Facebook Pixel
قلة النظر والإغماء
748 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

القرآن الكريم أمر بالبحث فى المخلوقات، ولكن جمهرة من علماء العقيدة لن تتعرف على الخالق من النظر فى ملكوته؟ بل من البحث فى ذاته فزاغوا وأزاغوا

كتاب : الحق المر - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [412] : قلة النظر.. والإغماء

راقبت المركبة الفضائية التى ترصد كوكب الزهرة، وتأملت فى الصورة التى رسمتها لسطح الكوكب وقد شقه أخدود طويل عميق، قال العلماء: إنه حديث، وإنه يدل على أن الكوكب يتعرض لهزات الزلازل والبراكين!!

وشعرت بخشوع تجاه عمل القدرة العليا، وقلت أين الأرض من الزهرة؟ وأين أنا من الأرض؟ وأين هذا الأخدود من الكوكب الذى وقع فيه؟ إن الأسرة الشمسية شىء عظيم، وإن أجرامها بالغة الضخامة، وإن نظامها بالغ الدقة، وسبحان الله العظيم...

ثم نظرت فى الجهة المقابلة، تركت ناحية الكبر إلى ناحية الصغر، فإذا أنا أمام مقال علمى للدكتور مصطفى محمود، يسجل ما تقرر بإجماع من أن الإنسان مخلوق من حيوان منوى شديد الصغر، أقل ألف مرة من الهباءة التى قد ترى مرتعشة فى ضوء الشمس!

وأن هذا الحيوان المتضائل الذى لا يكاد يبين، يحمل كل الخصائص التى تمتاز بها البشرية، وتبت فى مصيرها المادى، والأدبى، وتقرر أن الذكورة والأنوثة هندسة وراثية و "جينات " وتعليمات وأوامر مكتوبة بحروف شفرية سابحة فى دماغ الحيوان المنوى !

ثم قال: لا أحد يفكر من هو الذى كتب تلك "الشفرة"؟ وكيف أودعها فى تلك الصحيفة المتناهية فى الصغر، إن مجموع "الجينات " لكل البشر من أيام آدم إلى الآن لا تملأ نصف فنجان!!!

وعدد الجينات فى كل فرد منا يتجاوز التسعمائة ألف، تحمل فى طياتها أكثر من تسعمائة ألف معلومة، عن بنائنا الإنسانى، بناء كل واحد منا وصفاته! فهى مجلد، أو عدة مجلدات، أو مكتبة فى حجم أصغر ألف مرة من الهباءة...!!

مَن الكاتب الذى سطر أقدارنا وأوصافنا وسيرتنا وحياتنا داخل هذا اللوح الأسطورى؟ بأى يد تقدست وتباركت وتعالت فى قدراتها ومهاراتها وعلمها وعدلها تم هذا التسجيل المتناهى فى الصغر؟

وبعد أن عاب الدكتور مصطفى محمود على الغرب أنه عرف الكتابة ولم يعرف الكاتب! وطالع المجد ولم ينحن لصاحبه، قال: لماذا لم يلهم الله المسلمين شيئا من هذه المعرفة الثمينة؟ لماذا خرجت هذه المنجزات العالية من نصف الكرة الآخر ولم تنبت فى بيئاتنا نحن؟ ثم أجاب على هذا التساؤل رادا العيب إلى المسلمين أنفسهم وإلى حالة الإغماء والغيبوبة التى تسود عالمهم الكسول...

وهذه إجابة صادقة، أحب أن أضم إليها شيئا مهما. إن القرآن الكريم أمر بالبحث فى المخلوقات (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء) ولكن جمهرة من علماء العقيدة لن تتعرف على الخالق من النظر فى ملكوته؟ بل من البحث فى ذاته!! فزاغوا وأزاغوا..

يقول الله تعالى : (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق …) ولكننا ما سرنا ولا نظرنا، بل استوردنا مقولات إغريقية انشغلنا بها سنين عددا: هل صفات الله زائدة عن ذاته أم هى عين ذاته أم لا عين ولا غير؟؟

وهذا الأسلوب لو اتجه إلى دراسة الإنسان نفسه ما أفاد شيئا! فكيف إذا اتجه إلى دراسة البارئ الأعلى؟ وقد اعترض هذا المنهج علماء آخرون من المسلمين المحافظين فكان منهجهم جدليا سلبيا لا يقل عن صاحبه سوءا.

ولم نجد من وجه الهمم إلى دراسة الكون ذاته كما أمر الله فى كتابه، مع أن بناء الإيمان فى ديننا ـ كما تهدر آيات القرآن ـ يقوم على النظر العميق المتفحص المعتبر (وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون).

إن الأسلوب الذى سار عليه علم الكلام فى تراثنا أساء إلى ثقافتنا الإسلامية وأصابها بالعقم، ويجب أن نعود إلى منطق القرآن الكريم نفسه، فهو يستنقذ المسلمين من غيبوبتهم الحاضرة والغابرة، إن منطق التجربة والملاحظة والاستقراء هو المهاد الحقيقى للعلم، وهو الطريق الوحيد للسيادة والقيادة وهو وحده منطق القرآن الكريم.

أما الاشتغال بالجدل والتقعر فيما وراء المادة، والقول على الله بغير علم فذلك طريق الضياع..

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالي
#الحق_المر ج4
كلمة حرة
نشر في 26 أيلول 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع