Facebook Pixel
أزمة ثقافية
1118 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

حالتين متعارفين عليها بالواقع إما استسلام تام للواقع وإما ثورة عنيفة على أي واقع ،ولكن الحالة الخفية أنه ما بينهما أخطر

ماذا نعني بالأزمة الثقافية؟
إن الجواب عن السؤال يتأتى بطريقة مباشرة, فكلما عمل المجتمع واجبه في السهر على سلوك الأفراد - بدعوى الحرية, أو أية دعوة أخرى - وزال الضغط الاجتماعي, انطلقت الطاقة الحيوية من قيودها, سواء أكانت هذه القيود مفروضة على أساس ديني أو أساس دستوري, فدمرت كل ما يقوم على تلك الأسس سواء كانت دينية أو علمانية, أي إنها تدمر كل البناء الاجتماعي.

وهذا ما يحدث أيضاً عندما يفقد الفرد, مثلاً لأسباب سياسية, حقه في النقد, أو فيما يشير إليه الحديث السابق كواجب تغيير المنكر.

ففي كلتا الحالتين تنشأ أزمة ثقافية مآلها البعيد أفول الحضارة, وفي القريب زوال الالتزام بين المجتمع والفرد, زوالاً يعبر عنه في صورته الفلسفية كتاب مثل (اللامنتمي) للإنجليزي (كولين ولسون), أو في صورته السلوكية عصابات (الهيبيز).

يجب أن نلاحظ هنا أن كل ظاهرة اجتماعية لا تستقر في صورة منشئها, فهي كائن مرتبط بحياة المجتمع, بينها وبين هذه الحياة تفاعل جدلي ينمي نتائجها في المجتمع من حد الصفر إلى نقطة (اللارجوع).

فالأزمة الثقافية تنمو وتنمو معها نتائجها, من الحد الذي يمكن تداركه بالتعديل البسيط إلى الحد الذي يصبح فيه التعديل مستحيلاً, أو لا يمكن إلا بثورة ثقافية عارمة تكون في الحقيقة بمنزلة انطلاقة جديدة للحياة الاجتماعية من نقطة الصفر.

وبين هذين الطرفين تبرز حقيقة ألا وهي أن ظرفاً واحداً أعني أزمة ثقافية، يخلق أمام مجتمع متقهقر أو جامد استحالة لا يستطيع التغلب عليها فيستسلم- كما يقولون- للواقع، بينما يخلق هذا الظرف نفسه بالنسبة لمجتمع آخر فرصة لدفعة جديدة لحركيته، مثل الدفعة التي أعطاها (ماوتسي تونج) للحياة الصينية تحت اسم (الثورة الثقافية)، لم يكن للشعب الصيني غنى عنها لمواجهة أي واقع يواجهه من أجل تعديله في الاتجاه الذي يراه.

وبين هاتين الحالتين، بين الاستسلام التام لـ (الواقع) وبين الثورة العنيفة على أي (واقع) لا يستساغ، درجات من الخنوع والتقوقع والهروب من المسؤولية، هي بالضبط درجات الأزمة الثقافية التي يتخبط فيها المجتمع، والتي تحاول السلطات السياسية المتورطة أو الانتهازية بكل جهدها إخفاءها أحياناً، لأنها تعودت على ألا تسمي القط قطاً وأن تعيّن الخائن باسمه.

إن هذه الانتهازية وهذه التورطات وهذه (الشطارة) في إخفاء الواقع باسم (الواقعية) كلها من معدن واحد، معدن (الأزمة الثقافية)،...
أفكار مالك بن نبي
نشر في 21 تشرين الثاني 2014
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع