1060 مشاهدة
0
0
التفريط فى خدمة العربية من أحد المشكلات التي نواجهها في مجتمعنا من كتاب مشكلات في طريق الحياة الإسلامية للكاتب محمد الغزالي
كتاب : مشكلات في طريق الحياة الإسلامية - تأليف : الشيخ محمد الغزاليالحلقة [ 6 ] الفصل الأول : صور جديدة وعديدة للأعمال الصالحة (4 من 4)
• التفريط فى خدمة العربية
وقد رأيت أن الأستاذ الدكتور ألقى محاضرته باللغة العاميِّة لأنه- مع إيمانه- كان عاجزاً عن التحدث باللغة الفصحى! .
وتفريط العرب فى خدمة اللغة العربية فضيحة مشهورة ، وهو تفريط بدأ هيِّن النتائج فى عصور خلت ، ثم استفحل شرُّه فى العصر الأخير حتى بلغ الخزى بنا وبلغتنا أن طالبا فى بيروت سأل أستاذه عن المعنى العربى لمصطلح أجنبى ، فقال له الأستاذ المرتدُّ : وهل العربية لغة ؟!
وسماسرة الغزو الثقافى يضاعفون جهودهم فى هذه الأيام العجاف للقضاء على اللغة قضاء تاماً فى أغلب ميادين النشاط الفنى والعلمى.
والمفروض أن تكون اللغة العربية لغة عالمية ، فهى اللغة الوحيدة للوحى الآلهى الباقى على ظهر الأرض ، وتعليمها وتعميمها واجب كفائى ـ بتعريف الأصوليين ـ وبالتالى فهو فرض عين على المدرسين العرب ، وعلى المجامع والمعاهد التى خصصت لذلك .
وهو أبرك وأغزر مثوبة من قضاء الليل فى التسابيح والتحميد ! لأن العربية إذا انهزمت وانفرط عِقْدُها ضاع القرآن نفسه ، ونشأت أجيال أعجمية لا تفهمه إذا بقى من يقرؤه !! .
وصورة واقعنا الآن أن ألف مليون مسلم يقدسون القرآن شكلاً ، وأن سُبْعهم من العرب الذين يندر فيهم المجيدون لقواعد اللغة وآدابها ، وقد وصل إلى مناصب الحكم دهماء لا يحسنون الخطابة السياسية باللغة الفصحى .
ولغتنا لا وجود لها فى الكليات العملية لأن الدراسة باللغات الإنجليزية ، أو الفرنسية ، أو الروسية ، أمَّا ألفاظ الحضارة التى نحتت لها فى اللغات الأخرى ألوف المفردات والتراكيب فليس لها مقابل لدينا .
وريبتى شديدة فى المجامع المتخصصة ، ما الذى قامت به ـ وهذا عملها؟ وإذا كان لها عمل ـ ما حالت عوائق مصطنعة دون ظهوره ـ فما أخرسها عن الجؤار بالشكوى واللغة تموت ؟
وسبب الريبة أن الدكتور طه حسين ظل رئيساً لمجمع اللغة العربية عدة سنين ، وهو يصل إليه محمولاً لعجزه عن المسير ـ أو عن التفكير ـ ومع ذلك فقد استبقى عن عمد ! لأنه لا يهتم بالدفاع عن اللغة إلاَّ مؤمن غيور ، والرجل فى ذلك المجال معروف !
والسؤال الذى لا نفتأ نردده : ماذا يصنع حرَّاس اللغة العربية واللغة تموت يوماً بعد يوم ؟ إن موت لغتنا يعنى هلاكنا الروحى والمادى معًا .
• ملحق :
من أمارات النُّضرة فى ثقافتنا القديمة هذه الكلمات لابن الجوزى يدعو فيها إلى علو الهمة ، ويطلب من المسلم أن يكون طليعة سابقة فى كل ميدان ، يقول : " ينبغى للعاقل أن ينتهى إلى غاية ما يمكنه ، فلو كان يتصَوَّر للآدمى صعود السموات لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض! ولو كانت النبوة تحصَّل بالاجتهاد رأيت المقصِّر فى تحصيلها فى حضيض "
إن هذه الصيحة الشَّماء نضحت من وحى الإيمان الحق ، ومن خصائص التربية الإسلامية فى الشروق المحمدىِّ الأول ، وهو الشروق الذى قاده رجال أصحاب عَزْمات شداد ، وآمال عِراض ، فطووا فى سياحتهم المشارق والمغارب ! .
وابن الجوزى من علماء القرن السادس الهجرى ، ولو رأى المسلمين الآن فى عصر الفضاء ينظرون إلى غزاة الجوّ ببلاهة لحمل السوط وجلد به الظهور ، ولبرَّأ الإسلام من هذا الانتماء المخزى ! . وأريد أن أنقل نصّأ لإمام الحرمين يتحدث فيه عن فروض الكفاية ، وعن الموقف إذا تعارض فرض كفاية مع فرض عين ؟
ولنثبت النَّص أولاً ثم نتبعه بشرح موجز.. قال رحمه الله : " ثم الذى أراه أن القيام بما هو من فروض الكفايات أحرى بإحراز الدرجات ، وأعلى فى فنون القربات ، من فرائض الأعيان! ما تعيَّن على المتعبد المكلَّف لو تركه ولم يقابل أمر الشَّارع فيه بالارتسام ـ الانقياد ـ اختصَّ المأثم به ، ولو أقامه فهو المثاب " .
" ولو فرض تعطيل فرض من فروض الكفايات لَعَمَّ المأثم الكافَّة على اختلاف الرتب والدرجات ، فالقائم به كافٍ نفسه وكافَّة المخاطبين الحرج والعقاب ، وآملُ أفْضَلَ الثوابِ ، ولا يهون قَدْرُ من يحلُّ محلّ المسلمين أجمعين فى القيام لِمُهِمٍّ من مهمات الذين " .
" ثم ما يُقضَى عليه بأنه من فروض الكفايات قد يتعين على بعض الناس فى بعض الأوقات ، فإن من مات رفيقه فى طريقه ، ولم يحضر موته غيره تعيَّن عليه القيام بغسله وتكفينه ودفنه .. إلخ " .
ومضى الإمام بمنهجه الذكى بشرح ضرورة التيقُّظ لفروض الكفاية ، ويبيِّن كيف تتحول فروض عين ، ويبدى رأيه فى تقديمها على الواجبات العينية فى بعض الأحيان.
ولست أحب الجدال فى قضايا موهومة ، فأتخيل فى دنيا النَّاس اليوم أن الوقت لابد فيه من أحد أمرين : إمَّا الصلاة مثلاً ، وإما كذا من الواجبات الكفائية ! .
إن أسبوع العمل فى العالم المتقدم أربعون ساعة فقط ! استغرقت كل ما تطالبُ به الأمة من أعمال تثبت وجودها ، وتنجح رسالتها ، وتعلى رايتها.
وما بقى من (168) ساعة هو لاستجمام الفرد ومرحه ولهوه .
والدين لم يقاسم المرء ساعات عمره بهذا الحساب ، ولم يجعل للعبادات المحضة إلاَّ أويقات محدودة ! .
ويقدر كل إنسان أن يجعل طعامه ومنامه عبادة بحسن القصد وإرادة الله وابتغاء ما عنده. ويقدر كل إنسان أن يجعل أى عمل له فى البر أو البحر أو الجو طاعة لله بهذه النيَّة الشريفة .
وعندما فرض الله الصلوات المكتوبة جعل لها أوقاتاً موسعة ، وأوقات ضرورة.
ويمكن التنسيق الجميل بين شعائر الله ، وسائر الأعمال الأخرى ! .
الأساس الذى ننطلق منه أن نعرف أنفسنا ، أن نعرف أننا أصحاب رسالة سماوية لا تنجح إلا إذا ملكت خيرات الأرض وبركاتها وطوَّعتها لخدمة هذه الرسالة .
لا، إن الإسلام هو وحده العلاقة الفذَّة بين الله والنَّاس ، من بدء الخلق إلى قيام السَّاعة! ولدينا وحدنا معالم الوحى وكلماته الأخيرة ، فإذا فشلنا فى تقدير تراثنا ، وحشد قوى الكون لإحقاق الحق وإبطال الباطل فلا نلومَنَّ إلاَّ أنفسنا .
----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#مشكلات_في_طريق_الحياة_الإسلامية
نشر في 07 تموز 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع