

اليوم كنت أحلق ذقنى فى الحمام عندما لاحظت شيئًا مقلقًا.. هناك تحت زاوية فكّى بالضبط كُريّة صغيرة ذات جدار عَظْمى. لم تكون موجودة هنا من قبل.. لاحظت كذلك أنها غير مكسوّة بالشعر. عندما نزعت ثيابى لأستحم لاحظت أن هناك كُريّة عظمية مماثلة جوار ركبتى اليمنى. هذه أشياء جديدة...

السرطان؟! لا أعرف ما هو بالضبط.. لكن الكلمة ظلت مشتعلة بضوء أحمر فى سماء الغرفة، فلم أستطع النوم.. هرعتُ إلى أقرب عيادة جراح.. تفحّص ما تكلمتُ عنه وبدا فى حيرة، ثم طلبَ أن أُجرى فحصًا بالأشعة على الكُريَّتين العظميتين..

لمّا عدت له بالأشعات تفحصها ثم أشار إلى كُريَّتين تبدوان كالفقاعتين فى الصور، وقال:

- «هناك أسنان فى داخل التجويف!».

لما بدا علىَّ الذعر قال لى مفسرًا «إن هناك أورامًا عديدة تحوى أسنانًا وعظمًا وشعرًا اسمها (تيراتوما).. هذه أشياء تحدث، والحل الوحيد هو الاستئصال».

- «ومتى؟».

- «متى صرتَ متأهبًا.. ولا تقلق من السرطان.. هذه ليست حالة سرطانية».

قلت له: ميها ركاه.. إينوخ.. شالماه هتروت دابين بلوف... أجوساك.. جاريب..

نظر إلىَّ فى دهشة فغادرت المكان بسرعة.

الطبيب النفسى الذى طلبت رأيه قال لى إن هناك حالات من الهستيريا تتحدث لغة غريبة كهذه، كما أن مَرضَى السكيزوفرنيا يخلقون لغة خاصة بهم.. هذا ما نطلق عليه النيولوجيزم.. معنى هذا الكلام أننى هستيرى أو مجنون..

أنا وحدى فى البيت...

أنظر فى المرآة.. هناك كُريَّة عظمية أخرى فوق الحاجب... الأمر يتحرك بسرعة مذهلة. الطبيب الجراح كذلك قال لى إن هناك أورامًا عديدة تصيب الجسم بهذه الكثافة وتنتشر.. هناك مرض شنيع يجتاح الجسم ليغطيه ويجعل المرء كوحش من قصص الخيال العلمى، وهو مرض اسمه «neurofibromatosis». سوف أتحول لمسخ تتخاطفه كليات الطب، ولن أعرف السبب أبدًا. لكن ماذا عن ورطة اللغة؟

جاءنى الرد بعد أيام من رجل تركى اسمه «وحدت صافى».. لقد رد على فى صفحة «يوتيوب» وتم الاتصال بيننا على «سكايب».. تكلمنا بالإنجليزية طبعًا:

- «جدتى كانت تستخدم لغتك هذه أحيانًا.. لا أعرف ما تقول الكلمات لكنك تعرف كُنه هذه اللغة».

سألته:

- «وما كُنه هذه اللغة؟».

- «أنت تعرف! كانوا يأتون لنا أحيانًا... كُريَّات تخرج من عظامهم وعظام أشداقهم.. وكانت تفوح منهم رائحة الكافور.. تشمها وهم على بعد ميلين..».

ثم أنهى الحوار مرددًا آيات قرآنية عديدة.. وقطع الاتصال!

أغلقت جهاز الكمبيوتر ونهضت مغادرًا البيت..

قالت لى خطيبتى عندما التقينا:

- «غريب أمر هذه الكُريَّات التى تخرج من جبهتك وفكّك.. إنها تتزايد».

ثم تشممت بأنفها وهتفت:

- «رائحة الكافور هذه.. هل تستعمله كدهان ليقلل الألم؟».

قلت لها فى عصبية:

- «لوفيف تاجيالا بيريس.. نوهارك.. شورشور. ناسكارديا لاتوف بيلى سانكسوس.. إبراهاديركا.. ناسوس.. شيفتا ناسوس.. نافارك دوهار.. شليش دوهار... سربنت دوهار…».

سوف أعرف كيف أفك هذه الشفرة.. سوف أجد اللغة.. أجهزة الكمبيوتر قادرة على تفكيك رموز أى لغة أرضية..

أنا أتبدل لا شك فى هذا.. المرآة تقول هذا بوضوح.. هنا وسط هذه الدائرة من الحيرة خطرت لى فكرة. هناك تلك المفكرة التى قالوا إن أبى تركها لى وظلت فى خزانة ثيابه.. المفكرة التى لم أستطع قراءة حرف منها، لأنها كُتبت بكلمات مثل: «سكريونا.. باكار تشيكوب... ناهارا.. فيزوس لا…».

حسبت أن هذه هلوسة، لكن ماذا لو عدت لها الآن؟

هرعتُ إلى خزانة الثياب وأخرجت المفكرة القديمة.. لا شك أنها تضوع برائحة الكافور. تأملتُ الكلمات.. لقد انفتحت طاقة السر.. يمكننى أن أقرأها الآن كأننى وضعت سماعتَى الترجمة الفورية فى مؤتمر:

«بنىَّ العزيز. لو كان بوسعك أن تقرأ هذه الكلمات فأنت قد نضجت بما يكفى لتفهم باقى الحقائق. إن جسدك سيخبرك بما عليك عمله.. نحن نختلف عنهم.. فقط لا يظهر الفارق إلا بعد سن الخامسة والعشرين، هذا يشبه داء الكُلْية المتحوصلة... تُولد به وتحمله فى خلاياك لكنه لا يعلن عن نفسه إلا فى سن متقدمة.. ولسوف يكون عليك يا بنى أن تبحث عن مكان آخر.. مكان مظلم رطب.. سيكون عليك أن تجد زوجة منّا.. سيكون عليك أن تأكل كما نأكل.. سوف تنسى لغتهم.. وعندما يقولون إننا شياطين أو غيلان فلا تدع هذا يحطم معنوياتك. نحن متميزون ومختلفون لهذا يكرهوننا».

كنت أرتجف... ألقيت بالمفكرة جانبًا. أفهم ما هو مكتوب لكنى كذلك لا أفقه حرفًا من هذا الهذيان.. ما أمرّ به مرض نفسى لا أكثر مع أورام لعينة فى عظامى.. الأمر لا يزيد على ذلك.. سأخبرك بما أنتويه: مارتو أرام.. مارتو أرام... أفساى هانيلوب شلومان بارا.. ناسيب أجوسوب بالاك.. سيسا هاتور.. أجوساك.. غيرلاف ساجا أريل سوهاك ساجا.. هنيلوب دوا.. أرا!
هل تفهمنى؟
تمَّت
روايات مصريـة
نشر في 26 نيسان 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع