Facebook Pixel
1008 مشاهدة
0
1
Whatsapp
Facebook Share

كل منا يملك لحظات صعبة مرت عليه في حياته لحظات كانت تبدو فيها الأمور أصعب من الاحتمال ليس بسبب صعوبة المهمة الملقاة على عاتقنا ولا بسبب طبيعة الظروف المحيطة بها فحسب بل ببساطة لأن كلام الناس قد يزيد كل الأمور صعوبة

#القرآن_360_درجة
#ختمة_مختلفة
كل منا يملك لحظات صعبة مرت عليه في حياته...
لحظات كانت تبدو فيها الأمور أصعب من الاحتمال..ليس بسبب صعوبة المهمة الملقاة على عاتقنا ولا بسبب طبيعة الظروف المحيطة بها فحسب..
بل ببساطة لأن كلام الناس قد يزيد كل الأمور صعوبة ..تجد نفسك فجأة فريسة لاتهاماتهم وسخريتهم وسوء ظنونهم وأحيانا كثيرة افتراءاتهم وكذبهم..ويكون ما في داخلك مختلفا جدا عما يقولون وعما يفترون...وتصبح هذه الجبهة فجأة أصعب وأكثر مشقة من جبهة العمل الأصلي الذي كنت قد بدأته...
يمكنك أن تقول: ولماذا كلام الناس مهم؟ دعهم وكلامهم. المهم أن تفعل ما أنت مؤمن به...
صحيح..لكنك لا تولد مع هذه القدرة..لا نولد " بجلد التمساح" للأسف، بل نتطور بهذا الاتجاه مع الوقت، عبر التجارب والمواجهات الصعبة، تجد نفسك شيئا فشيئا أقل اكتراثا بما يقال، وتنتبه لنفسك فجاة ذات يوم وإذا بجلدك قد فقد حساسيته...
يختلف الأمر من شخص لآخر...بحسب درجة حساسيته..البعض لا يستغرق معهم التحول مدة طويلة...والبعض الآخر لا يصلون إلى ذلك أبدا...
لكن أغلب الناس، يصلون إلى التحول في نقطة ما من تجاربهم ومواجهاتهم...
قد يكون الأمر بسبب رأي خاص " مختلف" تتبناه..أو بسبب مشروع بدات به وهو مضاد لكل ما عرفوا من مشاريع..قد يكون بسبب خيار شخصي في حياتك..ربما يكون لشيء لا دخل لك به..حجم أنفك أو لون بشرتك ..ربما بسبب وزنك،..أو طريقتك في الكلام..
ربما بلا سبب على الإطلاق غير حساسيتك نفسها..
البعض من الناس يحاول دوما أن يجد فريسة يتسلى بها...يختارها الأضعف والأكثر حساسية لكي يقضي بها وقتا..أو يعوض عبرها إحباطاته وتعرضه نفسه لأن يكون صيدا وفريسة في وقت سابق...دورة لا تنتهي أبدا..قد نكون نحن أحيانا قد قمنا بهذا الشيء ...تعويضا لإحباط ما...أو مسايرة لمن حولنا..أو استعراضا لعضلات سخريتنا..
أمر شائع جدا..
لكن شيوعه لا يقلل من صعوبته..
*******
سورة الفرقان تقبض عليك في لحظاتك الصعبة تلك وتقول لك: حقا؟ من تظن نفسك يا صاح؟ لقد تعرض من هو أفضل منك بكثير إلى ما هو أسوأ من هذا بكثير.....فلم تعتقد أنك استثناء؟
تأخذنا السورة إلى داخل نفسه الكريمة، عليه الصلاة والسلام، إلى مواضع تلك الطعنات التي حاول كفار مكة أن يجرحوه من خلالها...تأخذنا السورة إلى حزنه النبيل عليه الصلاة والسلام ، ثم تقول لنا بين السطور: تماسك وتجلد إذن. هذا هو الرجل الذي بلغ الكمال الإنساني..ورغم ذلك فقد تعرض لأسوأ مما تعرضت له..
كف عن التذمر والبكاء. تخط الأمر..وحاول أن لا تكترث لما يقولون...
******
سورة الفرقان فيها شيء من الحزن النبيل الراقي الذي كان يشعر به عليه الصلاة والسلام في المرحلة التي نزلت فيها السورة، نحن في منتصف المرحلة المكية تقريبا، بعد هجرة الحبشة وقبل الإسراء...
وكفار مكة لا يزالون على عنادهم، لا يزالون يتهمونه بشتى الاتهامات ويتعرضون له بالسخرية والانتقاص..
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا
كل الصدق الذي يحمله في قلبه، كل الثقل الكبير الذي كان ينوء به منذ أن تنزل عليه الوحي، كان هؤلاء يقابلونه بأنه مجرد كذبة، تمثيلية، ساهم فيها هو مع آخرين من أتباعه أو ممن لم يظهروا بوضوح...
"وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا"
مقابل كل الجدية التي كان عليه الصلاة والسلام يتعامل بها مع الأمر، كان هؤلاء يرفعون أكتافهم ساخرين متسائلين عن أهمية ما جاء به محمد...كل شيء مما يقوله موجود في أخبار الأولين...لم يأت بجديد..محمد يجمع ما كتب من قبل..ويساعده في ذلك من له علم بما في أخبار الآخرين..
ولأن وجود التفاصيل في أي كذبة يجعلها أكثر إقناعا، فقد حددوا الوقت الذي تحدث فيه عملية إملاء الأساطير هذه...بكرة وأصيلا..
"وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا . أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا "
كانوا يعيبون عليه بشريته..يعيبون عليه أنه يتصرف كما الناس، ويأكل كما يأكلون، ويمشي في أسواقهم...أي ظلم أن تشعر أن من يرفضك يتحجج بكونك إنسان ليرفضك..ماذا أفعل مثلا...ماذا تقترحون؟...يقترحون أن يكون معه ملاك..أو يدله ربه على كنز يغنيه عن العمل تماما....أو أن يجعل له جنة بحيث يأكل منها متى ما أراد...بدلا من السعي لرزقه....
لكنهم ليسوا جادين في شيء مما يقولون..من يعلق إيمانه على طلبات كهذه سيبقى يجد ما يطلبه...لن تنتهي طلباتهم واحتجاجاتهم...
"وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا. انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا"
سريعا يجدون تفسيرا آخر.." السحر"...لقد سحركم محمد فاتبعتموه...
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا
ولو أنزل عليهم ملائكة؟ سيقولون هذا سحر سحر أبصارنا...ولو أنه رأوه - جدلا - لقالوا : أرَبٌ يرى؟
لن ينتهي الأمر...لقد استكبروا في أنفسهم...الأنا في دواخلهم تضخمت على نحو لا يرجى شفاؤه..كل من تتضخم أناه يجد صعوبة في تقبل وجود من هو أفضل منه..وإتباع الرسول يتضمن ذلك حتما..أناهم استكبرت وتضخمت لدرجة أنها وصلت لتكون إلها شخصيا لكل منهم...."أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا"..وصل الأمر لهذا الحد..إلهه هواه...
"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا "
ولو أن القرآن أنزل عليه جملة واحدة لقالوا لم أنزل جملة واحدة، أما كان من الأفضل أن يتنزل مفرقا؟..سيجادلون في أي شيء وعكسه..إلهه هواه..
لكن تحقيق طلباتهم ليس هدفا بأي حال من الأحوال..وهذا القرآن يتنزل عليك في اطوارك المتعددة ليثبتك في كل طور ويقودك إلى ما بعده...
"وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا"
يقولونها منتقصين..أهذا الذي بعث الله رسولا؟ ألم يجد من هو أفضل منه؟! ما باله "هذا" بالضبط؟ ما هي المواصفات التي كنتم ستقبلون بها؟ لا شيء بالتأكيد. مهما كانت المواصفات سيتعاملون بنفس الطريقة: أهذا الذي بعث الله رسولا؟! الأنا في دواخلهم تجعلهم غير قادرين على تقبل أي كان في موضع "أعلى" منهم...
"وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا .لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا"
القرآن يجعل عليه الصلاة والسلام يرى نهاية هؤلاء..النهاية الأخيرة جدا...الندم...العض على الأصابع من الندم..والاتهامات بينهم...
ولكن القرآن أيضا يتبع هذا المشهد بمشهد الرسول وهو يبث حزنه إلى ربه..
"وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا"
شكواه لم تكن عن تلك الطعنات أو الكلمات الجارحة...بل عن عدم سماعهم للقرآن..لم تكن شكواه شخصية، رغم كل " شخصنتهم"...لكنه كان يشكو من أجل رسالته..من أجل قضيته...
"أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا"
هذا هو الحل الذي يجعلك تتجاوز كل ما يقال..هم " حاليا" - وبعد كل ما بذلته من جهد معهم- كالأنعام..بل هم أضل سبيلا..لا يسمعون ما تقول..ولا يعقلونه...لذا تجاوزهم..لا تكترث أصلا لما يقولون..
*******
لا يعني هذا أن كل انتقاد يوجه لنا يدل على أننا على صواب...وليس صحيحا بالمطلق أن " الأشجار المثمرة وحدها هي التي ترمى بالحجارة" كما يروج البعض..بعض ما يوجه من انتقادات تكون صحيحة تماما، ويكون ما نفعله هو الخطأ..ليس الانتقاد دليلا للخطأ ولا للصواب..ولا التصفيق دليلا على أي منهما أيضا..هذا أمر مختلف تماما...
لكنك ربما كنت تعلم جيدا في قرارة نفسك، إن كنت على صواب أو خطأ..
وتعلم ايضا أي الانتقادات كانت في جوهر الموضوع..وأي منها كان لدوافع أخرى... مثل تلك التي مرت في السورة..
******
واحدة من أجمل وأرق الآيات في وصف المؤمنين جاءت في سورة الفرقان...
"وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا "..
..تعامل الآية على أنها تصف المؤمن الهين اللين...
لكنها ربما تصفه أيضا بعد أن وصل لهذه المرحلة التي لا يكترث فيها لما يقال وما يطعن به ...قالوا سلاما..تصالحوا تماما مع حقيقة أن ليس كل من في الأرض سيؤمن..وأن إرضاء الجميع أو إقناع الجميع مهمة مستحيلة..وتصالحوا مع أن بعض البشر مصر على عدم الفهم...تصالحوا مع كل ذلك...فقالوا سلاما...
*****
في درب مواجهاتنا وصراعاتنا وحملنا لقضايانا...نكون أمام عدة مراحل في التعامل مع الطعنات..
واحدة من هذه المراحل لها جاذبية شديدة...وهي مرحلة " القنفذ"...أن تحمي جلدك بأشواك القنفذ..ليس من السهل أن يطعنك أحد، فهو قد يصاب أيضا بأشواكك..وهذا يوفر الحماية لك ولحساسيتك..ولكنه ايضا يجعلك " مكورا" على نفسك على نحو مغلق وغير متفاعل مع ما حولك..
مرحلة " جلد التمساح" أفضل وأجدى وأوعى بكثير...
محظوظون هم أولئك الذين يملكون الوعي الكافي والإرادة اللازمة للوصول لها...
#أحمد_خيري_العمري
د.أحمد خيري العمري
نشر في 28 أيّار 2019
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع