Facebook Pixel
783 مشاهدة
0
1
Whatsapp
Facebook Share

أحداث الماضي ثابتة وأزلية ولا مجال لتغييرها وهذا ما يجعلنا نحبّ الماضي فعليا ونحنّ إليه لأنه آمن ولا يمكن له أن يؤذينا المستقبل بالمقابل هو شيء مجهول، ويملأ نفوسنا رهبة لأننا لا نعرف ماذا يخبئ لنا في جعبته وأي مصيبة تنتظرنا خلف منحنياته

باستثناء الكوابيس التي نرى فيها أنفسنا ونحن نرسب في امتحان الثانوية العامّة - الذي اجتزناه قبل عشرة أعوام على الأقل - فالإنسان بشكل عام لا يخاف من الماضي..

مردّ ذلك أن أحداث الماضي ثابتة وأزلية ولا مجال لتغييرها.. وهذا ما يجعلنا نحبّ الماضي فعليا ونحنّ إليه.. لأنه آمن ولا يمكن له أن يؤذينا.. المستقبل بالمقابل هو شيء مجهول، ويملأ نفوسنا رهبة.. لأننا لا نعرف ماذا يخبئ لنا في جعبته.. وأي مصيبة تنتظرنا خلف منحنياته..

للتغلّب على هذا القلق، قمنا نحن البشر باختراع شعوذة لطيفة تسمّى التفاؤل.. مفاد هذه الشعوذة الجميلة أننا نستيقظ كل صباح متناسين تماما ما فعلته بِنَا الدنيا بالأمس.. ومفترضين زورا وبهتانا وإفكا أنّ -المستقبل- سيكون لطيفا معنا هذه المرّة.. ولا يخفى على عاقل أن هذه الشعوذة لا تلبث أن تفشل.. فما أن تغرب شمس النهار حتى تكون الدنيا - كعادتها - قد أذاقتنا الويل.. فتتعكّر أنفسنا وينتزع مزاجنا.. لكننا لا نيأس، نبلع حبّة شعوذة التفاؤل وننام، آملين من المستقبل أن يكون طيبا معنا لأننا طيّبون.. وهكذا دواليك.. فهل هنالك من حلّ لهذه المتوالية التي تستنزف عمرنا يوما بعد يوم؟ هل من الممكن أن ننظر إلى المستقبل بنفس عين الرضا التي ننظر بها إلى الماضي؟

تماما.. الحلّ الأمثل للتغلّب على قلق المستقبل هو أن نسبقه.. أن نتوقّعه.. أن نحوّله إلى ماضٍ قبل حتى أن يبدأ.. وليكون الكلام عمليا، ابدأ نهارك وأنت موقن تمام اليقين أنك ستتعرض الْيَوْم إلى عشر خيبات .. ست منها كافية لرفع ضغطك.. ثلاث أكثر حدّة كافية لتجميد الدمّ في عروقك ولنسمّها - مشاكل.. والأخيرة تهدد كيانك كاملا..ولنسمّها كارثة..

وكتطبيق عملي، إذا استيقظت لتكتشف أن ذراع تشارليز ثيرون التي كنت تحتضنها في الحلم، ما هي إلا ساق أخيك الصغير النائم بجانبك، وأن عزف البيانو الذي كانت تعزفه لك باستمتاع، ما هو إلا تداخل لصوت المنبه الذي بحّ وهو يحاول أن يوقظك.. فبإمكانك أن تعتبر أن هذه هي خيبتك الأولى.. لكن الفارق هنا أنه لن يكون بإمكان هذه الخيبة أن تعكّر مزاجك لأنك قد سبقتها وتوقعتها أصلا..

وإذا نظرت إلى هاتفك لتجد أن الساعة قد تجاوزت الثامنة بقليل وأنك ستحتاج إلى معجزة لتصل إلى عملك قبل اجتماع التاسعة، فستكون هذه خيبتك الثانية.. وإذا خرجت من فورك إلى الشارع لتفاجأ بأزمة سير تمتدّ من بغداد إلى الصين.. فبإمكانك بكل بساطة أن تكتب ذلك في مفكّرتك تحت الرقم ثلاثة.. أمّا إذا وصلت الاجتماع بمعجزة لتكتشف أنك قد نسيت التقرير الذي ينتظره الجميع في البيت، فهنا تكون مشكلتك الأولى قد حضرت باكرا..

طبعا سينتهي اليوم كما انتهى اليوم الذي سبقه.. وكما سينتهي اليوم الذي يليه.. لن يختلف في الدنيا شيء، لكن نظرتك أنت ستكون مختلفة.. الحياة لن تتغير ولا تتغير.. لكن ردود أفعالنا عليها من الممكن أن تتغير.. سترجع من عملك كما ترجع كل يوم.. لكنك لن ترجع محطما ومهزوما وناقما ككل يوم.. بل ساخرا مستمتعا ثابتا.. لأن سبع خيبات فقط قد حدثت اليوم، وليس عشرة كما توقّعت.. وهذا شيء جيد..

وعوضا عن الدخول في أسئلة عدمية مثل، لماذا لم يسجد إبليس؟ ولماذا أكل آدم التفاحة ؟ ولماذا لم يكن نصيبك أن تأتِي إلى الدنيا كخنفساء ذات ظهر أحمر مرقّط تقضي يومها في مضغ أوراق الشجر؟ فإنك بكل بساطة ستستحمّ وتأكل وجبة ساخنة.. وربّما تقضي سهرة ممتعة مع العائلة، تخرج مع أصدقائك ، أو حتى تقرر مشاهدة فيلمك المفضل لتشارليز ثيرون للمرّة التاسعة والستين..

#ديك_الجن
كتابات ديك الجن
نشر في 10 آذار 2019
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع