1079 مشاهدة
1
0
نستطيع حصر أحكام القرآن وزبدة عقائده وتعاليمه في بضع صفحات، وبضع صفحات ليست شيئًا هيّنا، إنها تتسع لحشد كبير من المعارف الثمينة، بيد أن الوحي الإلهي ليس مجموعة من العلوم رصت في كتاب ثم قدمت للناس
احتوى القرآن على شرائع الإسلام وأصول دعوته. لكن هذه الشرائع والأصول لا تستغرق جزءًا كبيرًا منه، فإن الإسلام دين يسير الرسالة، محدود التكاليف، وإنما كثرت السور واستبحرت الآيات لكي يمكن عرض الحقائق الدينية في أسلوب عامر بالإقناع، فياض بالأدلة!.نعم نستطيع حصر أحكام القرآن وزبدة عقائده وتعاليمه في بضع صفحات، وبضع صفحات ليست شيئًا هيّنا، إنها تتسع لحشد كبير من المعارف الثمينة.
بيد أن الوحي الإلهي ليس مجموعة من العلوم رصت في كتاب ثم قدمت للناس.
إن عماد هذا الوحي- بعد تقرير الحق الذي جاء به- هو كيف يغرس هذا الحق في النفوس، وكيف تفتح أقطارها له وكيف تبقي عليه وإن تعرضت للفتن، وكيف يبقى فيها وإن زاحمه الباطل وضُيِّق عليه الخناق بصنوف المحرجات.!
إن وحدانية الله جل جلاله أُم العقائد الإسلامية، ومبدأ التوحيد لا يُحتاج في بيانه إلى كراسات أو مجلدات، بل كلمة التوحيد تكتب في سطر وتُنطق في لحظات، فهل كذلك الأمر في إشراب القلوب حقيقة التوحيد ، وتتبع مسالك الإنسان لنفي الشرك عنها، وإلزامها الصراط المستقيم وسرد تاريخ الأمم الأولى، وكيف اجتالتها الشياطين عن الفطرة، فاتخذت من دون الله أوثانًا. ثم كيف لقيت المصير الأسود الذي يجب أن تتعظ به الأجيال الجديدة بعد بوار القرون السابقة؟...
الأمر هنا يحتاج إلى إفاضة واستطراد لكي يُستطاع التغلب على طبيعة الإنسان المعاندة، وإغلاق كل منفذ يمكن أن تهرب منه. ولذلك يقول الله عز وجل: "ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا"
قد تجد في القرآن حقيقة مفردة، ولكن هذه الحقيقة تظهر في ألف ثوب. وتتوزع تحت عناوين شتى، كما تذوق السكر في عشرات من الطعوم والفواكه، وهذا التكرار مقصود، وإن لم تزد به الحقيقة العلمية في مفهومها.
ذلك أن الغرض ليس تقرير الحقيقة فقط، بل بناء الأفكار والمشاعر عليها والتقاط آخر ما تختلقه اللجاجة من شبهات وتعلات، ثم الكر عليها بالحجج الدامغة حتى تبقى النفس وليس أمامها مفر من الخضوع للحق والاستكانة لله.
وعندي أن قدرًا كبيرًا من إعجاز القرآن الكريم يرجع إلى هذا. فما أظن امرءًا سليم الفكر والضمير يتلو القرآن أو يستمع إليه ثم يزعم أنه لم يتأثر به..
قد تقول: ولم يتأثر به؟
والجواب أنه ما من هاجس يعرض للنفس الإنسانية من ناحية الحقائق الدينية إلا ويعرض القرآن له بالهداية وسداد التوجيه..
وما أكثر ما يفر المرء من نفسه، وما أكثر الذين يمضون في سبل الحياة هائمين على وجوههم. ما تمسكهم بالدنيا إلا ضرورات المادة فحسب.
إن القرآن الكريم بأسلوبه الفريد يرد الصواب إلى أولئك جميعًا، وكأنه عرف ضائقة كل ذي ضيق، وزلة كل ذي زلل، ثم تكفل بإزاحتها كلها، كما يعرف الراعي أين تاهت خرافه، فهو يجمعها من هنا وهناك لا يغيب عن بصره ولا عن عطفه واحد منها. وذلك سمر التعميم في قوله عز وجل: " ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل " .
كتاب نظرات في القرآن
#محمد_الغزالى
صفحة #روائع_الغزالي
نشر في 14 كانون الأول 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع