Facebook Pixel
تيك توك (5)
3037 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

من أحد روايات أحمد خالد توفيق تيك توك، فتتمة القصة من أحد قصص أحمد خالد توفيق، تيك توك في جزئها الخامس

تيك توك .. الجزء الخامس
***
جميلة جدًا هي (مي).. خاصة عندما تطرق للأرض مفكرة..
في سن السابعة والعشرين يكون الوقت قد حان كي يجد البحار المرفأ، وكي تتوقف سفينته اللاهثة بعض الوقت، وكان (إيهاب) قد بلغ السابعة والعشرين..
يوم اخترتك كي ترثيني..
أهديتك مفتاح كياني..
إذ ترحل سفني عن كون
لا يعبأ برحيل سفيني..
جميلة جدًا هي (مي).. خاصة عندما تشفى من الحمى وتجلس في الفراش تأكل الجيلي وتضحك. تقول له إنه أنقذ حياتها، فيقول لها إن الكلورامفنيكول هو الذي فعل.
جميلة جدًا هي (مي) معلمة الابتدائي الشابة، وقد رآها بصعوبة وسط تلك الأطياف المحيطة بها.. كل الأطياف والبالونات والمسوخ والأضواء المتوهجة. لا تعرف (مي) أن هناك ملايين الأشياء الحية في غرفتها معها.. لو عرفت لماتت ذعرًا..
هناك لكل واحد واحدة.. وقد أدرك (إيهاب) أنه وجد واحدته أخيرًا..
لا نستطيع أن نسرد كل التفاصيل التي تلت ذلك، والتي جعلته مدلهًا بهواها.. لكن زياراته لها تكررت كثيرًا جدًا بأسباب ملفقة زاعمًا أنه يطمئن عليها أولاً، ثم عرفت أنه يهيم بها حبًا.. حتى جاء اليوم الذي أقنع فيه أباه المسن بأن يصحبه لزيارة أهلها.. أسرة لطيفة متماسكة هي، وقد كان (إيهاب) بحاجة ماسة إلى أسرة تحتضنه وسطها..
لقد صار للحياة مذاق مختلف..
إنه يحب مثل الآخرين، وليس مجرد تلك العين الكئيبة التي ترى الأهوال..
رائحة الشقة شياط.. إذن هو يوم السبت...
تيك توك.. تيك توك..!
هل تسمع؟..
لا جدال في ذلك.. إن الأمر حقيقي تمامًا..
إنهما جالسان في صالون بيتها وبالطبع يجثم أخوها الصغير على روحيهما كعادة أسر الطبقة الوسطى، لكن لا جدال في مصدر الصوت.. هو ليس قادمًا من (إيهاب) وليس قادمًا من أخيها.. لقد تعلّم (إيهاب) الدرس من قبل، ورأى اللون الأزرق الغامض يتسرب منها ليضيء كل شيء..
ابتلع ريقه الذي صار كالقش.. شرب كوبًا من الماء البارد ثم أعاد الإنصات..
تيك توك.. تيك توك..
لا شك في هذا.. الصوت يخرج من (مي) وهي لا تحمل ساعة أو قنبلة موقوتة.. كان ارتباكه كاملاً، وراح يردد في ذهنه: لماذا أنا؟ لماذا أنا؟ السيناريو الذي كان يخشاه يحدث فعلاً..
ـ"هل أنتِ على ما يرام؟"
اتسعت عيناها دهشة وأكدت أنها بخير.. لكن قلقه كان بالغًا، وخطر لها أنه يلعب لعبة العاشق المفعم بالقلق على حبيبته: أنت تسعلين؟.. لا.. أنا لا أسعل.. إذن أنا قلق لأنك لا تسعلين..
ـ"هل من ألم في الصدر أو ضيق في التنفس؟"
تيك توك.. تيك توك
لا شك في هذا.. والصوت يتعالى..
لا تعرف كيف ولا متى جذبها من يدها وغادرا البيت.. حتى قبل أن يخبر أهلها أو يصحب أخاها، وانطلق بالسيارة العتيقة التي ابتاعها إلى المستشفى.. قالت محتجة :
ـ"أنا بخير.."
ـ"فقط ثقي بي.."
قالها وهي تتمدد على منضدة الأشعة.. قالها وهي تجري فحصًا لقاع العين.. قالها وهي تجري تخطيطًا للقلب.. قالها والممرضة تسحب منها عينات الدم لحشد من التحاليل.. قالها ومختص القلب يفحصها.. قالها ومختص الأمراض العصبية يفحصها..
تيك.. توك
سوف يجن..
تيك توك
هذا لا يطاق
الكل ضحك.. الكل هز رأسه.. الكل قال دعابة سخيفة عن العشق الذي يجعل الطبيب ينسى الطب.. هئ هئ..
كان يعرف يقينًا أنها ستموت.. لا مجال للمزاح هنا.. حاسته لم تخنه قط من قبل، وهو متأكد مما سيحدث...
كان يعرف يقينًا أن موهبته لا تتنبأ.. هذا يعني أن الموت بالحوادث غير وارد في قائمة التحذير. من الممكن أن تدهمها سيارة أو يهوي فوقها سقف البيت ولن يصدر عنها ذلك الصوت، وبرغم هذا كان قلقًا..
عندما غادرا المستشفى قالت له في ضيق:
ـ"هل لي أن أفهم؟ ظللت صامتة وأنت تلهو معي كفأر تجارب.."
قال في ضيق مماثل :
ـ"لكن جهلت مقالتي فعذلتني.. وعرفت أنك جاهل فعذرتكا!"
لم تفهم سوى أنه يلومها.. على الأقل كلمة (جاهل) معروفة للجميع. قالت وقد بدأت تتنمر :
ـ"لا بأس وشكرًا على تهذيبك.. لكن أظن أن من حقي أن أفهم.."
تيك توك..
تيك توك..
الصوت يتعالى من جديد ..
جذبها من يدها لتصعد على الإفريز، فهو لا يضمن ألا تدهمها سيارة مسرعة الآن.. صحيح أن هذا يخالف منطق موهبته لكنه خائف...
فتح لها باب السيارة لتجلس جواره.. ثم أدار المحرك وهو غير متأكد من موقفه.. فجأة توقّف وطلب منها أن تجلس خلفه بالضبط.. حسب دراسته فإن أكثر الأماكن خطرًا هو المجاور للسائق وأكثرها أمنًا ما كان خلفه..
ـ"هل جننت؟ أنت لا تقود سيارة أجرة!"
ـ"يشرفني أن أفعل.. هل نسيت أن أقول لك إنني أهيم بعشق الفتاة التي تطيع أوامري بلا مناقشة؟"
ماذا لو كان سيتسبب في حادث مروع يقتلها؟ هذا منطقي جدًا.. يجب أن يكون حذرًا في القيادة.. ما أصعب القيادة وأنت تبالغ في الحذر! سوف تشعر كأنك تتعلم..
قال لها وهو يراقب الطريق ويرتجف :
ـ"لم لا تذهبين لزيارة أقاربك بعض أيام؟ ربما أسبوع أو أكثر.. لا أحب أن تعودي لهذه الدار العتيقة"
دار عتيقة سوف تتصدع الليلة وتهوي لتقتل من فيها.. غالبًا هذا هو ما يحدث...
تيك توك.. تيك توك.. الصوت أعلى.. معنى هذا أن الموت يقترب.. أليس هذا منطقيًا؟
قالت له وهي تحاول أن تبدو طبيعية :
ـ"هلا توقفنا لتناول بعض المرطبات؟ حلقي جاف من كل الفحوص التي أجريت علي.."
ـ"بالطبع لن نتوقف!"
سوف يكون العصير مسمومًا أو فاسدًا على الأرجح..
الآن كان قد فعل كل ما من شأنه أن يقنعها بأنه مجنون تمامًا.. لم يقصر في شيء.. هي تشك فيه بقوة الآن لكن ماذا يعمل؟
قال لها :
ـ"هل ستغيرين مسكنك؟"
نظرت له طويلاً ولم ترد.. هذه نصيحة مهمة: عندما يجن خطيبك فلا تدخلي معه في جدل طويل.. فقط غادري السيارة وعودي لبيتك راجلة...
أما هو فقد كان يصغي بلا توقف إلى صوت تيك توك..
***
إلى اللقاء مع الجزء السادس والأخير إن شاء الله
روايات مصريـة
نشر في 06 نيسان 2019
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع